“عمران وقلبي اطمأن” تحت مجهر السّياسة

علاء العلي

0 656

 

تعجّ وسائط التّواصل الاجتماعي كعادتها في شهر رمضان المبارك بمبادرات يغلب عليها الطّابع الإنسانيّ كما تسوّقه غالبًا، تقدّم فيها خدمات إنسانيّة مجّانيّة مُنتَجَة بجودة فائقة في الإنتاج الإعلاميّ، بعضها تخصّص في برامج محدّدة كالتّعليم والإغاثة والصّحة والدعم الفرديّ ومشاريع صغيرة.

وتقف خلف هذه المبادرات حملات مساهمة من بلدان مختلفة، وبعضها دخل رسميًّا بإطار سياسة دول محدّدة، تسعى من خلاله للتّوغل الناعم في بنية المجتمعات المحتاجة لأهداف متعدّدة.

لعلّ أشهر البرامج الإنسانيّة الرّائجة برنامج (عمران) الذي يقدمه المعلّق الرّياضي سوار الذّهب، وهو برنامج إنسانيّ يقدّم نفسه للمشاهد بأنّه خطوة نحو بناء الإنسان السّوري المشرّد والنّازح، بل حتّى الذي ضاقت به سبل الحياة.\

ويطرح البرنامج مبادرات هادفة حقيقيّة، ويقدّم إضاءات شفّافة من واقع الشّمال السّوري، ويحصر نشاطه في الشّطر الخارج عن سيطرة النّظام السّوريّ.

الفئة التي يركّز عليها البرنامج كانت تعطي استدلالاً واضحًا حول توجّه البرنامج الذي صبّ جلّ اهتمامه بجمهور المعارضة السّورية الذي تعرّض لأعنف ممارسات البطش من النّظام الحاكم، الأمر الذي بات يعكس توجّه الدّولة التي سافر منها فريق البرنامج.

التّلفزة الرسميّة في قطر والمهتمّة بهذا البرنامج، قدّمت للمشاهد القطريّ والعربيّ عدّة مشاهد مؤثرة جدًا، لشدّ المشاهد العربيّ وتوجيهه نحو مأساة جمهور المعارضة السّورية من جانب إنسانيّ بحت، وتفعيل الشّعور العربيّ وإحيائه لإنتاج تفاعل عميق لم يأتِ إلّا في سياق توجه الحكومة الرسميّة في هذا البلد.

اقرأ أيضاً: بريطانيا تطلق تحذيراً عاجلاً مرتبطاً ببشار الأسد وانتخاباته

وعلى الضّفة الأخرى ينشغل (غيث) مُقدّم برنامج (قلبي اطمأنّ) المموّل من مؤسّسات إماراتيّة كالهلال الأحمر الإماراتي، بتقديم ذات المساعدة لجمهور النّظام، ويتعمّد في مشاهده إظهار علم بلده بجوار علم النّظام السّوري، الأمر الذي عكس حقيقة الموقف الإماراتي السّياسيّ والرّسمي بالوقوف كجهة داعمة ومساندة لحكومة دمشق بالمحصّلة.

البصمة التي يتركها (غيث) لم تعد تشدّ انتباه الجمهور المعارض، فتحيّزه المفضوح جعل من برنامجه مصنّفًا في خانة دعم جمهور نظام مجرم، والعزوف الشّديد عن المتابعة تزامن بتزايد كبير في متابعة عمران، والعكس بالعكس في الضّفة الأخرى، فالمجاهرة الواضحة التي أبداها عمران بمساندته لأحد أهم مؤسّسات المعارضة الفتية كالدّفاع المدنيّ المصنّف كشوكة مؤذية جدًّا للنّظام و داعميه، عمّقت الفجوة وزادت من حدّة الشّرخ الحاصل.

لمتابعة الأخبار السياسية والمنوعة اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

تدفّق شحنات إماراتيّة لدمشق وتزايد وتيرتها بشكل كبير في الفترة الأخيرة عبر الهلال الأحمر الإماراتي الداعم المباشر لبرنامج (غيث) والمتجاوز قانون قيصر الأمريكيّ قدّم برهانًا قويًّا على أنّ الرؤية الإنسانيّة قد سقطت وتحيّزت بشكل رسميّ ينتفي معه ادعاء شمّاعة الإنسانيّة.

المناكفة الإنسانيّة الغالبة ليست إلا انعكاسًا لواقع السّياسة المحلّيّة الرّسميّة لهذين البلدين، فكلاهما يحصد جمهورًا ينساق في أدلجة السّياسة السّائدة.

وبالرّغم من معايير المساندة الإنسانيّة الدّوليّة التي يتصدّرها الحياديّة وعدم التّمييز، إلا أن للسّياسة معاييرها الخاصّة التي تلقي بظلالها في هذا المضمار، فالبوصلة هنا تتّجه وفق رؤية المانح، وما لذلك من تبعات على المدى البعيد، فالتوغل الناعم للدول في المجتمعات السّورية المنقسمة بحكم إفرازات الحرب بات رأس حربة لتثبيت مشروع التّقسيم حتى على مستوى حاجة النّاس.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط