في مشهد غابت فيه كل البروتكولات المعتادة في زيارة رئيس دولة لأخرى، استفاق الإعلام يوم الثلاثاء 14 أيلول الحالي على خبر زيارة مفاجئة لبشار الأسد إلى موسكو، وقد وصف الإعلام الروسي تلك الزيارة بأنها غير معلنة، لكن عدم الإعلان ليس مبررًا لغياب مشاهد استقبال بوتين (نظيره) بشار الأسد من المطار، وفرش السجاد الأحمر له، واستعراض الحرس الرسمي، وعزف نشيدي البلدين، وغياب العلم السوري أثناء اللقاء، كل ذلك لا يخرج عن أن بشار الأسد كان في جلسة استدعاء من معلمه بوتين للاستجواب والتلقين ثم الذهاب إلى دمشق لإكمال المهمة، فما الذي أراده الروس من بشار بهذا الاستدعاء المفاجئ رغم وجود مبعوث روسي خاص إلى روسيا لمتابعة كل شيء؟
الزيارة أو الاستدعاء سبقه إرهاصات، لا سيما تصريحات الساسة الروس بأنهم في سورية لا يدافعون عن أشخاص إنما عن مصالح روسيا، بحسب ما قاله رئيس الوزراء مدفيدف قبل يومين من اللقاء، وسبقه أيضًا تمكين روسيا لنظام الأسد من درعا البلد وبقية مناطق الجنوب السوري، وتبعه اتصالات روسية مع تركيا والسعودية، ومن المقرر أيضًا بحسب مسؤول تركي وجود زيارة مرتقبة للرئيس أردوغان إلى روسيا لبحث مسألة التصعيد في إدلب.
وتزامن الاستدعاء الروسي للأسد مع تحرك أردني حمل فيه عاهله مباركة أمريكية لمد الغاز العربي مرورًا من سورية، وكل ذلك يأتي على حساب دماء السوريين وبتماهي أمريكا ورضاها.
في اللقاء ركز بوتين على أن القوات الأجنبية في سورية هي من تعرقل الحل السوري، وحتمًا عنى الجميع خلا مليشياته الروسية.
ما يريده بوتين من بشار الأسد فضلًا عن إهانته أن يكون مطيعًا، وهذه أهم رسالة حمَّله إياها، إذ إن بشار خالف التعليمات الروسية لا سيما بتعطيل الحل السياسي، الذي تسعى روسيا إلى إخراجه وتقديمه لأمريكا لتحظى بالسيطرة التامة على سورية وملء الفراغ الأمريكي المتوقع إذا ما نفَّذ بايدن انسحابًا من سورية على غرار أفغانستان.
لا يهمنا من الاستدعاء مباركة بوتين لأجيره نجاحه بالانتخابات، ولا كذبهم عن عودة المهجرين إلى سورية، إنما يستوقفنا عبارة بوتين أن نظام الأسد يسيطر على 90 بالمئة من سورية، وهذه رسالة منه لمنافسيه الأساسيين في سورية (تركيا، وإيران)، وربما عنى فيها بوتين تمكنه من ملء الفراغ الأمريكي المحتمل في سورية عبر بوابة (قسد)، حيث يجري مؤخرًا زيارات لمسؤولي (مسد) إلى موسكو لبحث ملفات التقارب بينهما خاصة أن (قسد) تتخوف من انسحاب أمريكي مفاجئ من سورية على غرار ما حدث في أفغانستان، لذلك تسعى لتأمين حليف قوي لها، ويبدو أن الخيار روسي.
إن الموقف الأمريكي حاليًا يتبع إستراتيجية التوجه إلى شرق آسيا وبحر الصين بدل الشرق الأوسط والخليج لمواجهة التمدد الصيني، لذلك غير مستبعد أن تكون سورية جائزة أمريكية بالنهاية لروسيا؛ لمنع أي تقارب روسي صيني في المستقبل، واستدعاء بوتين لأجيره بشار فيه رسالة تحذيرية له أولًا كيلا يغرد خارج السرب ويفسد أي اتفاق روسي-أمريكي يخص سورية مستقبلًا خاصة بإغراء إيراني، ورسالة لتركيا بأن الصراع شرق الفرات معها لن يكون سهلًا، وربما يقابله جبل الزاوية وفتح طريق M4، بداعي أن اتفاق الخامس من آذار قد انهار، مقابل مكاسب لتركيا تحصلها من قسد.
إن ملء الفراغ الأمريكي في سورية مسألة صعبة في ظل اختلاف مشاريع ووجهات نظر المثلث (الروسي، التركي، الإيراني) في سورية، وبالتالي ستتولد استقطابات سياسية جديدة، وربما تعمل أمريكا على ضرب الجميع ببعضهم واستخلاص الأنسب لضمان مصالحها في سورية.