أيام تفصلنا عن نهاية هذا العام بما حمله من إنجازات وخيبات مع تصنيفه من قبل كثيرين بأنه الأسوأ على مدار العقود الماضية، كونه حمل معه جائحة كورونا التي تقضُّ مضاجع العالم اقتصاديًا وسياسيًا، وبعيدًا عن الساحة العالمية لم يكن هذا العام جيدًا بالنسبة إلى السوريين معارضين وموالين.
فقد استمر تعنّت بشار الأسد وتمسكه بالسلطة وتمييع كلّ الحلول السياسية المفروضة أمميًا وأكمل مسيرته الدموية باستخدام الآلة العسكرية في تطويع معارضيه والبدء بتهجير المهجرين من منفاهم الذي نقلهم إليه من مناطق خفض التصعيد، وكانت حملته العسكرية بداية هذا العام الأقسى والأكبر كونها بدأت في ظروف مناخية قاسية وشكّلت كارثة على الصعيد الإنساني بسبب العدد الكبير الذي تمّ تهجيره من أرياف إدلب وحماة وحلب.
عامٌ حمل في طياته للمرة الأولى خلاف آل الأسد ومخلوف وبروز أسماء الأخرس على الطاولة السياسية بصفتها لاعب قوي إلى جانب عائلتها، وعلى الرغم من صراع الحيتان هذا، عانى المدنيون من أزمات مستمرة في مناطق سيطرة الأسد، حيث فُقِدت مواد أساسية مرات عديدة أبرزها كان ومايزال تأمين رغيف الخبز، كما أن الليرة السورية وصلت لأدني مستوياتها صيف هذا العام لتعود وتستقر بأفق غامض عند معدلات ماتزال تسهم في فقر السوريين وتزيد من معاناتهم دون إدراك سياسي أو تفكير جدي بتحرك يسمح ولو بانفراجة في العملية السياسية.
ومن جانب المعارضة مايزال الآلاف من الأحرار متمسكين بوتد كرامتهم في خيام لا تقي حرّ الصيف ولا تَردُّ برد الشتاء، على أمل العودة الكريمة إلى بيوتهم والحلول العادلة لمطالبهم وقضاياهم بعيدًا عن قبضة الأسد ومنظومته الأمنية.
إلا أنَّ النخب السياسية في الائتلاف فاجأت جموع السوريين بإحداث (المفوضية العليا للانتخابات) التي سرعان ما رفضها الشارع المعارض كما رفض مصطلح بيدرسون (العدالة التصالحية)، وهو ما يعكس النبض الحي للثورة السورية على الرغم ممَّا تعانيه من مشاكل مصادرة القرار واستقلاليته، ومشروعية الكتل التي تتحدث باسمها ولأجلها.
عام يكاد ينقضي بجولات وجلسات وحوارات لم توجز للسوريين فكرة أو نتيجة حول ما يمكن أن يخفِّف معاناتهم ويرسم مستقبلهم، فكل ما هنالك هو الغوص أكثر بالمفاهيم والعقد السياسية والدوران في حلقات مفرغة نهاياتها قد تشبه بداياتها ما لم تحصل معجزة في معطيات الواقع السياسي لتغير الطريق المسدود الذي نعيشه.
وفي الدائرة المحيطة بنا خاض الجميع معاركهم فوق رؤوسنا بداية من إيران وإسرائيل وليس نهاية بالمحور الخليجي في مواجهة تركيا، إلا أن الجميع خرج بمكتسبات على حسابنا أو من خلالنا، فإسرائيل مستمرة بغاراتها على الإيرانيين في الأراضي السورية، في حين ماتزال إيران ماضية بمشروعها بتشييع السوريين والسيطرة على مقدراتهم، وماتزال روسيا تبتز (قسد) والأمريكيين بالتحركات التركية لتسيطر على المزيد من الأراضي وتقوّي نفوذها شرق الفرات، في حين الولايات المتحدة تقود تحالفًا بحجة محاربة (داعش) بالتوازي مع استمرارها بالسيطرة على آبار النفط السورية.
قرَّاءَنا الكرام: على الرغم من سرد الخيبات هذه ينبغي لنا أن نتمسك بوميض النصر لأحلامنا ومستقبل أبنائنا، وألَّا ننسى أمانة الشهداء ومعاناة المعتقلين على درب حريتنا القادمة إن شاء الله.