النصائح الفاشلة

دعاء بيطار

0 3٬405

دعاء بيطار

تصدَّر الكثيرون وسائل التواصل الاجتماعي بكلام من نوع: “اترك وتجاهل وأغلق الباب، وأوصد في وجه من أعطاك ظهره، واصفع من يريد جرح كرامتك، ولا تسمح لأحد أن يخدش كبريائك، ورد الصاع ولا تتنازل..” وغيرها من هذه المعاني التي زادت وتيرتها في الفترة الأخيرة والموجهة إلى النساء بشكل خاص، كأن الإساءة ستنتهي بالقطع والقلع وبردها للمسيء.

المشكلة هنا أن الذين يردون الإساءة لا يكتفون بمثلها بل بعشرة أضعافها أحيانًا، وأن أصحاب هذه الدعوات ينطلقون من تراكماتهم الشخصية ويحاولون التنفيس عنها بالتنظير على الناس كأن الجالس أمامنا يحاول إفهامنا أنه اكتشف ما عجز عنه الآخرون، ووضع الأسس القويمة للتعامل مع كل الناس على اختلافاتهم الشخصية والنفسية ومكانتهم بالنسبة إلى الشخص المخاطَب، وعلى تنوع مشكلاتهم وأزماتهم المعيشية.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا 

الله تعالى وضع لنا الأسس القويمة للتعامل مع المسيئين ولم يترك الأمر لأمثال هؤلاء كي يزيدوا المجتمع سوءًا على سوءاته، فلم تزدنا دعواتهم المشحونة تلك سوى ضيقا في النفوس وخرابًا في البيوت وضياعًا للأبناء وبُعدًا عن الأخلاق الحسنة، فلا يمكن أن ننكر أن الأمر يحتاج إلى تعقل واستخدام للحكمة والتروي في مواقف كثيرة، وأنه في كثير من الأحيان يفضل هؤلاء الأشخاص الطرق الأسهل والأسرع التي ينفثونها كالرماد في العيون هنا وهناك لتزيد الأمور سوءًا والأمور تعقيدًا كبقع داكنة تعلق في النفوس، وحين الأزمات تظهر على السطع وتجعل من الذرة جمرة ومن (الحبة قبة) كما يُقال.

عندما تعامل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأطهرهم مع أعدائه ومبغضيه لم يتخذ من تلك الطرائق شيئًا، بل كان يشجع أمته أن يحسنوا أخلاقهم ليكونوا أقربهم منه مجلسًا يوم القيامة فقال: “إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، قد علِمنا الثَّرثارينَ والمتشدِّقينَ فما المتفَيهقونَ؟ قالَ: المتَكَبِّرون”.

اقرأ أيضاً: بعد فقدان الأمل في العودة.. مهجرو ريف إدلب يبيعون أملاكهم بربع أثمانها

وقد حُق له صلى الله عليه وسلم أن يطرد الأعرابي الذي أخذ بتلابيبه طالبًا جزءًا من الغنائم، أو ذلك الذي بال في مسجده، أو أن يرد الصاع صاعين لجاره اليهودي الذي أذاه بوضع القمامة عند باب بيته الشريف، وقد كان يستطيع ألَّا يعفو عمَّن ظلموه من كفار قريش يوم فتح مكة، وألَّا يصل من قطعوه من أهله وأرحامه في شعب بني طالب، ومواقف كثيرة لا تحصى من سيرته العطرة عليه أفضل الصلاة والسلام تخبرنا أن في الرفق زينة وحكمة ورفعة، وأن الأمور لا تقاس بميزان هؤلاء، وأننا بحاجة دائمة لتكون سيرته الشريفة نبراسًا في طريقنا ونموذجًا يُقتدى به عند تلقي الإساءة من أحد.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط