كعادتي، سهرت إلى تلك الساعة المتأخرة ليلاً متناسياً الجامعة والواجبات الأخرى صباحاً، مستغلاً نوم صديقي الذي يخلد للنوم غالباً مع تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.
حاولت إخراج ذلك القلم الذي لطالما حاول مساعدتي في كتابة خواطري وقصائدي، لطالما بكى معي، كُسر معي، سال دمعه على الورقة معي محاولاً مواساتي بمقولته: “رح بتعدي”
أذكر أن الساعة كانت بحدود الثانية بعد منتصف الليل، أخرجت الأوراق، جلست على الطاولة محاولاً أن أنسى ذلك اليوم، اليوم الأرجواني ذي الساعات المتعبة.
أمسكت بالقلم، كتبت عنواناً صغيراً فغصصت تارةً وضحكت تارةً أخرى، فسألني القلم ما بك يا صديقي؟
قلت له لا شيء ولكن فعلاً نحن نعيش الأوجاع ذاتها، غالباً ما يؤثر بنا شيء سخيف يا قلمي …
فقال القلم: ماذا بهذا العنوان يا صديقي لتبكي “من الماضي”.
أجبت في العام الماضي تحديداً كنت على وشك أن أصل إلى أحد أحلامي. نعم إنه ذلك الحلم الذي حاولت جاهداً الوصول له حاولت مراراً وتكراراً الثبات معه… الثبات لأجله.
إنه ببساطة الوفاء لربما أسميه الصدق…الساعة أصبحت الثالثة والنصف دون جدوى لما أفعله. الوفاء الذي كنت أحلم بإيصاله للمجتمع، الذي كان يحوي في طياته “طهارة الحب” الذي كان يحمل التفاني والمودة والشعور بالغير… الذي كان يحمل في طياته الهيام المشاعر الجياشة… ولكن ماذا؟ ها أنا وأخيراً أسقط من أعلى الجبل إلى القاع أو المحيط، لأجد نفسي في كاهنة الغدر…الخيانة… الاحتيال… الخداع… لأجد نفسي في زحام المارة من الكاذبين…
لا أنا لست مثلهم، بل أنا سقطت عندهم… بينهم…ولم؟ لا شيء فقط لأنني تعلمت الخيانة… والخداع…كيف ذلك؟
أجهشت الدموع داخل عيناي، لتتساقط بشغفٍ محاولةً تبرير ما حصل ولمن؟ طبعاً لقلمي…ذلك القلم الذي حاول جاهداً أن يسعدني حينما كنت حزيناً، حاول جاهداً البكاء على وجعي… حاول جاهداً ملامسة همي وحزني…
أذكر أنني جئت في ليلة سوداء مهموماً… حزيناً امسكته لنبدأ معاً رحلة المواجع في الورقة… فبكى…وقال يا صديقي لا تبكي فأنا معك…
لا تحزن أنا معك… لن أتركك وحدك مدّ يد العون ومسح الدموع… وقال: انهض أنا معك…
ماذا فعلت أنا غدرت به… كنت خائناً له لم أحفظ عهد عشرتنا نسيت تلك الأيام التي كان يحاول مساعدتي في الكتابة وهو فارغ… وهو لا يستطيع كتابة حرفٍ واحد…
نسيت عندما كان مريضاً ويخرج حبره وجعاً لي… مساندةً لي… لم أفكر يوماً أنني سأصل لهذه القسوة…لهذه المرارة…لانعدام كامل في الوفاء والحنان والضمير…
لقد خانت الساعات يدي يا قلمي…عندما جاء العديد من الأقلام لمحفظتي الصغيرة فقمت بإدخال الألوان جميعها… “من أحمر وأخضر وأسود وغيرها”… لم أستطع أن أحافظ عليك…
لم أكن يوماً أفكر بهذه الطريقة… لقد ظننت أنهم سيحملون همي ووجعي… سيمسحون كف الأسى عن وجهي… لم أكن أدري أنهم عابرون…
فبكى القلم .. وقال لي: ألا تذكر يوم كنت لا أسمح لك بالذهاب خارجً خوفاً عليك من الأذى… وفي حال لم تقنع في البقاء وتصر على الخروج كنت أجبرك على وضعي في محفظتك والخروج معك أو في جيبك…
كنت أحاول أن ألامس جميع ساعات عملك، وحتى طعامك، كنت أجلب لك الخبز، وأهتم بتفاصيلك الصغيرة التي لم تفكر فيها يوماً… أتحب أن أذكر لك بعضها…
لقد أحببتك جداً، لدرجةٍ كبيرة، لقد كنت لا أستطيع النوم إلا بعد نومك وتأكدي من أنك لا تشعر بالبرد وفي حال شعرت بذلك أقوم بجلب الغطاء… ألا تذكر عندما كنت تستيقظ في منتصف الليل خائفاً من صوت الرعد…ألا تذكر عندما كنت أرافقك للجامعة خوفاً من أن تحتاج قلماً غيري…ألا تذكر كم ساعدتك في كتابة قصائدك… وخواطرك…ألا تذكر…
كيف خنت وكتبت بغيري؟ كيف استطعت نسيان العهود…ليت النهاية كانت بموتي… ونضبان حبري…وضياع عمري…