تغيير قواعد الاشتباك

أحمد وديع العبسي  

0 563

في الحروب الخالية من القيم والأخلاق دائمًا ما ينتصر الأقوى حتى لو كان هو المغتصب، أمّا في حالة وجود القيم عند أحد الأطراف واختفائها عند الآخر، فغالبًا ما ينتصر صاحب القيم والأخلاقيات ولو كان ذلك بعد زمن طويل، حسبه في ذلك أن يصمد في ميدانه ويتمسك بمبادئه ما استطاع، وأن يعطي للحرب ما تحتاجه فلا يكون مغفلاً يُقتل دون أن يقتل، ويتألم دون أن يؤلم عدوه، ولكل حرب أخلاقياتها التي تفرضها طبيعة المتخاصمين.

أما عندما تكون القيم والأخلاق في الحرب وعند الطرفين حالة عامة، حتى لو كانت عند أحدهما ادعاءً ودعاية، فعندها سينتصر صاحب الحق بينهما، لأن الباطل لا يصمد مع القيم.

يحاول جزء كبير من العالم منذ فترة طويلة أن يدمج بين القيم الأخلاقية السامية وبين مصالحه الوضيعة، ليظهر بمظاهر البطولة والحق وهو يغتصب الحقوق، لكن ذلك يتمكن من نفوس الناس بدرجة كبيرة ليصبحوا مناصرين للحق بطبعهم بدرجة جيدة فلا يقفون إلى جانب دولهم، إنما إلى جانب الحق.

اقرأ أيضاً: غاية بايدن من تمديد حالة الطوارئ الأمريكية تجاه سورية

وكذلك يستغل أصحاب الحقوق ذلك فيجدون فرصة كبرى للدفاع عن حقهم وحشد المناصرين له والجرأة في سبيله، فالعواقب لن تكون وخيمة جدًا في معظم الحالات، لأن هناك قيمًا تحكم مجتمع الصراع أو مؤسساته.

قد يكون مثيرًا للجدل أن أقول: إن ما يجري في القدس اليوم ضربٌ من هذا، لكني اعتقده صحيحًا، فالدعاية التي حاولت الصهيونية إبرازها للعالم على أنها دولة تتمتع بقيم إنسانية وبالعدالة، وبحسن المعاملة، والتمثيلية التي اضطروا لإبرازها بقوة من أجل ترسيخ هذه الصورة عن دولة الكيان الصهيوني فعلت فعلها في نفوس الكثير من المغتصبين، فأصبحوا أقل جنوحًا للشر والحرب، وظهرت منهم تيارات تريد السلام بحق، ولا ترغب بالاعتداء على الفلسطينيين، وصارت الصورة الإنسانية التي يود الصهاينة إظهارها عن دولتهم عبئًا عليهم كونهم مغتصبين وفي حالة اشتباك دائم، وصار ظلمهم واعتداؤهم على الحقوق وجرائمهم التي يرتكبونها أكثر ظهوراً للناس وللعالم.

بينما جعلت هذه المقومات الشباب الفلسطيني أكثر جرأة وشراسة من أجل استعادة حقه، وعدم التفريط به، واستغلوا هذه القيم ليكون لهم مناصرون داخل مجتمع الكيان الصهيوني وفي الكثير من دول الغرب الداعم له، وتمتعوا هم أيضًا بقيمٍ نبيلة في القتال والاشتباك، فظهروا أكثر إنسانية وأخلاقية من عدوهم وهم أصحاب الحق وأهل البلد، ممَّا أعطاهم دائمًا سبق التفوق على عدوهم حتى لو لم يكن الانتصار حليفهم بسبب اختلاف ميزان القوى.

هذه القواعد الجديدة التي حاول العالم أن يفرضها في الاشتباك من أجل مصالحه تنحاز للحق بطبيعتها، وتبشر كل المظلومين أن خلاصًا قادمًا سيأتي إذا ما أحسنوا استغلالها وصمدوا في سبيل قضاياهم العادلة، وبذلوا في سبيلها ما يستطيعون ولم يتخلوا عنها بسبب إرهاق الطريق الطويل.

المدير العام | أحمد وديع العبسي  

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط