لجنة التحقيق الوطنية المستقلة تبدأ عملها في الساحل السوري

58

في خطوة تهدف إلى كشف الحقائق وتحقيق العدالة، أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري عن بدء أعمالها، وسط تعهدات بالحياد والشفافية. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده الأستاذ ياسر الفرحان، المتحدث الرسمي باسم اللجنة، اليوم الثلاثاء، في قاعة المؤتمرات بوزارة الإعلام، حيث شدد على التزام اللجنة بكشف ملابسات الأحداث الدامية التي شهدها الساحل السوري منذ السادس من آذار الجاري.

تشكيل اللجنة ومسؤولياتها

بموجب قرار صادر عن الرئيس السوري أحمد الشرع، تم تشكيل لجنة تحقيق تتألف من خمسة قضاة، وعميد أمن جنائي، ومحامٍ متخصص في حقوق الإنسان، وجميعهم من ذوي الخبرة في مجالات العدالة وتوثيق الجرائم. وأسندت إلى اللجنة مهام رئيسية تشمل:

الكشف عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اندلاع الأحداث.

التحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد هوية المسؤولين عنها.

بحث الاعتداءات التي طالت المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش.

إحالة المتورطين إلى القضاء وضمان عدم إفلات الجناة من المساءلة.

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تدعو لضبط النفس في الساحل السوري وتحذر من…

ووفق ما أكده الفرحان، فإن اللجنة ستعتمد على الأدلة الميدانية، وستجري لقاءات مباشرة مع الشهود والضحايا وذويهم، كما ستزور المواقع المتضررة لجمع المعلومات، دون الاكتفاء بالمصادر الإعلامية أو المواد المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.

استقلالية اللجنة والضمانات القانونية

شدد الفرحان على أن اللجنة مستقلة بالكامل عن أي جهة سياسية أو أمنية، مؤكداً أنها لن تخضع لأي ضغوط أو تدخلات، وأنها ستعتمد في عملها على المعايير الدولية في التوثيق والتحقيق. كما أشار إلى أن اللجنة ستضع برنامجًا لحماية الشهود الذين سيدلون بشهاداتهم، في إطار برنامج وطني لحماية الشهود، يهدف إلى تعزيز ثقة المواطنين بالعملية القضائية وضمان سلامة المبلغين.

وأكد أن اللجنة ستعلن قريبًا عن آليات رسمية لاستقبال الشكاوى والإفادات من المواطنين، داعيًا الجميع إلى التعاون لضمان كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.

تطورات ميدانية وتقارير حقوقية

تزامنًا مع بدء عمل اللجنة، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا يوثق سقوط 803 قتلى خلال الفترة من 6 إلى 10 آذار، جراء الاشتباكات والانتهاكات التي ارتكبتها مجموعات مسلحة غير منضبطة. وأكد التقرير أن سوريا شهدت خلال هذه الأيام موجة عنف غير مسبوقة، تخللتها عمليات قتل خارج نطاق القانون، ونهب، واعتداءات انتقامية، طالت المدنيين والبنية التحتية.

ووفق التقرير، فإن هذه الأحداث جاءت بعد استهداف جماعات مسلحة لمواقع أمنية وعسكرية، ما استدعى تدخل القوات الحكومية لاحتواء الوضع. لكن التدخل العسكري نفسه رافقته انتهاكات جسيمة، ارتكبتها بعض الفصائل المسلحة المحلية والتنظيمات غير المنضبطة، والتي استغلت حالة الفوضى لتنفيذ عمليات إعدام ميدانية وانتقام طائفي.

وبحسب التوزيع الجغرافي للضحايا، فقد سجلت محافظة اللاذقية أعلى نسبة من القتلى بـ185 ضحية، تلتها طرطوس بـ183 قتيلاً، ثم حماة بـ49، وحمص بـ3 قتلى. كما وثقت الشبكة مقتل 172 عنصرًا أمنياً في المواجهات، إلى جانب سقوط عشرات المدنيين بينهم 39 طفلاً و49 سيدة.

دعوات لتعزيز عمل اللجنة وتوسيع نطاق التحقيق

في سياق متصل، رحبت منظمات حقوقية بتشكيل لجنة التحقيق، لكنها دعت إلى ضمان شفافية عملها عبر إشراك مراقبين مستقلين ومنظمات حقوقية في مسار التحقيق، وعدم قصر التحقيقات على المناطق التي شهدت اشتباكات مباشرة، بل توسيعها لتشمل جميع المناطق التي تأثرت بالأحداث.

كما طالبت الشبكة بتمديد الإطار الزمني للجنة، مشيرةً إلى أن 30 يومًا قد لا تكون كافية لجمع الأدلة وتوثيق الانتهاكات بالشكل المطلوب، خاصة مع تعقيد المشهد الأمني وتشابك الأطراف المتورطة.

تحديات أمام الحكومة الانتقالية

يبدو أن هذه الأحداث تمثل أكبر اختبار أمني للحكومة الانتقالية منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024، إذ يواجه الرئيس أحمد الشرع تحديًا مزدوجًا يتمثل في:

1. استعادة الأمن والاستقرار في الساحل السوري دون السماح بتكرار الانتهاكات.

2. ضمان تحقيق العدالة وعدم إفلات أي طرف من المساءلة، سواء من المجموعات المسلحة المتورطة أو العناصر العسكرية والأمنية التي ارتكبت تجاوزات.

 

وفي هذا السياق، دعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى تحقيق دولي مستقل لمراقبة سير التحقيقات، في حين أكد الرئيس الشرع أن حكومته لن تسمح بعودة دوامة العنف، مشددًا على أهمية اللجنة الوطنية في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط