في تسول النساء.. مخاطر على الأطفال وطعن بالشرف

نسرين عليوي

0 394

 

سأكون لهم الزهر إذا هم الفراشات، وسأجمع عبق ورود الربيع وأقطع المسافات ولن أنحني، وسأقدم كل ما أستطيع لأطفالي الأبرياء.

كلمات تصف روح وكفاح (أم عبدو) المُهجَّرة من أهالي ريف حماة، التي أبصرت عيناها الدنيا عام  1983 وتتزوج عام 2013 وتزهر أربعة براعم ابنتين وصبيين.

تعمل أم عبدو لتطعم أطفالها من التسول في شوارع مدينة أريحا حيث تقيم، ولشدة حيائها من جيرانها تخرج مع غياب الشمس بالخامسة وحتى العاشرة ليلًا تاركةً أطفالها بمفردهم في البيت لتؤمن لهم لقمة عيش وتسدّ جوعهم الذي لا ينتهي من شدة الفقر والحاجة والحرمان.

اقرأ أيضاً: قرار أوربي عاجل بشأن بشار الأسد وانتخاباته

أم عبدو بين كابوس الفقر والطعن بشرفها

لا يخلو جمع الأشياء من القمامة والشوارع التي تندرج ضمن التسول من المخاطر خاصة بالنسبة إلى النساء، حيث تتعرض أم عبدو للمضايقات والتنمر والتحرش وسماع الكلام السيء من ذوي النفوس الضعيفة والشبان الجهلة الذين لا يعلمون لِما هي موجودة في الشارع بمثل هذا الوقت من الليل، ولا يدركون حاجتها لهذا العمل.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

تقول أم عبدو: “كاد قلبي يتوقف من شدة الخوف والرعب عندما لحق بي شاب كنت أنظر إليه وفجأة التقت عيوني بعينيه وظن بي السوء محاولاً النيل من أنوثتي بعتم ليلة باردة، وكثيرًا ما تحصل معي هذه المواقف، حيث إننا نحن المتسولين ننظر نظرةً في عيون الناس ليعطفوا علينا، ويفهموا نظراتنا خطأ، فهرولت مسرعة لأقرب مكان فيه محال تجارية لينقذني الله بشاب ذي أخلاق حميدة، فسارع لسؤالي ما بك؟ ولمَ وجهك شاحب اللون وترتعدين خوفًا؟ هل أساعدك بشيء؟ فلما علم خوفي من ذاك الأرعن تعاطف معي وعاملني بما هو أهل له، وهدَّأ من روعي وذهب يبحث عمَّن أرعبني وأهانني.

عدَّتُ بعدها إلى البيت خاوية الوفاض، لا طعام لأطفالي ولا شيء سوى الخيبة بسبب ذلك الموقف الذي حصل معي، راجيةً الله العون والرحمة.”

مخاطر الأطفال أثناء تسول الأم

في طريق عودتي للمنزل ركضت مسرعة لقلق ساورني على فلذات كبدي، كيف تركت أطفالي بمفردهم؟ هل ناموا جوعى؟ هل اقتربوا كثيرًا من المدفأة ولعبوا بنار ستحرقهم وتزيد حرقة قلبي؟

صغاري لا يحسنون التصرف، ما أزالُ أذكر عندما نفذ الغاز من طباخ المنزل، فأرسلت ولدي عبد العزيز ذي الخمس سنوات ليملأه لانشغالي بالأعمال المنزلية وأخوته، في طريق عودته أنهكه ثقل الطباخ ورغم صغره أصرَّ على حمله حتى باب المنزل فتعبت أصابعه وكادت تتقطع من البرد والثقل فأغمي عليه من شدة الألم، حينها ضاقت الدنيا بسعتها عليَّ وبدأت أصرخ كأن أحشائي تمزقت ألمًا عليه، حتى أغاثني جيراني وحملوه لنقطة الطبية لتلقي العلاج، وبينما ألوم نفسي على ما أصاب صغيري، فاجأني الطبيب صارخًا: كيف ترسلين طفلاً لا يقوى جسده على عمل كهذا؟! تسمرت في مكاني وانعقد لساني، فحملته بعد انتهاء العلاج وعدت أدراجي

بلا سند والأفكار تجتاحني، كيف أستمر بتربيتهم لوحدي؟!

في تلك الليلة لجأت إلى ربي أناجيه رافعة أكفي للسماء أدعوه أن يرزقني بعمل كريم يحفظ ماء وجهي ويعينني على تربية أطفالي، ويبعدني عن الشارع وذل السؤال وسوء ظن بعض الناس بي.”

أم عبدو تمثل المئات من نساء الشمال السوري اللواتي فقدنَ أزواجهنَّ ولجأنَ للتسول ليشبعنَ بطون أطفالهنَّ، وسيبقينَ العنصر الذي طحنته رحى الحرب وقسوة الحياة.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط