الله خالق الكون ومدبره، يعلم ما تُخفي الأنفس والصدور، ولا تخفى عليه خافية، فهو العليم الحكيم مالك الملك ذو الجلال والإكرام، وهو الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ربّ العالمين لا شريك.
وإذا أردنا سرد تعظيم الله وصفاته لن يسعفنا المقام هنا، إنما حسبنا القول: إن الله خالق كل شيء، ومن تلك الأشياء (الإنسان) وقد خلقه وكرمه على الملائكة وجعله خليفةً له في الأرض وهداه النجدين وكلفه بالعبودية، والصانع يعلم ما في المصنوع بلا شك أو ريب، فالله سبحانه وتعالى يعلم سِر الإنسان ونجواه، ولا أدَّل على ذلك من القرآن الكريم، قال تعالى في سورة الرعد: “اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)”.
إذًا الله خالقنا ومراقبنا حتى إنه يعلم تقلباتنا أثناء نومنا، والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف نراقبُ الله سبحانه وتعالى؟! السؤال يُفهم منه لوهلة رقابة تابع لمتبوع، وحاشا لله أن تكون رقابة العبد لله كذلك، إنما رقابة عبد متذلل مُخطئ أوّاب مُتذكر لنِعم الله وكرمه على الدوام، وبشكل أوضح وقريب منَّا فقد احتفل الناس منذ يومين بقدوم عام ميلادي جديد، فأطلقوا بالونات ما يُسمونها (الأمنيات)، والألعاب النارية، وعلت الأصوات باستقبال العام الجديد فرحًا، وبغض النظر عن صحة الاعتقاد بالمناسبة التي نعدُّها عام تأريخ جديد فُرض علينا على أقل تقدير ضمن مستلزمات العولمة، لكن هل راقب أحدٌ منا الله الذي هو الرقيب الحسيب؟ هل راقبت صحتك فوجت أنك سليم معافى فشكرته على تلك النعمة؟ هل تذكرت إساءةً واعترفت بها فطلبت العفو والمغفرة؟ هكذا تكون الرقابة لله سبحانه وتعالى، ومن لم يصل بعدُ إلى مرتبة مراقبة الله سبحانه وتعالى، يعني أنه غارق بالذنوب ومنشغل بنفسه وبالدنيا، وجاعل العبادة ضمن أشيائه الثانوية، وليست ذات أولوية.
إن الأشياء التي تُعين العبد على مراقبة الله والوصول إلى الاتصال الدائم بالله، التذكر بأنه خُلِق لعبادة الله، وبناءً عليه يجب في سطوة الحياة وغمراتها جعل العبودية أولوية، وإيجاد وقت لها، وربما ما يعين على ذلك ترك الذنوب ومراجعة النفس، والعمل على إصلاح القلب لصلاح الجسد كله.
إن مراقبة الله كائنة في كل واحدٍ منا، في الصحة إن كل العبد صحيحًا وليس سقيمًا فيشكر الله، وفي تربية الأطفال، وطلب العلم، والزواج، والسفر،.. وكل ما يمت بصلة إلى الله سبحانه وتعالى، وأخيرًا يمكن تلخيص مراقبة العبد لله، بالقصة التالية: “جاء رجل إلى عبد الله بن الْمُبَارك فَقَالَ لَهُ أوصني، فَقَالَ: راقب الله، فَقَالَ الرجل: وَمَا مراقبة الله؟ فَقَالَ أَن يستحيي من الله” وقديمًا قالوا في معاملة العبد مع العبد: “إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت”، والاستحياء من الله في عمل المحرمات أولى من الاستحياء من العبد، بل هو أول الاستحياء.