تونس عنق الزجاجة

أحمد وديع العبسي

0 928

يبدو المشهد التونسي مشهداً معقداً جداً، تختلط فيه الأوراق والتيارات السياسية بشكل كبير، حتى لا يكاد المراقب للوضع في تونس يميز الاصطفافات على الخارطة السياسية والميدانية بشكل واضح، وربما نستطيع تشبيهه إلى حدّ كبير بالحالة الفصائلية في بلد مثل سورية، لكن الفصائل في تونس ما زالوا يرتدون ربطات عنق ويحاربون بعضهم إلى اليوم بالوسائل السياسية غالباً. ولكن إلى متى سيستمر هذا الوضع؟!، وإلى أين يريد قيس سعيد أن يصل في نهاية المطاف؟!.

تبدو المعارضة التونسية غير موحدة فهي جبهتان على الأقل، الأولى تتشكل من النهضة ومن حولها من القوى الناشئة التي رأت في معارضة الرئيس فرصة للظهور، فلا يجمعها مع النهضة وحدة التفكير والمنهج، وإنما توفر الوسيلة ووحدة الهدف المؤقت، وجبهة أخرى تمثل بعض المثقفين الذين ينتسبون لتيارات سياسية إسلامية وعلمانية غير راديكالية ومستقلين يدركون خطورة ما يقوم به الرئيس ولكنهم يبحثون عن حلٍ غير عودة النهضة، فلا اصطفاف إيديولوجي حقيقي في المعارضة.

بينما يقف إلى جانب الرئيس، كل الفئات التي يهمها أن تعود تونس إلى الحالة الديكتاتورية والأمنية والتبعية الخالصة للغرب من تيارات تمثل الوجه السياسي للحرس القديم، ومنتجاته التي افرزها واقع ما بعد الثورة، وبعض التجمعات المدعومة من دول أوروبا، فلا يوجد أي دولة غربية سعيدة بالحالة الديمقراطية في تونس ولن تكون سعيدة بالديمقراطية في أي بلد ممكن أن يصل فيه إسلاميون إلى السلطة. تقاسمها المصالح بعض الدول التي تقدم دعمها للديكتاتوريات في المشرق العربي.

يصر رئيس الجمهورية بين وقت وآخر على اتخاذ قرارات ذات شكل استبدادي فج، لا اعتقد أن آخرها حل مجلس القضاء، ويعمل على إصدار قرارات ترسخ الطغيان والدكتاتورية، وهو الرئيس المثقف الذي جاء إلى السلطة ديمقراطياً!! فلماذا يفعل هذا!؟

لا اعتقد أن من وراء قيس سعيد يريد أن يجمع السلطات في يد هذا الرجل النكرة على الحياة السياسية والأمنية، والتي يريد الحرس القديم استعادتها كاملة، ليصلوا مجدداً إلى رأس السلطة، ولكنهم يريدون على عكس التجربة المصرية أن يصلوا كمنقذين للبلاد من ويلات الديمقراطية والإسلاميين الذين تمثلهم النهضة المتساهلة مع الطاغية، ومن طغيان المثقفين المستقلين الذين يمثلهم قيس سعيد.

فما تريده هذه القوى التي تصمت اليوم عن الرئيس، وتسمح له أن يفعل ما يفعل دون أن تدعمه بقوة، إعادة تونس إلى عنق الزجاجة، إلى أتون المظاهرات والاشتباكات والحالة الأمنية التي تسمح لهم بالتدخل ولعب دور قيادي يستعيدون فيه سلطتهم من الشعب، عندما تبلغ الاحتجاجات على الرئيس ذروتها، فيقف الجنود إلى جانب الناس كما فعلوا من قبل، ويكررون الحالة الوطنية، ولكن هذه المرة بعد أن يقولوا للشعب إن الحكم الأمني هو الأفضل وإن الديمقراطية كما رأيتم هي تعطيل للبلاد والعباد وفوضى عارمة لا تنتهي، فهي في أحسن أحوالها توصل النكرات ضعاف الخبرة، المستبدين الصغار إلى رأس الهرم السلطوي.

المطلوب من قيس سعيد أن يصل بالبلاد إلى الفوضى ونقطة اللاعودة، وهو إمّا يدرك هذا ويحاول أن يكمل اللعبة بهدف الوصول إلى سلطة حقيقية عن طريق بناء تحالفات داخل المنظومة الأمنية تجعلها منقسمة على نفسها، فيستفيد من قوتها لحمايته ومحاربة القسم الآخر، وإمّا هو أبله يتم استخدامه كمستهلكات بالية، وهو احتمال وارد جداً، فليس للرجل سابق عهد بالسياسة، ولم يتعرف عليها إلا بالقدر الذي مارسها فيه.

أمّا المعارضة فعليها أن تعمل جاهدة على عدم السماح للرئيس أن يصل بالشارع التونسي إلى الفوضى، فكل ما يفعله الرجل يسير بهذا الاتجاه بشكل واضح، وعليها أن تجد صيغة للتفاهم مع المنظومة الأمنية كأهون الشرّين، تضمن لهم العودة للسلطة دون دماء، وتضمن للمعارضة البقاء في الساحات الاجتماعية على الأقل حتى حين.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط