صناعة التغيير _ عندما تكون ثورة

أحمد وديع العبسي

0 1٬237

إنّ الحالة الثورية هي الحالة التي تأخذ زمام الخطوات الأولى لأي عملية تغيير، فهي الحالة التي تصنع الفوضى أو ما يمكن تسميته عالم الفرص، حيث تصبح الأرض مهيئة لجميع ما يمكن طرحه من أفكار أو قيم أو أنظمة جديدة، فالهدم الشامل الذي تأتي به الثورات “عادةً” تجعل الحاجة لوجود بديل في ذروتها، وتجعل عامة الشعب في أقصى درجات التقبل لكل ما يمكن أن يؤمّن له استقراراً بنسبة مقبولة، حتى وإن كانت أقل بكثير ممّا عرفته قبل الثورة.

فالثورة مقلقة للعامة، والفوضى غير مرضية، وهناك درجات من العبودية تستطيع الشعوب تحملها في سبيل خلق فرص أفضل من الأمان والاستقرار، كما أنّ الخوف من الطاغية يبلغ ذروته عند فئة كبيرة من الشعب، ويجعلهم يبحثون عن أي حل لإرضائه يحفظ لهم ما تبقى من أشكال الحياة.

أثارتني عبارة لأحد المعلقين منذ أيام تقول: “إن رجلاً تسبب له الطاغية بموت أحد أولاده وخسارة إحدى عينيه، سُئل عن إمكانية قبوله بوجود الطاغية فأجاب بكل وضوح: سأرضى بأي شيء يحافظ على ولدي الآخر وعيني الأخرى”.

الملفت في الأمر أن عدداً كبيراً من الأجوبة تشابهت لحالات أشد قسوة أحياناً من الحالة التي تم ذكرها .. ولم يخرج عن هذه الأجوبة إلا المنخرطين في العمل الثوري بشكل مباشر بكافة أشكاله.

يجب أن نكون مدركين أن الفئة الثورية فقط غير قادرة على صناعة التغيير، لأنّ صناعة التغيير في الأصل ليست من طبيعتها، فهي دائماً تجنح لطرح مستويات عليا من الحلول تصل إلى حالة أشبه بالمستحيلة في حيز التطبيق. وهذا أمر واقعي بالنسبة لهذه الفئة، ولا يمكن أن يرتجى تغييره بسهولة، فدرجات التضحية التي خاضوها تفرض عليهم عدم الرضى بالأمور الواقعية.  بالإضافة إلى أنّ العقلية التي تربّوا عليها هي عقلية هدم الفساد (الذي يعتبرونه هم فساداً) دون أن يكون في مرات كثيرة فساد حقيقي.

لغة المزاودة والمثاليات تكون هي الأكثر تداولاُ بين هذه الفئة، مما يجعل هناك فجوة كبيرة بينهم وبين الشعب .. الذي يُعد الصانع الوحيد تقريباً لأي عملية تغيير حقيقية تستطيع الثورة في نهايتها أن تقول أنّها قد نجحت.

إنّ اللغة المتعالية والمزاودة لغة عصيّة على الشعب، حتى وإن كانت ذات مضمون برّاق وقيمي .. فلن تخاطر العامّة في تبنيها، لأنّ الشعور بالعجز أمام هذه الطروحات سيورث حالة انهزام وقلق دائمين، وهو ما يتناقض مع مناطق الراحة والاستقرار التي تبحث عنها العامة دائماً، وهذا ما سيجعل جميع الطروحات الواقعية الأخرى حتى وإن خالفت قيم الشعب ومُثله أقرب إلى ما يستحق التضحية والكفاح في نظر المجموع الغالب من العامة أو الشعب أو الأمة.

إنّ البساطة وسهولة الوصول إلى الأهداف، والخطاب الجمعي البعيد عن الصراعات، ووضوح الغايات وإمكانية تحققها في المدى المنظور هي أكثر ما يؤثر في الحشود، فهي تواقة دوماً إلى الحلول، وإلى الزمن المحدد غير المفتوح بشكل لا متناهي في طرح القضايا الكبرى، فالتنمية على سبيل المثال لا تقيسها العامة إلا بجودة الخدمات وارتفاع مستوى المعيشة، أما الأمور التي تنتمي إلى الشعارات الكبرى فهي فورات سرعان ما تنتهي لتعود حاجات الحياة الأساسية إلى الواجهة.

علينا أن ندرك أنّ هناك مشاكل حقيقية في الثورة وخطاباها وقضاياها، والنخبوية الثورية التي فرضها البعض كأداة قمع جديدة للعوام، ونكف عن تجاهل هذه المشاكل وندعي أن شعبية الثورة مازالت في حالة سليمة، فما يجمع الناس اليوم ليست الثورة، وإنما اشتراكهم بالمظلومية (القتل والقصف والتشريد و …) وهذا ما لا يستمر طويلاً، لأن الكفاح ضد الظالم يتناسب تقريباً مع الخوف منه، فالحل عند الغالبية هو ما يتم البحث عنه وليس النصر.

إنّ الفئوية والنخبوية التي يتعامل من خلالها الثوار مع العامة اليوم واحتكارهم لمصير من يقطنون في مناطقهم، وتبنيهم للمثل العليا للوطن والكرامة، والزج بالناس في حرب وجودية من أجل ذلك دون إعطاء أي أولوية لرأيهم، وجعل الدماء هي مصدر المشروعية، يشبه في نظر البعض حالة الاستبداد التي كان يمارسها النظام سابقاً، وإن اختلفت المسميات والغايات ومستويات الممارسة، فالاستبداد في سبيل البعث لا يختلف كثيراً عن الاستبداد في سبيل الثورة وقيمها، ولغة التعالي هي لغة مقيتة سواءً كانت في سبيل المُثل أو في سبيل الطغيان، فالنتيجة واحدة عند الغالبية، وهي جعل حق تقرير مصير وطن بأكمله وجماهير هذا الوطن في يد فئة دون غيرها .. إنّها نوع آخر من “الطائفية”.

علينا أن ندرك بوضوح أنّ الثورة ليست غاية، وليست وطن وإنما وسيلة، قمنا بها لتحقيق مجموعة من الأهداف، ولم تكن يوماً هي الهدف الذي نسعى وراءه، فالاصطفاف خلف الوسائل هو اصطفاف خاطئ، وهو ما يجعل لغة الطائفة التي تحدثنا عنها حاضرة بقوة، إنه الاصطفاف ذاته الذي تبناه الكثير من المستبدين ليعطوا الشرعية لحكمهم.

أخشى أن نصل كثوار إلى أساليب المستبدين ذاتها بعد النصر، فمجالس حماية الثورة، وتجمعات القوى النخبوية، والحرس الثوري، وتجمعات الثوار، بدأت تعطي لنفسها حقوقاً لا يتمتع بها غالبية الشعب، بحجة الأسبقية والتضحية والدماء و …، وأنهم وحدهم من يشعر بالألم والقادرين على حفظ البلاد في المراحل الحالية والمقبلة، وتم تصنيف غالبية المنضمين للثورة مؤخراً، أو الناس الذين تحررت مدنهم بفضل الثوار ولم يكن لهم أي سابقة ثورية كدرجة ثانية في الوطن، وكمتسلقين على الدماء عندما يطالبون بحقوقهم التمثيلية والإدارية، فمن لم يبذل الدماء أو يتبنى الفعل الثوري لا يحق له المشاركة في الدولة المقبلة أو العمل الحالي لأنه قد يكون خائن أو عميل، أو لأن الحس الوطني لديه ناقص ثورياً ..!!

إنها المهزلة يا سادة .. إنها لغة التمييز والطائفية، ولغة الصراع الذي لن ينتهي، لغة تخوين مستمر ووطن يبنى على طائفة الثورة بدلاً من طائفة معينة، لغة بعثية سابقة حكمت باسم الثورة المزعومة في العراق وسوريا واليمن و ما زالت تحكم في السودان وإيران ومصر بمسميات مختلفة، لغة تجعلك تشعر أن الثورة كانت لتحقيق العدالة لمن يطلبها فقط، وليست لكل الناس، لغة تجعلك تشعر كمواطن أنك أمام استعباد جديد لا يختلف عن القديم حتى بمسمياته، فالحركة التصحيحية وحرب تشرين والتصدي للمؤامرة الكونية ما زالت حاضرة عند الكثيرين وإن اختلفت المفردات.

إن ثورة لا تكون لكل الشعب، ولكل المظلومين، ولكل الناس الشركاء في وطن واحد ليست جديرة بالانتصار، وليعلم الجميع أن لنا أهلاً يشكلون أكثر من نصف الشعب السوري مازالوا يرزحون تحت حكم الأسد وسيتحررون يوماً ما، منهم الجاهل والمجهل والمظلوم والمغلوب على أمره…

إنهم جميعاً أبناء هذا الوطن .. وجميعاً شركاء في النصر وفي البناء وفي الدم

إنهم سوريون يا سادة .. شاء من شاء وأبى من أبى ..

 

علينا أن ندرك جميعاً أننا نريد إسقاط النظام وليس الدولة، ولابديل عن الدولة إلا الفوضى العارمة والفساد، وسنقبل بكل وضوح بغالبية مؤسسات الدولة القائمة، ومعظم العاملين فيها وسنعمل على إصلاحها عن طريق النظم والقوانين رويداً رويداً ..، لكننا لن نستطيع هدم هذه المؤسسات أو الاستغناء عنها، وعن خدمات موظفي الدولة القدامى دفعة واحدة، ولا في زمن طويل نسبياً، لأننا حينها سنتعرض لثورة مضادة تكون أكثر ضراوة ودموية، لأنها ثورة احتياج وخبز، أو سنكون مضطرين لممارسة استبداد وقتل وسجن ونفي أبشع بمرات من استبداد النظام وممارساته، وذلك عندما تقوم مؤسساتنا الثورية بإقصاء كل من يعارضها باسم حماية الثورة ومكتسباتها.

لا أريد أن أكرر ما قلته منذ قليل، ولكن لا بدّ من التأكيد مرات عديدة أن هناك 50% على الأقل من هذا الشعب سيستنشقون الحرية دفعة واحدة إذا قُدّر لنا النصر. هؤلاء لم يعيشوا تفاصيل ما عشناه، ولا يعرفون مقدار الأثمان التي دفعت من أجل حريتهم، .. الحرية بالنسبة لهم تعني حياة أفضل، وعدالة مفقودة، وتخلص من خوف مقيم في داخلهم، لن يهتموا كثيراً لحجم التضحيات التي بُذلت في سبيل تحقيقها، ولن يستطيعوا فهم من يحارب من أجل إيديولوجيا خاصة يسميها الثورة، وما زال يصر على خلق الفوضى لتحقيقها كاملة.

كل ما سيكونون مهتمين به هو مزيد من الاستقرار والعدل والأمان والحرية، تلك القيم الكبرى التي تبناها الثوار والتي سيحاسبون عليها من الشعب بشكل مستمر عند التفريط بها من أجل الإيديولوجيات المتنوعة .

هؤلاء الناس سيكونون جنود الدولة القادمة الأشد قوة وعدداً وحزماً، وسيعتبرون جميع من يهدد لهم استقرارهم، هو عدو لهذا الوطن ويجب التخلص منه بسرعة، وتجب إزالته، وسينضم لهم الكثير من المتعبين والمنهكين من جحيم السنوات السابقة، إنّهم قوة عارمة يجب أن نحسن استيعابها وجعلها شريكة في الوطن والمصير والمستقبل بحق، وإلّا علينا مواجهة التجربة المصرية في 30يونيو جديد، وبطريقة أكثر فجائعية.

لقد أدركنا السياسة مبكراً جداً، حتى قبل تحقيق النصر بفترة نرجو أن لا تكون طويلة، فتفرقت بنا السبل، وتشتت الغايات والأهداف، فلم يعد هناك ما يجمعنا، لذلك لابدّ من العمل على حشد جميع الطاقات والاختلافات في مكان واحد يتسع لها جميعاً، وعدم إقصاء إلا من يقصيه القانون ومبادئ العدالة والحرية وحفظ الكرامة.

أين الحل ؟؟؟

في المقاطع السابقة كانت الصورة عصيّة تقريباً على الحل، فالتغيير أمر لا يكون بحجم التقبّل السابق للواقع كما يقول البعض.

ما أود أن أركز عليه هنا هو أن فكرة الحلول الجاهزة لم تعد نافعة، ولم تعد مجدية مع حجم تغيرات كبيرة وسريعة، صارت تتطلب صناعة حقيقية للتغيير وليس مجرد تمنيات لحالمين بغدٍ أفضل.

ليست مهمة كاتب ينتقد الواقع ويشير إلى أخطاء أصبحت بحجم جرائم تتم ممارستها باسم الثورة والعدالة أن يقدم حلولاً للحيارى، والمنتظرين خروج أي شيء يشبه حكايات آخر الزمان المتكررة منذ حوالي تسعة قرون على الأقل، كما أنه لا يؤمن أن الصناعة تتم بالتلقين، وإنما بفعل الصناعة نفسه، (العمل والابتكار وإعادة التشكيل).

التجارب التاريخية على الأقل في إيرلندا والجزائر والعراق ومصر تخبرنا بواقع مشابه، أبصر النور في الأولى، وتم سمل عينيه في ثلاث تجارب عربية سبقت المحنة السورية التي نعيشها حالياً، وما زلنا نعيد نفس الأخطاء، وببراعة الوصول إلى خسائر جديدة كلياً في كل مرة.

في تجربة إيرلندا كانت مهمة التحرر من السيطرة البريطانية شبه مستحيلة، ولكن استطاع الثوار الإيرلنديون إيجاد مفاتيح مهمة للنصر تمثلت في ثلاث جوانب رئيسية سأذكرها باختصار وهي: إشراك الشعب في الثورة عن طريق جر النظام لضرب المصالح المباشرة للناس والعمل على إصلاحها من قبل الثوار، الاستفادة من جميع المنضمين للثورة وعدم اقصاء أحد، والأمر الثالث والمهم هو عدم إهمال العمل السياسي ودفع فاتورته من فريق نذر نفسه لذلك دون الالتفات للخسائر الآنية، والتطلع لكل مكسب مستقبلي كنقطة ارتكاز جديدة يمكن الانطلاق منها إذا ما تمّ إجهاض المشروع الثوري.

لا أذكر هذا الكلام هنا على أنه حل، ولكن على أن هناك تجارب تستحق الاطلاع استطاعت صناعة التغيير الذي تنشده، كما إنني لا أريد من الإشارة إلى التجربة الإيرلندية أن تكون دعوة للتقليد، وإنما دعوة للتفكر وإعادة سبر التجربة السورية عبر أكثر من نصف عقد شهدت خلالها تحولات تكاد تكون جذرية في كل شيء، وليس أدلُّ على ذلك من عدّة محاولات شهدها العام الأخير للعودة بالثورة إلى وجهها الأول والناصع كما يراه الثوار على الأقل.

ولستُ في صدد بحث مشروعية تلك العودة، عندما تختلف جميع الظروف التي رافقتها، وتصبح المطالبة بها أقرب إلى البحث عن السكينة والراحة، منها إلى إمكانية تحقيقها، والاكتفاء بشرف النضال من أجل شيء ما، يخرج الثوار من حالة الفوضى التي يعيشونها عندما ضاعت الأهداف في الانقسامات الإيديولوجية الحادة التي أفرزتها الثورة قبل تحقيق أي نصر. كما أنني لا أؤمن كثيراُ بثقافة العودة مهما كان نوعها، وأكتفي بتعلم الدروس والعبر والاستلهام، دون إعادة إنتاج للتجارب، الأمر الذي سيحدث بشكل شائه غالباً.

ولن أسرد الدروس المستفادة من التجارب الأخرى، لكي لا أقيد الأذهان باتجاهات معينة، فالعروض موجودة لمن أراد العودة إليها والاستفادة منها سواء في الكتب أو في مواقع كثيرة على شبكة الانترنت.

إن حل أي مشكلة يبدأ بالاعتراف بها كما في المقولة الرائجة، وإذا لم نعي أننا في مشكلة حقيقة، ونتوقف عن التغني بأمجاد آنية وانتصارات جوفاء على جبهات مليئة بالهزائم السابقة نتعاطها كمخدرات شديدة التأثير كما أمجاد الماضي السحيق، فإن أمراضنا ومشكلاتنا ستفتك بنا ونحن نعيش سُكرنا المعتاد والمجتر منذ آلاف السنين بمعنويات مرتفعة جداً.

منذ سنتين على الأقل لم نحقق أي نصر حقيقي ولو حتى بشكل جزئي، وكل ما فعلناه هو نضال المدافعة فقط، في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية و …

ليس تقليلاً من الجهد والجهاد الذي يبذل والذي يسطره أبطال أقرب إلى حكايات الأساطير .. عندما يستطيعون مواجهة العالم كله تقريباً والصمود في وجهه كأصحاب قضية عصية على الموت والاندثار، كما أنني لا أحاول أن استبدل التفاؤل باليأس، ولكنني أدرك أن الحالة النفسية وحدها لن تسير بمريض السرطان إلى الشفاء . وما نعانيه أشبه بسرطان متفشي وخطير جداً إذا ما نظرنا إلى واقعنا ببصيرة وموضوعية.

أذكر في هذا المقام عبارة للسلطان الخليفة عبد الحميد الثاني في مذكراته يقول فيها: “إن الحروب التي تنتهي بالنصر ترهق الأمة، مثلها في ذلك مثل الحروب التي تنتهي بالهزيمة، وأمور لفظية مثل الرفعة والمجد تظهر آثارها الجميلة على البلاد العامرة الأطراف، الآمن يومها، الآمن غدها. أمّا الجائعون العراة في الأراضي الخربة ويدعون الرفعة والمجد ويجرون خلفهما، فلن يكون هناك أمر مضحك مفجع كأمرهم”

رفع المعنويات أمر مطلوب ولكن مع التعرض للعلاج مهما كان قاسياً، والعلاج يحتاج إلى إرادة من المريض وخبرة من المعالج، ولا ينفع المريض أن يعالج نفسه إذا لم يكن مختصاً، وادعاؤه المعرفة والفهم والصمود والتغني بالشفاء دون دراية، سيودي به إلى شر أكبر ومضاعفات خطيرة . وربما يودي به وبمن حوله إذا كان على شكل وطن …

لست مُنظِّراً يحاول أن يستغل براعته في صقل الكلمات ورصفها إلى جانب بعضها البعض دون أن يقدِّم أي شيء، ولكن لا بدَّ أن نكون شجعاناً في قول الحقيقة المُرَّة حتى الآن، وهو أنَّنا لا نمتلك إلا مفاهيم أساسية نعيدها باستمرار دون أن نحاول الاستفادة منها أو نحاول تطبيقها.

صناعة التغيير تنطلق من رؤية التغيير في البداية، والرؤية للأسف مفقودة ومشتتة بين جهات لا تكاد تنتهي على هذه الأرض وخارجها، علينا أن نعرف ما هو التغيير الذي نريد تحقيقه لنستطيع المضي نحوه، وليس أن نستثمر الفوضى فقط لتحقيق مكاسب مشتتة على مختلف الجبهات.

أن تحقق أهدافك يعني أن تفهم الواقع وتحسن التعامل معه، وتحسن استغلال الفرص جيداً مع فهمٍ واضحٍ لممكِّناتك، ولا يعني أبداً أن ترسم البطولات في معارك تعرف أنَّها خاسرة على أمل أن يخلدك التاريخ كشخص ملهم أو كمجنون …

علينا دائما التوقف عند حاجات الناس وتطلعاتهم وعدم المساس بها سلباً إذا أردنا صناعة تغيير حقيقية، دون أن يعني هذا التوقف عن صناعة المستقبل الذي نؤمن به ونستسلم للواقع، وإنَّما يعني أن نكون أكثر وعياً لما يحيط بنا وللأدوات التي يجب أن نستخدمها، ولحساسية العالم من حولنا.

علينا أن نتمتع بالمرونة الكافية للعمل ضمن خطوات واضحة وثابتة وقصيرة عندما يستلزم الأمر، وقفزات جنونية عندما يستلزم أيضاً، المهم أن نكون مدركين وواعين لما نفعله مهما كان منطقياً أو لا منطقياً… أن يكون محسوباً ومدروساً بشكل كافٍ وأن تكون النتائج بالحسبان، وألَّا يكون للمفاجآت حظ جيد في توقعاتنا المستقبلية.

حاول أن تشارك العامة أفكارك وقيمك ولا تنفرد بها كنخبة مقيتة، حاول أن تتجه بالعامة ليقاتلوا بما يؤمنون به هم، وليس بما تؤمن به أنت … إنَّ من يقاتل في سبيل نفسه قادر على التضحية أضعاف من يقاتل في سبيل الآخرين، فلا تسلب الناس شرف القتال لتحقيق أحلامهم وتختزلها في حلم واحد لا يفهمه أحد غيرك، وتدعي أنَّك قائد استثنائي يبصر المستقبل، عندها ستكون الأعمى الوحيد الذي يحفر قبره بيديه.

دعِ الناس يعيشون ألق التغيير، اجعلهم جميعهم “النخبة” .. أمّة نخبةٍ وشعبُ نخبةٍ، وليس أفراداً فقط، … عليك أن تتعود التخلي عن الألقاب والنياشين وعبارات النصر والإطراء لصالح الجماعة إذا أردت أن تخطو للإمام.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط