لقاء مع الدكتور أحمد الراغب..رؤية متكاملة لنهوض شامل ومستدام في الاقتصاد السوري بعد التحرير

عبد الله بركات

1٬606

في ظل الواقع الجديد الذي تعيشه سوريا بعد التحرير، تبرز الحاجة الملحة إلى بناء اقتصاد قوي ومستدام قادر على تجاوز آثار العقود السابقة من الفساد والاحتكار، والانطلاق نحو تنمية حقيقية تضمن ازدهار البلاد واستقرارها. في لقاء خاص مع صحيفة حبر، يضع الدكتور أحمد الراغب، الأستاذ في جامعة إدلب وأحد أبرز الخبراء في الاقتصاد والإدارة والعلوم المصرفية، رؤية متكاملة للنهوض الاقتصادي، تتناول القطاعات الرئيسية، استغلال الموارد، إعادة هيكلة النظام المصرفي، وتحفيز الاستثمارات المحلية والدولية.

 الركائز الأساسية لبناء اقتصاد قوي ومستدام

يرى الدكتور الراغب أن بناء اقتصاد متين يتطلب نظرة شمولية تراعي التوازن بين القطاعات الثلاثة الرئيسية:

الزراعة: تحقيق الاكتفاء الذاتي ودعم الصناعات الزراعية التحويلية.

الصناعة: التركيز على الصناعات الاستراتيجية المرتبطة بالزراعة، إضافة إلى قطاعات جديدة تجعل سوريا قادرة على المنافسة عالميًا، كما فعلت تايوان بصناعة الرقائق والهند بتطوير البرمجيات.

الخدمات: دعم القطاعين الزراعي والصناعي عبر تطوير التجارة، التعليم، الصحة، والسياحة.

النتيجة: التنمية المستدامة لا تتحقق إلا من خلال تكامل دقيق بين هذه القطاعات، بحيث يكون الاقتصاد قائمًا على الإنتاج وليس الاستيراد.

اقرأ أيضاً: بارزاني والشيباني يبحثان تطورات سوريا والعراق على هامش مؤتمر…

استغلال الموارد الطبيعية دون الوقوع في فخ التبعية

يمتلك الاقتصاد السوري ثروات طبيعية ضخمة، مثل النفط، الغاز، والزراعة، والتي يمكن استغلالها بذكاء لتحقيق نهضة اقتصادية مستقلة. ولتحقيق ذلك لا بد من:

الاعتماد على الخبرات الوطنية وتأسيس شركات بكفاءات محلية.

الاستعانة بالخبرات الأجنبية بشكل مدروس وضمن شروط وطنية.

في قطاع النفط والغاز، يجب التعامل مع شركات عالمية وفق عقود تضمن السيادة الوطنية وتحقق الاستفادة القصوى من هذه الثروات.

الهدف: إنشاء قطاع طاقي مستقل يحمي الاقتصاد من الابتزاز الدولي ويضمن استدامته.

 إعادة هيكلة النظام المصرفي والمالي لضمان الشفافية وجذب الاستثمارات

يؤكد الدكتور الراغب أن إصلاح النظام المصرفي يتطلب:

إعطاء دور قيادي للقطاع الخاص في العمل المصرفي، مع بقاء المصرف المركزي كمشرف ومراقب.

التنافسية بين المصارف الخاصة والعامة، مع دعم المصارف الإسلامية، المصارف التجارية، المصارف الإلكترونية، والمصارف التخصصية.

تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد داخل المنظومة المالية لضمان بيئة استثمارية جذابة وآمنة.

النموذج المثالي: نظام مصرفي مرن ومتطور يشجع الاستثمار ويساهم في دعم المشاريع الإنتاجية وليس المضاربات المالية.

 دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للتنمية

يؤكد الدكتور الراغب أن معظم الاقتصادات الناجحة عالميًا اعتمدت على القطاع الخاص كأداة رئيسية للنمو، ويرى أن سوريا يجب أن تسير على هذا النهج من خلال:

توفير بيئة استثمارية آمنة تحمي رؤوس الأموال.

إصدار قوانين تحفيزية للاستثمار، تشمل إعفاءات ضريبية للمشاريع الاستراتيجية.

حماية الصناعات الوطنية من المنافسة غير العادلة عبر إجراءات مبتكرة.

تسهيل إجراءات التصدير والاستيراد لتشجيع التوسع في الأسواق الخارجية.

النتيجة: قطاع خاص قوي يقود التنمية، ويخفف العبء عن الدولة، ويساهم في إعادة الإعمار بشكل أكثر كفاءة وفعالية.

 إعادة بناء البنية التحتية وجذب الاستثمارات الدولية

في ظل محدودية الموارد المالية، يرى الدكتور الراغب أن الحل الأمثل يكمن في التمويل المبتكر، مثل:

الصكوك الإسلامية، التي أثبتت نجاحها في دول مثل ماليزيا، كوسيلة لتمويل مشاريع البنية التحتية دون الوقوع في فخ الديون الثقيلة.

الشراكات بين القطاعين العام والخاص لضمان تنفيذ المشاريع بطريقة مستدامة.

تقديم حوافز للمستثمرين الدوليين ضمن بيئة قانونية آمنة وشفافة.

ضمان توزيع عادل لعوائد التنمية وإعادة الإعمار

لتجنب أزمات اجتماعية جديدة، يجب أن يكون توزيع الموارد مبنيًا على أسس علمية عادلة، تأخذ بعين الاعتبار:

عدد السكان في كل منطقة.

مستوى الأضرار والاحتياجات التنموية.

مساهمة أبناء المنطقة في إعادة الإعمار.

الثروات والموارد الطبيعية المتاحة محليًا.

الهدف: تحقيق تنمية متوازنة تمنع التفاوت الاقتصادي بين المناطق المختلفة، وتضمن استقرارًا اجتماعيًا طويل الأمد.

دور المغتربين السوريين في دعم الاقتصاد

يعتبر المغتربون السوريون كنزًا اقتصادياً يمكن استغلاله في إعادة إعمار البلاد عبر:

ضخ رؤوس أموالهم في مشاريع استثمارية داخل سوريا.

نقل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة إلى الداخل السوري.

الترويج لسوريا كوجهة استثمارية في الدول التي يقيمون بها.

ولتحفيزهم على الاستثمار، يجب تقديم ضمانات مثل:

بيئة قانونية مستقرة تمنع المصادرة والابتزاز.

حرية نقل الأموال دون قيود تعسفية.

إجراءات سريعة وسهلة لإنشاء المشاريع.

التحول الرقمي.. فرصة ذهبية لسوريا المستقبل

مع تسارع التحول الرقمي عالميًا، تمتلك سوريا فرصة لتحقيق قفزة اقتصادية عبر:

دعم التجارة الإلكترونية كوسيلة لفتح الأسواق العالمية أمام المنتجات السورية.

الاستثمار في الطاقة المتجددة لخفض تكاليف الإنتاج وتعزيز الاستدامة البيئية.

رقمنة الخدمات الحكومية لتقليل الفساد والبيروقراطية وتحسين كفاءة العمل.

تطوير التعليم الرقمي لتأهيل الشباب للوظائف المستقبلية في الاقتصاد الرقمي.

 الاستفادة من تجارب الدول التي تعافت من الأزمات.

يمكن لسوريا استخلاص دروس هامة من الدول التي واجهت أزمات مماثلة، عبر:

دراسة النماذج الناجحة مثل تجربة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وتجربة ماليزيا في التحول الاقتصادي.

فهم طبيعة العوامل الاقتصادية والسياسية التي ساعدت هذه الدول على التعافي السريع.

تطبيق ما يتناسب مع الواقع السوري، وتجنب السياسات التي أثبتت فشلها في دول أخرى.

 رسالة إلى الشباب السوري وطلاب الاقتصاد

يوجه الدكتور الراغب رسالة واضحة إلى الشباب السوري وطلاب الاقتصاد:

“الاقتصاد ليس مجرد أرقام، بل هو مستقبل الأوطان. لا تكتفوا بالكتب الجامعية، بل اسعوا لفهم الواقع الاقتصادي الذي تعيشونه. كونوا مبدعين، وامتلكوا الجرأة على طرح الحلول وتنفيذها. سوريا بحاجة لعقولكم الشابة وأفكاركم الطموحة. لا تكونوا نصف اقتصاديين، بل اصنعوا فرقًا حقيقيًا في مستقبل بلدكم.”

ختامًا، يرى الدكتور الراغب أن بناء سوريا الجديدة يتطلب رؤية اقتصادية متكاملة، قائمة على إنتاج الثروة بدلاً من استهلاكها، وتحقيق التوازن بين الزراعة، الصناعة، والخدمات، مع دعم القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار الذكي. سوريا تملك كل المقومات للنهضة، لكن المفتاح يكمن في الإدارة الحكيمة والقرار الجريء.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط