صدام التحرر مع إثبات الذّات

علاء العلي

0 444

أن تفكّر وتقدر وتحلل وتعطي النتائج، أمر طبيعي ومهمة نبيلة تميّز بها البشر، واختلاف نسبة النّجاح في التّحليل أمر حتميّ يرجع لمدى الثّقافة والنّظرة البعيدة أو القصيرة، ومصادرة هذا الحقّ يُحوّل العقل المصندق لأسيرٍ وعبدٍ في سجن ودوّامة مغلقة لا تدعه ينطق أو يمارس أدنى حسّ أو شعور.

ومن مبدأ أن العبيد لم ولن يصنعوا حضارة عبر التاريخ القديم والحديث، كانت هذه الفكرة الشّيطانية منهلاً مستحبًا لحكومات ومتنفّذين بالسّلطات والأموال لوأد كل تطوّر وإحداث خلخلة في نظام يحقق المكاسب بأيدي فئة محدودة جدًّا، ويترك البقية صرعى تنهشهم فكرة التّقرب زلفى من الفئة الأولى.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

هكذا خطّطت ومازالت تفكّر أنظمة الاستبداد في عالمنا الحاضر، إنكار حقّ التّحرر من قيود الحاكم وسلطاته المقنّنة والمسوّرة بمصالحه ومصالح مشغّليه، وهذا يعني بالضّرورة تحول من العقول المختلفة في كثير قضايا نحو العقلية المعلّبة والمغيّبة في كثير مواضع، وفق العين الفرعونية التي لا تري أتباعها إلا ما تُرى.

اقرأ أيضاً:  مصدر عبري يكشف عن وثيقة مسربة لموقع رفات جنود إسرائيليين في سورية

تراها تفكر بعقليّة جمعيّة عقلية القطيع، ففي أي حدث عابر تنتظر من يفكر عنها و يقدّر ويصدّر الأحكام، لتبدأ بالتّصريح الذي يبدو لها تعبيرًا، لكنّ حقيقة الأمر أنّه تفكيرٌ مسلوبٌ من الإرادة تشكلت معالمه من أبواق الحاكم وأتباعه في كلّ محفلٍ مجتمعيّ يتبع نظامًا مستبدًا.

من أشدّ المشاهدَ إيلامًا ترى أنّ حادثًا معينًا يتم ترويجه في هذه المجتمعات بطريقة محددة، وإنتاج أيّ فكرة مضادّة، وهي الصواب بالغالب، ستجّر صاحبها نحو الوقوع فريسة أقرانه، ستطيح به و تقهره، وغالبًا لا يكتب له الحياة، التغريد خارج سرب القطيع مردّه وخيم هنا، فالمطلوب خنق من يشذّ وإحياء من يردّد، حتى يحدث التّجانس بين صوت المستبدّ وضحاياه ممَّن يتولاهم.

 

مجتمعنا السّوري أحد هذه المجتمعات، التي تركت عُقد الحاكم نُدوبًا وتقرّحات نفسيّة وفكريّة تظهر إثر التّماس بين جيلين منفصلين، جيل مايزال يفكر بعقليّة الجمع، غير قادر على تحقيق الاختراق على مستوى الذات وتطوير الفكرة نحو الأصوب، وجيل بدأ يتحسّس ملكاته ويفعّلها بشكل ينسف كثيرًا من أفكار الجيل الأول.

 

الصّدامات العنيفة المترافقة مع التّغيرات السياسيّة اليوميّة متوقّعة ديمومتها، والصّراع الناشب بين الفئتين هو ليس مجرد نقاش عابر، بل تمايز واضح بين ارتهان وخضوع وبين تحرّر ذات وتعبير عن رأي يُقدّس ويستمع له من البقيّة.

لا يبدو أن خرقًا سيتم في فترة وجيزة، فتطور المجتمعات يمرّ بأطوار متعدّدة، ويسرّع منه غالبًا قدرة الجيل الجديد المتمرّد والسّاعي لإثبات ذاته وتحقيق الحدود العليا من المرونة، والقدرة على الإقناع، والبناء على أسس منهجيّة واضحة الدلالة، واحتواء الطّرف الآخر، والنّظر بعين الإدراك لمدى حدّة المراحل والأطوار التي مرّ بها هؤلاء.

لم تُبنَ حضارة على فكر فرد، بل كانت نتاج صراع في اختلاف رؤى، تعثّرت أحيانًا لحدّة الاختلاف بالأدلّة دون التقييد، وتناسقت مُجدوِلَةً أسُسًا تحمل حدًّا عاليًا من التّوافق الذي يُقَرُّ ويدرج في سلّم تطوّر هذه المجتمعات السّاعية نحو تعزيز حرّية أبنائها.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط