لا نريد أن نقف مطولاً عند عبارات الاستنكار والتنديد التي نبرع بها كعرب بسبب حضور مجرم حرب قمة عربية في المملكة العربية السعودية، فنحن لا نُعنى كثيراً كشعوب بالبرتوكولات الرسمية للمؤسسات الإقليمية والدولية، التي لا تزال تعترف ببشار الأسد رئيساً (قانونيا)ً لسورية.
المهم في الأمر أنه حضر، وأن (سورية القانونية) استعادت مقعدها في جامعة الدول العربية، وصار الباب العربي من المحيط للخليج مشرعاً أمام تطبيع العلاقات مع نظام دمشق وإعادة تعويمه والقبول به فترة طويلة قادمة رغم كل ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب السوري والأرض السورية، هذه الجرائم التي لا تبدأ عند قتل الأطفال والنساء، ولا تنتهي عند جرائم التعذيب وتسليم الأرض السورية للاحتلال الروسي والإيراني.
كما لا بدّ من تقديم شكر لموقف أمير دولة قطر في مغادرته للقمة، لأنه بهذا الموقف الرمزي طيّب خواطر ملايين السوريين الذين يجدون أنفسهم مرة أخرى وحدهم في مجابهة أكبر آلة قتل في القرن الواحد والعشرين.
المعارضة قامت بما تجيده من الشجب بأشد العبارات وأقسى ما تسطيعه من المرادفات السياسية الممكنة لهذا الحضور الذي يزيد في تحييدها وإلغائها وطمس هويتها ومطالبها. ولكن ماذا بعد؟ …
حفلت معظم كلمات القادة العرب بالترحيب بعودة سورية إلى محيطها العربي، وخلصت القمة إلى بضع صفيحات تتحدث عن سورية كان أهم ما ورد فيها:
التأكيد على حلّ الأزمة السورية بالتدرج، والتمسك بوحدة سورية و(سيادتها) وتلبية طموحات شعبها وضرورة محاربة الإرهاب، وتعزيز الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين، وخروج القوات الأجنبية غير الشرعية وتحقيق المصالحة الوطنية والاستمرار بإيصال المساعدات دون تمييز، ودعم أعمال لجنة الاتصال الوزارية الخاصة بسورية بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254.
والكلام السابق مليء بالتناقض، فلا سيادة في سورية إلا للروس والإيرانيين والأتراك، وطموحات الشعب لا يمكن تحقيقها بتعويم القاتل دون إجباره على اتخاذ أي خطوة لصالح الضحايا من المعتقلين والمهجرين على الأقل، والقوات غير الشرعية قانونياً هي القوات التركية فقط، لأن الروس والإيرانيين والمليشيات الطائفية الأجنبية جميعها تمتلك صكوكا قانونية لوجودها في سورية موقعة من رئيسها (القانوني)، والمصالحة تحتاج لدعوة جميع الأطراف، لا دعوة الجلاد فقط وتجاهل الضحية والإمعان في إضعافها، أمّا أخيراً فيتم تجاوز القرار الوحيد الذي يُشكل ما يشبه الإنصاف للسوريين ليتم التعامل معه كورقة مبادئ فضفاضة ننسجم معها دون أن نطبقها!! والانسجام رديف الاستجمام، لا معايير تمسك به.
رغم ذلك لا بد للمعارضة السياسية من تفهّم ما حصل، وعدم الاكتفاء بالرفض والشجب، والتوجه للجنة الاتصال الوزارية الخاصة بسورية (المشكلة بناء على اجتماع عمّان) التي تريد الوصول إلى حل في سورية لمعرفة ما هي الخطوات الممكنة بما ينسجم مع تطلعات العرب لصنع الاستقرار في المنطقة دون تجاوز طموحات وآمال السوريين كاملة.
على المعارضة أن لا تبقى وحيدة في هذه الظروف وأن تدخل ذات الباب الذي فُتح للقاتل مهما كلّف ذلك، وأن تعود لمحيطها العربي لتفرض نفسها على طاولة الحوار والمصالحة حتى لا يعتاد الوسطاء على تجاوزها في كل مرة.
كما يجب أن تكون أكثر مرونة في صياغة مطالبها، ففي كل وقت هناك أولويات جديدة تفرض نفسها، وتحقيق تقدم في أي ملف هو ما يهمّ الشعب السوري، والهواجس الأمنية والاقتصادية في الوقت الحالي يجب أن تكون أساساً للمحادثات أمّا الوصول إلى التغيير فقد يأتي في خطوات لاحقة إذا استطعنا تحقيق أولويات اليوم.
النظام ليس قوياً بما يكفي لإغلاق الملف السوري وحده، رغم كل الدعم الذي يحيط به، ولكن انسحاب المعارضة من المشهد رويداً رويداً وعدم تقدمها في إدارة مصالح من تمثلهم هو ما يمنح النظام القدرة على المضي قدماً لقتل طموحات السوريين.
لا تزال المعارضة تمتلك الحضور السياسي الكافي (رغم تراجعه) من أجل أخذ زمام المبادرة لطرح سيناريوهات جديدة للحل ترتكز على المصالح الجديدة في المنطقة، وما يزال العرب (كما يقولون) ملتزمين بدعم الشعب السوري وطموحاته، ولكن إن وجدوا معارضة عقلانية، تعرف ما يمكن أن تحققه في هذه الأيام المجدبة.