أعكفُ منذ حين على قراءةِ رواية “تسعة عشر” للكاتبِ المبدعِ أيمن العتوم، منذ ساعتينِ تقريبًا ونفسي تراودني أنْ أكتُبَ عنها، فأستعصمُ، وليس هاهنا موضعُ الاستعصام، لا أدري حقًّا – ولعلّنا نتناصحُ – كيف نصنعُ مِن القراءةِ والكتابةِ حدثًا يوميًّا محبّبًا إلينا، نمارسهُ بشكلٍ اعتياديٍّ سهلٍ، كما أننا نستيقظُ ونعملُ ونتوضّأ ونصلّي.
نعم لو وصلنا إلى حالةِ أنّنا نقرأُ ونكتبُ بحبٍّ وعطفٍ وديمومةٍ لاختلفَ الفِكرُ ولأصبحَ النّتاجُ غزيرًا، اللهَ نسألُ ذلك.
ما دعاني لكتابةِ تلكَ المُقدّمة عزيزي القارئ، أمران؛ أوّلهما: رغبتي الصّادقة أن أطلِق عقلي ليكتبَ، فبدأتُ بما يُلحُّ عليه فسكبتُه سكبًا، فالكتابة تحلو بعد انطلاقة واثقة، والثّاني: أنّي – وأنا أجِدُّ السيرَ بين سطور الروايةِ، شعرتُ برغبةٍ أنْ أنتقلَ للصفحة الأخيرة، فانتقلتُ، فوجدتُ الكاتب يقول في آخرها: لقد كُتبتُ هذه الرواية بين 1/12/2017 حتى 1/1/2018, أي أنّ أيمن العتوم كتبَ هذه الرواية البديعةَ في شهرٍ تقريبًا، نعم، وشهر واحدٌ في عُمْر الروايات قليل، إنّه قليلٌ جدًا، وربّما أنّ الكاتب قد كتب روايةً أخرى أسرع من ذلك، مَن يدري؟ لعله فعل!
وزير الداخلية التركي يضع حجر الأساس لمشروع العودة الطوعية في جرابلس
ما أنا متأكد منه أنّه يكتبُ بغزازةٍ وديمومةٍ نوعًا ما، ويقرأ كذلكَ أكثر، ولقد ذكر ذلك في روايته، فمنذ طفولته كان شغِفًا بالقراءة، حتّى نال لقبَ (فتى الكلمات) بامتياز وهو الصفّ الثّالث الابتدائي أو يزيد، نعم، إنّها المثابرة الّتي نفقدها.
وإذا أردتُ أن أبوح بما اعتراني في الرواية، في محاولةٍ مني أن أصفها وأصفَني وأنا متلبسٌ بالغوصِ فيها فإني أقول: إنّ الرواية حملتْ كمًّا معرفيًّا غزيرًا جدًّا، فقدّمت لقارئها كمّا ونوعًا من المعلومات والأفكار ما هو كفيلٌ بأن ينكتُ نُكتًا بيضاء كثيرة في سوادِ جهلِه، وهذا ما فعلته الرواية معي بالضبط، لقد ساهمتْ في تقليص مساحة جهلي نوعًا ما.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا
إنّ الرواية دارت أحداثها في مرحلةٍ غيبيّة، لا نعرفُ عنها إلّا ما أخبرنا به نبيّنا صلى الله عليه وسلم وحيًا منه تعالى، إنّها جرتْ في عالمِ البرزخ المتخيّل! هذا العالم الفسيح جدًا، يكفي أن تدركَ أنّه يبدأ بالموت وينتهي بيومِ القيامة، لتعرفَ مدى سعته، فكم ستكون المدةُ بين الموت والقيامة؟
لا أدري لم ذكرني الزمن الممتدّ في الرواية بقول أحمد شوقي:
قُم ناجِ جِلَّقَ وَاِنشُد رَسمَ مَن بانوا مَشَت عَلى الرَسمِ أَحداثٌ وَأَزمانُ
ولكنّ الكاتب في الرواية لا يُناجي دمشقَ، إنّما يُناجي العالمَ بأسره، وحقّا ينشدُ العتوم رسمَ الكثير ممَّن بانوا وأصبحوا من أهل البرزخ، وهم من أعلام الأدباء والعلماء واللغويين و الفلاسفة والمفكرين وغيرهم الكثير، يلتقي بهم لقاءات سريعةٍ ولكنها مكثّفة، وربما سألهم أسئلة كانت تدور في ذهنه في (الفانية) كما يُسمّي الدنيا في الرواية.
إنّ رواية تسعةَ عشر ببساطة تثقّفُ وتُعلّمُ بالإضافة إلى الإمتاع والمؤانسة، ففي مشهدٍ من مشاهد البرزخِ يدخلُ أيمن العتوم (بطل الرواية) مكتبةً هناك، مكتبةً ليست كالمكتبات، فيها كلماتٌ ليست كالكلمات كما قال نزار قباني، إنها مكتبةً عظيمةٌ إلى حدّ الدهشة، كما كلّ شيءٍ في عالم البرزخِ مدهشٌ وغريب، مكتبةٌ تحوي كلّ ما كتبه الإنسان، منذُ أوّل كلمةٍ إلى آخر كاتبٍ قامت عليه القيامةُ وفي خاطره كلمةٌ فكتبَها، فلا مجال في هذه المكتبة للضياعِ أو الاختفاء، كلّ شيءٍ حاضرٌ هنا حتى الكتب التي أحرقت أو واندثرت بطريقة أو أخرى موجودةٌ هنا (أحصاهُ اللهُ ونسوه)، والمفارقةُ العجيبة أن الكاتب جعل لا سبيل للداخل إلى هذه المكتبة أن يخرج منها إلى عالمٍ آخر من عوالمِ البرزخ إلا بعد أن يتمّ قراءة كلّ الكتب فيها، ألكَ أن تتخيل أن بإمكان إنسانٍ ما أن يقرأ كلّ ما أنتجته البشرية من كتبٍ منذ أول كتابٍ حتى آخر كلمة! يبدو الأمر معجزًا.
إنّني لا أريد أن أغوص أكثر، لقد نويتُ من كتابتي هذي أن أكسرَ حاجز السكونِ فأقرأ وأكتب، وأدعوكَ يا قارئي أن تقرأ رواية “تسعة عشر” ، فإنها بديعة، وأدعوكَ ونفسي الكسولة أن تجعل القراءة والكتابة ديدَنكَ، أتدري ما هو الدّيدنُ؟ إنه العادة اليومية المترسّخةُ، لا نملكُ فراقها من شدّة الحبّ، إنّها بكلمةٍ واحدة، الشغفُ بشيءٍ ما.
لتحميل الرواية يرجى الضغط هنا