كيف يبدأ التغيير – تحريك القاعدة 1 (لا أهداف كبيرة)

أحمد وديع العبسي

649

الحياة حولنا تتغير بشكل متسارع، والعالم أيضاً يتغير بمختلف أبعاده التكوينية (جغرافياً وسياسياً واجتماعياً …) كما تتغير حوامل القوة فيه سواء كانت دولاً أو ثروات أو مصادر طاقة أو مواد خام أو أمن غذائي …

طبعاً أغلب هذه التغييرات تجري بشكل مشابه للتغييرات الجغرافية والمناخية بالنسبة لحجمها وقوة استقرارها الأصليّة، أي أنها تجري بانزياحات بسيطة ومتراكمة وفي ظروف معقدة ومتشابكة من الصعب جداً دراستها في المختبرات لأنها تخضع لنوعين من العوامل كما هو معروف:

  • عوامل واضحة ومباشرة كالزلازل والبراكين، والحرب الروسية الأوكرانية
  • وعوامل خفية ومعقدة: لا يمكن رصدها بسهولة، ولكن يمكن توضيحها بالأمثلة: كافتتاح معمل ضخم للسيارات وكيف يمكن أن يلعب دوراً مستقبلياً في زيادة الاحتباس الحراري، أو زواج ابنة قائد عسكري في دولة من مسؤول في دولة أخرى سيساهم في اتفاقات اقتصادية مهمة بين البلدين، تستفيد منه العائلة الجديدة …

المهم: هذه الانزياحات البسيطة تجري غالباً في القاعدة، وبشكل بطيء وغير واضح، ولكنها ربما تلعب دوراً مهماً ومركزياً في رسم شكل المستقبل والاتجاهات التي سيمرّ عليها التغيير الناعم، أو التي سيستند إليها عند توفر الفرص والحوافز المناسبة والظروف المواتية لتشكّل الفيضان الذي سيحمل التغيير العارم في وقت ما.

فكيف يمكن أن يكون لنا دور في عملية التغيير:

طبعاً لا يمكن أن يشتمل مقال واحد على محاولة جادة وكاملة نسبياً لفهم عملية تفكيك الشبكات المعقدة للقواعد الصلبة للكيانات التي تؤسس مرتكزات أو قوى الواقع من حولنا والتي نريد إحداث تغيير بها، أو التي نعتبر أنفسنا جزء من عملية التغيير التي نريد أن تحدث فيها، كالوضع في سورية مثلاً، والذي خضنا من خلاله محاولات عديدة من أجل صناعة التغيير، لأن ذلك قد يحتاج كتاباً كاملاً ودراسات معمقة نظرية وميدانية.

ولكن يمكننا من خلال مقال أن نشير إلى بعض المفاهيم والخطوات التي تسمح لنا كأفراد ومجموعات صغيرة أن نكون أكثر فهماً وفعالية في عملية التغيير التي نريدها من خلال رصد خطواتنا القادمة بشكل أفضل، وتخيّل أثرها في القاعدة وشبكتها المعقدة لنساهم في حدوث انزياحات مهمة باتجاهات معينة قد نستفيد منها فيما بعد عندما تتضافر الظروف المواتية، إذا … تمتعنا بالجاهزية.

سنتحدث عن تسع خطوات أو مفاهيم في خمس مقالات متتالية، ستكون هذه المقالة مخصصة للخطوة الأولى منها:

الخطوة الأولى: لا أهداف كبيرة

الأهداف الكبيرة تجعل المسؤولية تقع على عاتق الكيان أو المجموع الكلّي للناس الذين يتصدون لعملية التغيير، وبالتالي تعزز فرضية الكفاية بدلاً من الإلزام، أي يتخيل بعض الناس دائماً ان هناك من يقوم بالمطلوب من أجل الهدف، وبالتالي فإن تقاعسه هو لن يسبب مشكلة، مما يؤدي مع الوقت لتقاعس المجموع دون الشعور بذلك، والكل يلوم الكل ويعتقد أن هناك من يعمل من أجل الهدف الكبير.

الأهداف الكبيرة أيضاً تورث اليأس، لأنها تحتاج لجهود من حجمها وعند اختفاء جهود المجموع بسبب عقلية الكفاية ستختفي معها القدرة على الإنجاز وبالتالي حدوث اليأس والخذلان، والبحث عن الخلاص الفردي والإيمان بالاستحالة وإجهاض المحاولات الممكنة قبل أن تبدأ.

الأهداف الكبيرة تفعل أمراً آخر يعتبر خطيراً جداً، وهو الإيهام بالصواب، أو الإيهام بالإنجاز وخاصة الأهداف الرسالية، لأنها تعتمد على الجهود المشتركة والمنظمة للشبكات المقعدة وليس على جهود الأفراد أو المجموعات الصغيرة أو الكبيرة نسبياً، لأن ظل الهدف الكبير يجعل جميع الأفعال تقع في قاعدته، ولكن الكثير من هذه الأفعال يقع في قاعدة الظل، وليس في قاعدة الهدف، لأنها من الأصل لم تقاس بدقة على الهدف، فمثلاً: تحقيق نهضة الأمة، سيجعل فعل كالاهتمام بالتعليم يقع مباشرة ودون تفكير ضمن هذا الهدف، ولكن هل كل تعليم يساهم في النهضة؟! أم أن هناك تعليم ربما يساهم في تراجع الأمة، وما معنى مفهوم الأمة هنا؟!، وهل هذا المفهوم تمت مراعاته في تأسيس عملية التعليم … إلى ما هنالك من أمثلة

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط