خيمة 56 – الجنس مقابل الحرية

أحمد وديع العبسي

1٬370

منذ أيام أثار الجدل فيلم قصير بعنوان (خيمة 56) وهو فيلم يحكي عن معاناة النازحين في مخيمات اللجوء، الفيلم هو عبارة عن 20 دقيقة تقريباً بتحدث عن قضية واحدة فقط ويقدمها بطريقة غير لائقة و(قذرة) كما وصفها البعض، وهي المعاشرة الجنسية بين الزوجين، والخصوصية المفقودة في المخيمات تجاه هذه الحاجة، وكيف عالجها القائمون على الفيلم درامياً بطريقة لا تقل سوءاً عن المشكلة نفسها، حيث انتقلت المشكلة من الحاجة للخصوصية، لتصبح إعلاناً كبيراً في وسط المخيم، ولكن بمقومات أفضل. ويصبح هدف النازحين مكان أفضل لممارسة الجنس بحيث تتوفر فيه مقومات اللباس والإغراء والأجواء الحميمية بغض النظر عن الخصوصية وقيمة الستر، التي ستصبح أكثر انتهاكاً وأكثر إعلاناً، وسيصير التلصص على الأزواج أكثر سهولة من قبل.

الفيلم ومنذ أول لحظاته يظهر مجتمع النازحين كمجتمع حيواني لا همّ فيه للنازح سوى الجنس، حيث يمارسه أناس لا عقول لهم ولا أي مدارك، يضربون الأطفال بلا سبب ويصرخون في وجوههم بلا سبب أيضاً، المعيار في ذلك هو القدرة على ممارسة الجنس، عندما تختفي هذه القدرة يفقد النازحون عقولهم، ويتصرفون بهمجية وحيوانية، وعندما تتاح الفرصة لممارسة الجنس أو تلوح من بعيد يصبحون أكثر لطفاً ويقبّلون أطفالهم بدلاً من توبيخهم بلا سبب.

لا توجد أي معاناة أخرى في المخيم، الجنس فقط هو المعاناة، كل ما يعاني منه النازحون مختفٍ تماماً، لا وجود له، حتى العاصفة لم تكن مزعجة لأحد إلا بقدر ما تسببت بتأخير ممارسة الجنس، أما انهيار الخيام فوق أصحابها، البرد، الجوع، التشرد، مرض الأطفال … كلها أكاذيب وتهويل ترويه محطات الأخبار، الحقيقة الوحيدة أن معاناة النازحين هي بفقدانهم السرير، ودفء السرير وبهجة السرير، وعندما يتوفر هذا السرير في خيمة تشبه خيام الدعارة تكاد المشكلات تختفي من حياتهم، وتغمرهم السعادة، ويستعيدون الوطن المسلوب، وينتهي كل القهر الذي عايشوه.

لا حديث بين النساء سوى الجنس، لا هم يشغل الرجال سوى الجنس، وكأن الجنس هو الخسارة الكبيرة التي تسببت بها الثورة، وهو التضحية العظمى التي قدمها النازحون المهجرون في سبيل حريتهم، لا شيء يقلقهم سوى هذه الساعة التي يريدون قضاءها مع أزواجهم بأي طريقة، ثم تنسى الدماء والأرواح والتضحيات والحرية التي قاتل من أجلها معظم هؤلاء النازحون وشرّدوا من بيوتهم في سبيلها، وتنسى الأوطان أيضاً عندما يتوفر الجنس، وتتوفر معه موانع الحمل.

يقدم الفيلم جمهور النازحين كأناس شهوانيين لا يفقهون شيئاً في الحياة (كالحيوانات)، وقد شردتهم الثورة التي لا يعرفون لماذا خاضوها، هم جمهور الثورة الذي لا يهتم إلا لشهواته، أمّا جمهور النظام، فلم يرض بالتشرد، وحافظ على وطنه وبقي في بيته، بعيداً عن الفضائح التي ألقى هؤلاء الآخرون أنفسهم بها في سبيل حرية لا يدركون منها شيئاً ولا يستحقونها أصلاً، فهاهم كما يقدمهم الفيلم (رعاع) لا يوجد ما يفكرون به سوى شهوتهم وممارسة الجنس في ظل كل الأزمات التي تحيط بهم، حيث لا مأوى ولا أمان ولا بلاد ولا حتى قضية تشغلهم، كاذبون وهمج ولصوص، أوصلتهم عمالتهم لهذه القذارة التي يعيشون بها فصاروا يمارسون الجنس بشكل علني وأمام الجميع في أحسن أحوالهم وفي خيمة طالبت بها النساء بشكل مبتذل وسافل ولا أخلاقي ينعدم فيه حياء النساء ومروءة الرجال.

هذا ما أراد الفيلم الذي أنتجه النظام قوله لمؤيديه، أن يشعرهم أي قذارة وأي انحطاط وضع به أصحاب الثورة أنفسهم، وأي نوع من البشر هم من يعارضوه، بشر منحطّين لا قيمة لهم ولا شرف ولا كرامة … ستخسر في النهاية أكثر الأمور خصوصية عندما تطالب بالحرية وستصبح كالبهائم في مخيمات النزوح. باختزال وتجاهل للمعاناة الحقيقية التي يعيشها النازحون وبتجاهل أكبر لمن تسبب لهم بكل ذلك.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط