أدهم قضيماتي
يعدُّ الاقتصاد التركي من الاقتصاديات الناشئة ذات الأداء الممتاز بفضل الإصلاحات الاقتصادية المتلاحقة التي تقوم بها الحكومة التركية، والاستراتيجيات المدروسة، والهيكل المالي المرن للتعامل مع الأزمات.
إلا أنه مع انتشار فيروس كورونا كوفيد-19، تعرقلت الخطط الاقتصادية على مستوى العالم وتعاقبت الإجراءات المتخذة لمواجهة هذه الجائحة بشكل سريع وصلت حد انتشار قوات الأمن بشكل كبير في المدن، وفرض حظر للتجوال بشكل كامل في بعض دول العالم.
ولم تكن تركيا بعيدة عن المشهد العالمي في مواجهة هذه الجائحة، فقد توجهت الحكومة التركية تدريجيًا بإغلاق حدودها مع الدول المجاورة وإيقاف رحلاتها الجوية.
وعلى الصعيد الداخلي وجهت الحكومة التركية توصيات إلى مواطنيها تتمثل ببقائهم في المنزل، وفرضت حظرًا للتجوال نهاية كل أسبوع وفي أيام محددة، وبدأت حزمة من التدابير الاقتصادية سُميت (بدرع الاستقرار الاقتصادي)، التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شهر آذار من عام 2020م، وخصص لها 100 مليار ليرة تركية، أي ما يقارب 15.5 مليار دولار.
ومن خلال درع الاستقرار الاقتصادي أقدمت الحكومة التركية على تأجيل تسديد أقساط مؤسسات الضمان الاجتماعي خلال الثلاثة أشهر التي أغلقت فيها البلاد، كما خفضت قيمة الضريبة المضافة المتعلقة برحلات الطيران الداخلي من 18 بالمئة إلى 1 بالمئة، وزادت رواتب المتقاعدين لتصل إلى 1500 ليرة تركية، وخصصت الحكومة التركية 12.1 مليار ليرة تركية ما يعادل 1.7 مليار دولار، سيتم فيها تلبية الاحتياجات الأساسية لأكثر من 2.1 مليون مواطن، وقد تم أيضًا تخصيص 36 مليار ليرة 5.2 مليار دولار لدعم الصناعيين لمواصلة العمل والإنتاج دون انقطاع، بحسب تصريح وزير الخزانة التركي، وأضاف حينها أن “إجمالي التمويل المخصص لأصحاب المحال التجارية بلغ 6 مليار ليرة تركية985 مليون دولار.”
وفيما يتعلق بالمصارف فقد أقرت أيضًا بتأجيل تسديد الديون البنكية لمدة ثلاثة أشهر، وأقدم البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة لتصل إلى 8.75 بالمئة لدعم عملية الإنتاج والتحفيز على الإقراض، وخلال هذه الفترة لم تتوقف عملية التصدير بشكل كامل، وتم تقديم الدعم للمصدرين، وقد قامت الحكومة التركية بتخفيض الدفعات الأولى المتعلقة بشراء العقارات في تركيا لتصل إلى 10 بالمئة من قيمة العقار مع تقديم تسهيل أكبر لعدد الأقساط المتبقية لسداد ما تبقى من قيمة العقار.
ومع كل الإجراءات المتخذة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا والعالم ككل، إلا أن نتائج هذه الأزمة أصبحت واضحة في الاقتصاد التركي، فقد ارتفعت تكلفة سداد الديون الخارجية، وانخفضت قيمة الصادرات التركية التي وصلت في عام 2019م إلى 180 مليار دولار، وأصبح هناك جمود في القطاع السياحي الترفيهي في تركيا، الذي كان يعكس مدى التطور الذي وصلت إليه تركيا خدميًا، حيث شكل القطاع السياحي ما نسبته 13 بالمئة من الاقتصاد التركي خلال عام 2019م، ولكن عملت الحكومة التركية حينها إلى تنشيط ودعم ما سمي بالسياحة العلاجية.
اقرأ أيضاً: قطرة دم تساوي حياة.. حملة للتبرع بالدم في الشمال السوري
ومما زاد الضغط على الاقتصاد التركي، انخفاض قيمة العملة بسبب التلاعب الذي تم من قبل ثلاثة بنوك أجنبية، وتم اتخاذ التدابير اللازمة تجاهها بحسب تصريحات الحكومة التركية، وكان من أسباب انخفاض قيمة العملة أيضًا التراجع الحاصل في تدفق القطع الأجنبي إلى تركيا في ظل توقف حركة السياحة، والتعطل الكبير الذي أصاب التجارة الخارجية، وزيادة الانفاق الحكومي، الذي أدى بدوره إلى زيادة في طرح العملة، وترافق ذلك مع حالة عدم اليقين التي يعيشها الاقتصاد العالمي، وزيادة الطلب على الذهب والدولار الأمريكي، كل ذلك له دور في انخفاض قيمة الليرة التركية.
وفي تصريحات للمسؤولين الأتراك خلال تلك الفترة أكدوا سيطرة تركيا على جائحة كورونا وإمكانية العودة للحياة الطبيعية بحلول عام2021 م، فقد تم تحديد خطة زمنية لتحرير القيود المتعلقة بالاقتصاد وحركة المواطنين بين المدن وفتح المطارات أمام المسافرين خلال عام 2020 م، مع مواصلة اتخاذ التدابير الصحية اللازمة والحرص على مسافة التباعد الاجتماعي.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
في بداية العام 2021م تزايدت أعداد الإصابات بفايروس كورونا في تركيا، مما أجبر الحكومة التركية على إعلان فرض حظر تجوال كامل لمدة 17 يومًا من منتصف شهر نيسان حتى الأول من شهر أيار 2021م، بالتزامن مع حملة تلقيح واسعة ضمن خطة قسمت الأفراد والعاملين لشرائح معينة في البلاد، ليتجاوز عدد جرعات اللقاح التي تم حقنها في تركيا ضد فايروس كورونا إلى أكثر من 40 مليون جرعة، بحسب تصريح وزير الصحة في 19 حزيران الجاري، وذلك منذ بداية حملة التلقيح التي بدأتها وزارة الصحة منذ مطلع العام 2021م.
وفي المؤتمر الصحفي الذي جاء بعد اجتماع الحكومة التركية برئاسة رئيس الجمهورية التركية الإثنين 21 حزيران، أعلن الرئيس التركي إلغاء حظر التجول المفروض في إطار تدابير مكافحة فايروس كورونا بدءًا من 1 تموز، مع أهمية التزام المواطنين بالتدابير المتعلقة بفايروس كورونا.
الجدير بالذكر أن وكالة (ستاندر آن بورز) المتخصصة بالتصنيف الائتماني العالمي، أعلنت في وقت سابق من العام 2020م أن تركيا تواجه ضغوطًا على تصنيفها الائتماني بسبب جائحة كورونا خلال عام 2020م، إلا أن بيانها الصادر في بداية السنة الحالية 2021م أوضح أنه من المتوقع تسجيل الاقتصاد التركي نموًا بنسبة 3.6 بالمئة خلال العام الحالي، و3.5 بالمئة خلال العام المقبل 2022م، وأن معدلات البطالة ستسجل هذا العام 13.4 بالمئة و12 بالمئة خلال العام المقبل.
وفيما يتعلق بمعدلات التضخم أشار البيان نفسه أن معدلات التضخم ستبلغ ما نسبته 12.5 بالمئة خلال العام 2021م، وفي العام المقبل ستجل معدلات التضخم ما نسبته 8.7 بالمئة، وتوقع البيان استمرار تعافي الاقتصاد التركي بالتزامن مع انخفاض معدلات التضخم وتراجع العجز في الميزان التجاري، وأشار البيان أيضًا إلى أن نمو الاقتصاد التركي على المدى القصير سيكون مرهونًا بالبيئة الخارجية وبمدى تطبيق عملية التطعيم بلقاح فايروس كورونا.