تحولات المشهد السوري بعد الغزو الروسي لأوكرانيا

غسان الجمعة

1٬354

مضت عشرة شهور تقريباً على الغزو الروسي لأوكرانيا تكبدت فيها موسكو خسائر على مختلف الأصعدة، وبدأت العملية الخاصة كما يسميها الروس تستنزف موسكو على كافة المستويات ومن الناحية السياسية والعسكرية على وجه الخصوص.

تشترك الساحتان الأوكرانية والسورية بوجود معظم اللاعبين على أرضية التنافس والصراع في كلا الدولتين وحتى الأمس يعمد قطبا الصراع على فصلهما عن بعضهما البعض حيث التقطت منذ شهر القوات الأمريكية والروسية صوراً تذكارية جماعية في شرق الفرات في الوقت الذي كانت تتطاير فيه أشلاء الجنود الروس بصواريخ هيماريس الأمريكية على جبهات أوكرانيا.

احتجاجات وقطع طرقات في السيدة زينب بدمشق

اليوم بعد التهديدات التركية بعمل عسكري بري وتراجع الدور الروسي نسبياً في سورية بعد سحبها لمعدات نوعية وتقليص حجم قواتها هل يمكننا القول: إن الملف الأوكراني مستقل في تداعياته عن مشهد الصراع السوري عسكرياً وسياسياً؟

المتغير الأوضح والأسرع في سورية هو الاستعدادات التركية لعملية برية ضد تنظيم قسد الإرهابي في رغبة واضحة لأنقرة بتوسيع حزامها الأمني واستغلال الظرف الدولي الملائم فموسكو الغارقة في أوكرانيا كشفت مصادر تركية عن رفعها الغطاء عن مناطق الشهباء الواقعة شمالي حلب تحت سيطرة قسد مقابل تنازلات في الملف الأوكراني وهو مؤشر غير اعتيادي في الملف السوري الذي كانت تسوياته بين تركيا وروسيا تعقد في أستانة أو سوتشي.

في حين دفع الغزو الروسي لأوكرانيا كلاً من السويد وفنلندا لطلب الانضمام للناتو وهو ما استثمرت فيه تركيا على صعيد الناتو لتحقيق مكاسب ضد تنظيم قسد وبي كا كا الإرهابيين في شرق الفرات وشمال العراق.

هذا التوازن في تحقيق المصالح الذي لم يتوفر سابقاً لأنقرة يعطي لتركيا الضوء الأخضر من إرهاصات الوضع الأوكراني لبدء عملياتها في شرق الفرات بأي لحظة أو الاستمرار في وتيرة الضغط السياسي على الأطراف في سبيل تحقيق مطالبها.

اضغط هنا لمتابعة صفحتنا على فيسبوك

ومن جهة أخرى حتى في ديناميات العلاقة الروسية الإيرانية في سورية يمكننا قراءة الانخراط الإيراني بدعم موسكو بطائرات بدون طيار في أوكرانيا سببه الحفاظ على غطاء جوي روسي في سوريا تحت قاعدة (مجبر أخاك لا بطل) فالمصالح الإيرانية في الشرق الأوسط هي أعمق منها في الشرق الأوربي بالنسبة لطهران إلا أن حفظ ماء الوجه الروسي بات مدرجاً على الأجندة الإيرانية لأن امتناع طهران عن سد ثغرات الفشل الروسي في أوكرانيا قد يكلفها انهيارا روسياً في سوريا وهو ما لا يصب في مصالحها.

لذلك كلما شهد الملف الأوكراني تصعيداً أكبر قابلته مصلحة إيرانية في ملء الفراغ الروسي في سوريا وسد عجز موسكو العسكري حتى في أوكرانيا نفسها لا سيما وأن الحديث يدور عن طلب روسي من طهران بإمدادها بالصواريخ طويلة المدى.

الجدير بالذكر أن روسيا أيضاً تستمر في تحذير إسرائيل عن ضرورة عدم عرقلة عمليات نقل الأسلحة من قواعدها في سوريا إلى أوكرانيا أو تسليح تل أبيب لكييف وذلك في إشارة واضحة من موسكو في مقايضة الدور الروسي في ضبط الحدود الشمالية للكيان مع مواقف إسرائيل اتجاه الغزو الروسي لأوكرانيا.

العجز الروسي بدأ يتكشف في سوريا بسبب محاولتها خلط الأوراق التي كانت تجيد استثمارها بأوجه متعددة قبل تورطها في أوكرانيا ولن يقف هذا التأثير على الصعيد العسكري فالوضع الاقتصادي في سوريا متأثر بشكل مباشر بحالة الانكماش والحصار التي تضرب الاقتصاد الروسي عدا عن التداعيات الغير مباشرة للحرب الروسية الأوكرانية على أسعار الطاقة والغذاء لذلك باتت أوكرانيا وسوريا بالنسبة لموسكو وجهين مختلفين لمشكلة واحدة عنوانها الاستنزاف البطيء.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط