عصام العطار…داعية إسلامي بين المنبر الديني والنضال السياسي ضد الأسد

1٬145

رحلة العلم والتأثير

في عام 1927، ولد عصام العطار في قلب عائلة ذات تاريخ عريق، حافلة بالعلم والثقافة إذ كانت أسرته معروفة بتميزها في العلوم الشرعية، حيث كان أجداده من أئمة المذهب الشافعي ومتخصصين في علوم الحديث، مما أثر على تربيته وتكوينه الثقافي.

نشأ عصام في جو من الاهتمام بالعلم والتعليم داخل بيته، حيث كانت أسرته تعمل في مجال بيع العطور، مما جعلهم يُعرفون بلقب “العطار”. وكان والده، محمد رضا العطار، شخصية بارزة في القضاء الشرعي والعدلي في سوريا، وكان له دور بارز في مكافحة جمعية الاتحاد، مما أدى إلى إدانته بالإعدام، فاضطر للهرب وعاش في جبل الدروز.

تأثر العطار بشخصيات كبيرة في الفكر والأدب العربي، مثل مصطفى صادق الرافعي وأحمد الزيات وطه حسين، وخاصة بالشيخ محمد الطنطاوي، الذي ألهمه وشكّل نموذجا للعلم والثقافة. وتجلى هذا التأثير في حضوره لدرس للطنطاوي في المعهد العربي الإسلامي، حيث أثار تفاعلًا بارزًا معه وشكّلت هذه اللحظة نقطة تحوّل في حياته.

تلقى العطار تعليمه الأولي في مدرسة التجهيز، ثم انضم إلى المعهد العربي، حيث تلقى تعليماً شاملاً في العلوم الشرعية والأدب والفلسفة، وأظهر مواهب في الخطابة والأدب منذ سن صغيرة.

كانت علاقته بالطنطاوي ليست فقط علاقة تلميذ ومعلم، بل كانت صداقة تعمقت وتجاوزت الحدود الأكاديمية، حتى أنه تزوج ابنته بنان. استمرت هذه العلاقة لسنوات عديدة، وكانت مصدر إلهام ودعم للعطار طوال حياته.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا

بعد ذلك، استمر العطار في مسيرته العلمية والفكرية، حيث برز كشخصية بارزة في المجتمع السوري، وتأثيره تجاوز الحدود الجغرافية ليمتد إلى العالم العربي بأسره. وبفضل تربيته العلمية وتأثره بشخصيات كبيرة، استطاع أن يصنع فارقاً في عالم الفكر والثقافة.

إن عصام العطار، بفضل تربيته العلمية وتأثره بالشخصيات الكبيرة، يظل شخصية مهمة في تاريخ الفكر العربي، ومساهماً بارزاً في تطوير المجتمع والثقافة العربية.

مساهمة عصام العطار في العمل الإسلامي والسياسي

عصام العطار، الشخصية البارزة في مشهد العمل الإسلامي والسياسي في سوريا، وُلِدَت رحلته في الدعوة والعمل الديني في ظل أسرة تمتاز بالعلم والثقافة. انضم إلى جمعية “شباب سيدنا محمد”، التي كانت من أوائل الجمعيات التي أسستها جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، ومن هنا بدأت رحلته مع الجماعة. كان له دور بارز في التواصل مع التيارات المختلفة في المجتمع السوري، بهدف توحيد الصفوف وتحقيق التنمية الشاملة.

وعلى الرغم من انفتاحه على التيارات المختلفة، إلا أنه كان شخصية لا تخاف من التعبير عن آرائه بكل وضوح، حتى لو كانت تتعارض مع سياسات السلطة الحاكمة. هذا الشجاعة في التعبير عن الرأي كلفته الكثير، فقد تعرض للاعتقال والمضايقات بسبب مواقفه الواضحة.

اقرأ أيضاً: سوريا تتذيل قائمة حرية الصحافة

رحلته إلى مصر كانت فرصة له للتواصل مع الجماعة الإخوانية في مصر، وقد استقبل بحرارة وتعاون مع القادة الإخوانيين هناك. وعند عودته إلى سوريا، تصاعدت مساهمته في الحياة السياسية، حيث شغل عدة مناصب قيادية في الجماعة الإخوانية وكذلك في المؤسسات الإسلامية الأخرى.

ومن أبرز إسهاماته السياسية كانت رؤيته للوحدة بين سوريا ومصر، حيث دعا إلى الوحدة على أساس ديمقراطي ومشاركة جميع التيارات السياسية في صناعة القرار. ورفضه لأساليب جمال عبد الناصر في الوحدة جعله يتصدى لهذه السياسات بشجاعة، ولكنه رفض الانفصال عن مصر رغم التحديات التي واجهته.

في البرلمان، كان له دور فعّال في تقديم مطالب ومبادرات تخدم مصالح الشعب السوري وتعبر عن قضايا الأمة الإسلامية. ورغم مواقفه الجريئة، إلا أنه كان دائمًا يسعى للوحدة والتوافق بين كافة القوى السياسية.

بهذه الطريقة، أضاف عصام العطار بصمة مميزة في المشهد السياسي والديني في سوريا، وبقيت تجربته تعكس قيم الشجاعة والمثابرة في العمل من أجل تحقيق العدالة والتنمية في المجتمع.

بتاريخ الثامن من مارس/آذار 1963، نفذ البعثيون السوريون انقلابًا عسكريًا مما أدى إلى تشكيل مجلس وطني لقيادة الثورة بقيادة اللواء لؤي الأتاسي، وشهدت هذه الفترة تعاظمًا في قوة البعث ونفوذه داخل المؤسسات الحكومية، خاصة في الجيش حيث تم اعتقال رئيس الدولة ورئيس الوزراء في ذلك الوقت، ودُعي عصام العطار مع مجموعة من الشخصيات للمشاركة في استلام الحكم.

ورفض العطار بشدة المشاركة في هذا الحكم، معبرًا عن رفضه لما اعتبره انقلابًا على الديمقراطية، وأكد على ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية شملت جميع الأطياف السياسية. خلال فترة المحاكمة، قال العطار: “لا يمكنني الموافقة على مشاركة في حكومة أُعلنت تحقيق الديمقراطية من خلال انقلاب عسكري، وسأبذل قصارى جهدي لمنع عودة الحالة الأولى”.

بعد فشل محاولة الانقلاب، وبعد عام، قرر العطار الذهاب لأداء فريضة الحج، لكنه لم يستطع العودة إلى سوريا بعد ذلك بسبب المخاوف من تأثيره على السياسة فسافر إلى لبنان ثم إلى بروكسل، حيث أصيب بالشلل عام 1968. بعد ذلك، اضطر إلى اللجوء إلى ألمانيا كلاجئ سياسي.

وفي المنفى، تم اختيار العطار كمراقب لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1973. ثم قرر الانسحاب من الجماعة بسبب الخلافات الداخلية وتفرغ للعمل الدعوي في ألمانيا.

أثناء فترة النفي، كتب العطار العديد من الكتب التي تناولت موضوعات متعددة تتعلق بالإسلام والسياسة والثقافة. من بين مؤلفاته “بلادنا الإسلامية وصراع النفوذ” و”رحيل”، إضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى.

توفي عصام العطار في مدينة آخن الألمانية في الثاني من مايو/أيار 2024، عن عمر ناهز 97 عاماً. رغم الظروف الصعبة التي مر بها، فإن تأثيره في السياسة والدين والثقافة لم يخمد، وظلت أفكاره ومؤلفاته مصدر إلهام للعديد من الأجيال.

ونشرت ابنته هادية العطار بيانًا نعته فيه عبر صفحتها في “فيس بوك”، لتتنقل كلماته الأخيرة، “وداعًا وداعًا يا إخوتي وأخواتي وأبنائي وبناتي وأهلي وبني وطني”.

وجاء في رسالته، “أسأل الله تعالى لكم العون على كل واجب وخير، والوقاية من كل خطر وشر، والفرج من كل شدة وبلاء وكرب. سامحوني سامحوني، وأسألوا الله تعالى لي المغفرة وحسن الختام”،

بدوره، نعى “المجلس الإسلامي السوري” عبر بيان العطار، وهو المراقب العام الأسبق لجماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا، التي انشق عنها لاحقًا.

وخلال نعوة “المجلس” للعطار أشار إلى مساهمته بتأسيس كثير من المراكز والمنتديات وكان أحد الداعين والمؤسسين لـ”لمجلس الإسلامي السوري”.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط