شهدت أسعار العقارات في مدينة أريحا وريفها قفزة غير مسبوقة بعد سنوات من الجمود، حيث تضاعفت الأسعار بشكل ملحوظ في فترة زمنية قصيرة.
يعود هذا الارتفاع إلى عدة عوامل مترابطة، أبرزها عودة النازحين إلى مدنهم بعد التحرير، مما أدى إلى زيادة الطلب على المنازل والأراضي السكنية، فضلًا عن تحسّن الأوضاع الأمنية والاستقرار الذي حظيت به المنطقة بعد سقوط النظام، مما عزز من حركة الاستثمار العقاري.
بالمقابل، تراجعت أسعار العقارات في مدينة سرمدا والمناطق الحدودية، ما يعكس تغيرًا في الخارطة العقارية للمنطقة.
عودة الطلب وارتفاع الأسعار: متغيرات جديدة في السوق العقارية
منذ تحرير سوريا، شهدت مدينة أريحا تغييرات كبيرة في سوق العقارات، حيث ارتفع الطلب بشكل ملحوظ على المنازل والأراضي السكنية، مما أدى إلى تضاعف أسعار العقارات في المدينة.
اقرأ أيضاً: مصفاة بانياس تعود للعمل وسط وعود بتحسين التوريدات
لعب تحسن الوضع الأمني دورًا كبيرًا في تحفيز حركة شراء العقارات واستثمارها في مدينة أريحا ومحيطها.
أوضح “أبو عبدو قربي”، صاحب عقار في جبل الأربعين، كيف تغيرت الأمور بعد التحرير، قائلًا: “عرضت عقاري للبيع منذ أكثر من خمس سنوات، ولكن لم يكن هناك أي إقبال على شرائه بسبب قرب المنطقة من مواقع النظام السابق، وكان الوضع الأمني غير مستقر بشكل كافٍ لجذب المستثمرين”.
لكن بعد التحرير، تغيرت الأمور جذريًا، حيث تلقى أبو عبدو عدة عروض لشراء العقار، وتمكن من بيعه بسعر مرتفع، لم يكن يتوقعه، وأضاف: “تحسن الوضع الأمني جعل المنطقة أكثر جاذبية للمستثمرين، ورفع من قيمة العقارات بشكل واضح”.
المناطق الحدودية تخسر بريقها العقاري رغم نشاطها التجاري
في الوقت الذي تشهد فيه مدينة أريحا ومحيطها انتعاشًا واضحًا في السوق العقاري، بدأت المدن الحدودية، لا سيما سرمدا، تفقد شيئًا من بريقها، رغم استمرار نشاطها التجاري بفضل قربها من معبر باب الهوى.
خلال سنوات الحرب، كانت سرمدا تُعد وجهة رئيسية للمستثمرين والعائلات النازحة من مختلف المحافظات السورية، وذلك بسبب استقرارها الأمني النسبي، هذا الوضع أدى حينها إلى ارتفاع أسعار العقارات فيها بشكل كبير.
لكن المشهد تبدّل بعد توقف الحرب وعودة عدد كبير من الأهالي إلى قراهم ومدنهم الأصلية بعد تحرير سوريا، ورغم استمرار الحركة التجارية، لوحظ تراجع في أسعار العقارات في سرمدا، خاصة في ظل انخفاض الطلب.
يقول “علاء عثمان”، صاحب مكتب عقاري في سرمدا، إن سعر دونم الأرض تراجع بمقدار ألف دولار تقريبًا عمّا كان عليه قبل التحرير، وأضاف: “سرمدا لم تفقد أهميتها بالكامل، لكنها لم تعد وجهة استثمارية أولى كما كانت سابقًا، وهذا طبيعي بعد التغيرات السياسية والميدانية الأخيرة”.
عودة المغتربين وإعادة تشكيل سوق العقارات في أريحا
رغم ارتفاع أسعار العقارات في أريحا، إلا أن السوق يشهد حركة شرائية محسّنة، خاصة من قبل المغتربين العائدين بعد التحرير.
محمد شحادة، شاب ثلاثيني، عاد من لبنان بعد سنوات من اللجوء، ليشتري منزله الأول في أريحا، ويقول: “سنوات طويلة وأنا أحلم بالعودة إلى سوريا وهي حرة ومستقلة بدون حرب، وعدت الآن لأشتري بيتًا في مدينتي أريحا، ليكون ملاذًا لي ولعائلتي”.
ويشير “أبو فاضل”، صاحب مكتب عقاري في أريحا، إلى أن قلة العرض هي السبب الأبرز في استمرار ارتفاع الأسعار، ويضيف: “الطلب كبير، لكن أغلب البيوت التي كانت معروضة للبيع قد سحب أصحابها عروضهم بعد التحرير، فكثير من المغتربين كانوا يحتفظون بمنازلهم خوفًا من دمارها خلال الحرب، واليوم اختاروا الاحتفاظ بها”.
هذا التداخل بين ارتفاع الأسعار وحركة الشراء النشطة يُظهر واقعًا معقدًا في أريحا، حيث تتنافس الفرصة الاستثمارية مع التحديات السكنية التي تواجه شريحة كبيرة من السكان.
تشير المؤشرات الحالية إلى أن السوق العقاري في إدلب، وخصوصًا في أريحا وريفها، يشهد تحولًا جذريًا بعد مرحلة التحرير. فقد لعب الاستقرار الأمني وعودة السكان والمغتربين دورًا كبيرًا في إعادة رسم المشهد العقاري.
وبينما تمثل أريحا فرصة استثمارية صاعدة، تواجه سرمدا تحديات جديدة تقلص من جاذبيتها العقارية رغم استمرار نشاطها التجاري.
ومع استمرار هذه التغيرات، تبقى الحاجة ماسة لوضع رؤية عمرانية متوازنة، تأخذ بعين الاعتبار حاجة الأهالي إلى السكن، وتدعم في الوقت نفسه فرص الاستثمار، دون أن تتحول الأسعار إلى عبء يثقل كاهل المواطنين.