بدأت قوافل النازحين السوريين بالتحرك نحو قراهم وبلداتهم في ريفي إدلب وحماة، بعد تحريرها من قوات النظام السابق في معركة “ردع العدوان”، التي انطلقت في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وانتهت بانهيار تام لقوات بشار الأسد، وهروبه مع عائلته إلى موسكو في 8 كانون الأول/ديسمبر.
وبينما عاد عدد من الأهالي سريعاً إلى مناطقهم فور فتح الطريق، فإن عدداً كبيراً من العائلات لا يزال متردداً في اتخاذ هذه الخطوة، بسبب جملة من الأسباب والمعوقات، التي استعرضها تقرير “صوت العاصمة” بناءً على مقابلات ميدانية مع نازحين يعيشون في الشمال السوري.
الألغام ومخلفات الحرب.. الخطر الأكبر
في مقدمة الأسباب التي تمنع العائلات من العودة تأتي الألغام ومخلفات الحرب، حيث لا تزال العديد من القرى ملوثة بالذخائر غير المنفجرة. وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قُتل وأصيب أكثر من 700 شخص في سوريا بسبب هذه المخلفات. ومع غياب فرق إزالة الألغام في بعض المناطق، وافتقار القرى للخدمات الطبية الضرورية، يخشى السكان على حياتهم، خاصة حياة الأطفال.
غياب الخدمات الأساسية
تشير شهادات الأهالي إلى أن القرى المحررة تعاني من نقص حاد في البنية التحتية، من كهرباء ومياه وصرف صحي، وصولاً إلى خدمات الاتصال والنقل. فالحياة اليومية في تلك المناطق لا تزال صعبة، ما يجعل العودة إليها أمراً شبه مستحيل بالنسبة للعائلات التي تحتاج بيئة مستقرة وآمنة.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة: عضوية سوريا كاملة رغم تعديل واشنطن للوضع…
الشتاء وتأجيل العودة
كما فضّلت عائلات عديدة تأجيل العودة حتى انتهاء فصل الشتاء، نظراً لصعوبة النقل والتجهيز خلال البرد القارس. فالتنقل بين مناطق النزوح والعودة في هذه الظروف، مع وجود الأطفال وكبار السن، يحمل مشقة لا يُستهان بها. لذلك فضّلوا الانتظار حتى حلول الصيف، لتكون العودة أكثر أماناً وراحة.
استمرار العام الدراسي
عامل آخر حال دون عودة الكثير من العائلات، وهو استمرار الدراسة. فالأهالي يخشون أن يؤثر الانتقال على تحصيل أولادهم العلمي، خصوصاً طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، الذين يحتاجون إلى استقرار وتركيز. كما أن أغلب المدارس في القرى المحررة مدمرة أو غير مؤهلة لاستقبال الطلاب، ما يجعل البقاء في مناطق النزوح خياراً أكثر منطقية في هذه المرحلة.
التكاليف الباهظة لإعادة الإعمار
العديد من المنازل في تلك القرى تهدمت بشكل كامل خلال المعارك، ولا يملك أصحابها المال الكافي لإعادة بنائها. فتكلفة البناء، وشراء مواد الإنشاء، ودفع أجور العمال، وتركيب النوافذ والأبواب، تُعدّ عقبة ضخمة أمام من يرغب بالعودة، ما دفع كثيرين إلى تأجيل فكرة الرجوع حتى إشعار آخر.
حياة جديدة في مناطق النزوح
من جهة أخرى، فإن بعض العائلات بنت حياة جديدة في مناطق النزوح، من خلال الزواج وتكوين أسر، وافتتاح مشاريع صغيرة تضمن لهم دخلاً ثابتاً. وتكيّف أفرادها مع الحياة في مناطق اللجوء، ما جعل العودة غير ضرورية في الوقت الراهن، بل تُخطط زيارات موسمية فقط لقراهم الأصلية.
ورغم هذه العقبات، فإن الأهالي يحملون آمالاً كبيرة ببناء حياة جديدة في قراهم المحررة، وتحويل سنوات النزوح إلى ذكريات. ومع تحسّن الظروف الأمنية والخدمية، قد تعود موجات أكبر من النازحين لإعمار ما دمرته الحرب، وصناعة مستقبل أفضل.