مصير ملكية الشقق في الأبنية التي هدمها الزلزال

الأستاذ عارف الشعَّال

1٬519

تحمل الكوارث الطبيعية إلى جانب المآسي الإنسانية التي تخلفها تأثيرات في الجانب القانوني متعلقة بحقوق الأفراد في الملكية والميراث وتنفيذ العقود وغيرها من الحقوق وقد ضرب زلزال 6 شباط شمال ووسط سورية وترك آثاراً تدميرية على البنية التحتية العامة والأملاك الخاصة على حد سواء وفي هذا السياق أوضح المحامي السوري الأستاذ عارف الشعَّال على صفحته في فيسبوك مصير الملكيات من الأبنية المتضررة أو المنهارة وفقاً للقانون السوري الحالي جاء فيها

بداية يجب الاعتراف أن النصوص القانونية التي تمكّن من استخدام حق الملكية بعد تهدم الأبنية الواسع بسبب الزلازل في النظام القانوني السوري قاصرة وضعيفة نسبياً في سرعة الاستجابة والتصدي بسرعة لمعالجة الأوضاع والمراكز القانونية للملكية الناجمة عن مثل هذه الكارثة.

ولعل مردّ القصور التشريعي هذا لعدم حدوث زلزال مدمر كالذي شهدناه بعد وضع القانون المدني عام 1949، يخلق أوضاع قانونية تلجئ المشرع لسن قوانين مناسبة تعالجها، أو قد يكون السبب الركون لتشريعات تنظيم وعمران المدن النافذة، التي تعود في جذرها لقانون تنظيم وعمران المدن الصادر في 22 كانون الثاني 1933 (بدون رقم) الذي ألزم في المادة الأولى منه البلدية ذات العلاقة إذا هُدم حيّ بكامله أو عدة أحياء بسبب حرب أو زلزال أو غير ذلك ضمن منطقة عملها أن تتخذ فوراً التدابير اللازمة لتنظيم المنطقة التي وقعت فيها الكارثة، ولتمكين الأهالي من تجديد بنائها بأقرب وقت ممكن. ونصَّ في مواد القانون التالية على الإجراءات التي يجب أن تتخذها البلدية خلال 10 أيام من وقوع الكارثة.

أُلغيَ هذا القانون لاحقاً بصدور العديد من تشريعات تنظيم وعمران المدن بعده وصولاً للقانون رقم 23 لعام 2015 الذي غاب عن نصوصه مبدأ إلزام الوحدات الإدارية (البلدية، المحافظة) باتخاذ تدابير معينة في مدد محددة تمكن الناس من معالجة ملكياتها فوراً.

ونصَّ هذا القانون بوضوح أنه يطبق التنظيم في ‌المناطق المصابة بكوارث طبيعية من زلازل وفيضانات أو التي لحقها الضرر نتيجة الحروب والحرائق، ولكن ذلك رهن بمشيئة السلطة التنفيذية تنظمها بالوقت الذي تحدده هي، كما أعفى صراحة في المادة 49 منه العقارات المنكوبة بسبب الكوارث الطبيعية او الحروب من الرسوم المالية والتكاليف المحلية والرسوم الاخرى المترتبة على إعادة البناء.

وضع الملكية في المناطق التي دمرها الزلزال

يختلف مصير الملكية في المناطق المنكوبة التي دمرها الزلزال فيما إن كانت منطقة سكن عشوائي (مخالفات) أو إذا كانت منطقة منظمة مبنية ومستقرة.

أولاً: مناطق السكن العشوائي والمخالفات:

هناك ثلاثة أوضاع لمناطق المخالفات:

1 – المخالفات المبنية على أراضي أملاك الدولة:

هذه المناطق لا يتمتع ساكنوها بأي مركز قانوني وليس لهم أي حقوق في الملكية أبداً، ولهم أخذ أنقاض منازلهم فقط، ومنحهم القانون رقم 10/ 2018 في حال تطبيقه بعض الامتيازات، مثل تخصيصهم بسكن بديل إذا ارتأت الوحدة الإدارية ذلك وفق مطلق تقديرها. وتقاضي بدل إيجار لسنتين بعد إخلائهم من المنطقة.

2 – المخالفات المبنية على أراضي زراعية: ينحصر حق المالك في ملكية الأرض فقط كأسهم على الشيوع حسب نسبة ملكيته التي كان يحوزها، إلا إذا ارتأت السلطة التنفيذية تنظيم المنطقة، فتنقلب ملكيته إلى أسهم تنظيمية وفق القانون الناظم لعملية التنظيم.

3 – المخالفات المشادة على عقارات داخل المناطق التنظيمية: ينحصر حق المالك أيضاً بأسهم من العقار الذي يملكه ويدخل في حالة شيوع مع بقية المالكين الذين يمكنهم طلب ترخيص إشادة بناء عليه وفق نظام ضابطة البناء للمنطقة.

فيما يتعلق بمصير ملكية الشقق في الأبنية المفرزة والمرخصة التي هدمها الزلزال، والسبيل القانوني لإعادة بنائها مجدداً، فقد افترض القانون المدني أن يكون لكل بناء أو مجموعة أبنية اتحاد ملاك طبقات نصَّ على تشكيله في المادة 817 منه وعليه فإن قرار إشادة البناء من عدمه يعود لهذا الاتحاد الذي يتخذ قراراته بالأغلبية العادية (النصف زائد واحد)، وهو الذي ينفق على إشادة البناء ويمكنه الاقتراض، وديونه تجاه الملاك له مرتبة امتياز، وقد يقرر الاتحاد عدم إشادة البناء، وفي هذه الحالة يبقى الملاك على الشيوع في الأرض، حيث يخضعون لأحكامه القانونية ويجري حلّ الاتحاد.

أين المشكلة؟

تكمن المشكلة أنه لا يوجد في منظومتنا القانونية تشريع يسمح بتشكيل هذا الاتحاد، لذلك لا يوجد في سوريا بناء له اتحاد ملاك!!

وهذه ثغرة تشريعية تستوجب تدخل المشرع وإصدار مثل هذا التشريع تسهيلاً لعملية إعادة البناء في هذه الظروف. علماً أن قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة رقم 93 لعام 1958، غير مناسب لإحداث مثل هذا الاتحاد لأسباب يضيق المجال عن سردها هنا.

لماذا نحتاج قانون يسمح بتشكيل اتحاد ملّاك البناء؟

لأن هذا الاتحاد يجب أن يتمتع بالشخصية الاعتبارية حتى يتعامل مع الغير كالمصارف والوحدات الإدارية من أجل الحصول على القروض والتراخيص اللازمة لإشادة البناء وغير ذلك من أمور، بحسبان أن القانون هو الذي يمنح الشخصية الاعتبارية للهيئات المختلفة (المادة 54 مدني).

حول لجان البناء

تجدر الإشارة هنا أن هيئات شاغلي الأبنية ولجانها الإدارية المحدثة بموجب القانون رقم 55 لعام 2002، تختلف عن اتحاد الملاك المشار إليه أعلاه، ولا تتمتع بالسلطة القانونية التي تسمح له اتخاذ القرار بإشادة البناء نيابة عن المالكين لأسباب عديدة أهمها:

هذه اللجان تتضمن شاغلين من غير الملاك (مستأجر، مستعير،..) وهؤلاء ليس لهم صفة تسمح لهم بالتصدي لمثل هذه المسألة المصيرية.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب  اضغط هنا

هذه اللجان بالرغم من صحة تمثيل رئيسها للجنة أمام القضاء، غير أنها لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية بنص واضح وصريح في القانون يخولها الاقتراض، وترتيب حقوق عينية تبعية على البناء كالرهن، والتعاقد مع الغير، وغير ذلك.

ثانياً: ملكية الشقق التي دمرها الزلزال في الأبنية المفرزة والمرخصة

بالنسبة لملكية الشقق التي دمرها الزلزال في الأبنية المفرزة والمرخصة، فالوضع لا يخلو من تعقيد في الواقع في حال لم يجرِ تنظيم المنطقة المهدمة بأحد قوانين تنظيم وعمران المدن المعروفة، أو في حالة طال الهدم بناية أو أكثر بحيث لا تستدعي الحالة إعادة تنظيم المنطقة.

فما هو الوضع القانوني لإشادة هذا البناء مرة أخرى؟؟

في هذه الحالة نحن نواجه بناء مهدم كان مؤلفاً من مجموعة ملكيات مستقلة مفرزة متفاوتة في القيمة والمساحة، تشترك بأجزاء مشتركة في البناء (شيوع أجباري) كما تشترك في ملكية الأرض.

بعد انهيار البناء، تهلك هذه الملكيات المفرزة وتزول نهائياً وتصبح محصورة بملكية الأرض التي كان البناء قائماً عليها. ويصبح جميع المالكين للشقق شركاء على الشيوع في الأرض بدون تحديد حصة كل منهم فيها، وذلك استناداً للمادة 780 من القانون مدني: ((إذا ملك اثنان أو أكثر شيئاً، غير مفرزة حصة كل منهم فيه، فهم شركاء على الشيوع…..))

فما هي طبيعة هذا الشيوع والأوضاع القانونية التي يفرزها؟

وما هو مقدار حصة كل من الشركاء المشتاعين (أصحاب الشقق المنكوبة) في هذه الأرض؟

أ – بالنسبة لطبيعة هذا الشيوع والأوضاع القانونية التي يفرزها؟

هذا الشيوع القسري غير معتاد في الواقع، فالمعتاد أن الشيوع ينشأ إما بإرادة الإنسان، كما إذا اشترى عدة أشخاص داراً على الشيوع، أو إذا أوصى شخص لعدة أشخاص بملكية شيء من غير تعيين، وإما بنص القانون كالشيوع الناجم عن الإرث. [محمد كامل مرسي باشا، الحقوق العينية، ج2، ص104] وبذلك يسري عليه من الناحية النظرية البحتة كافة الأحكام القانونية المنصوص عليها سواء لجهة إدارته المعتادة وغير المعتادة، أو الخروج منه، لعدم وجود نصوص قانونية خاصة تقضي بغير ذلك.

من الناحية العملية يصعب كثيراً الخروج من هذا الشيوع بواسطة دعوى إزالة الشيوع المعروفة لأن الصحيفة العقارية للأرض لا تسمح بإقامة الدعوى كونها لا تزال متكونة من الشقق المفرزة التي هدمها الزلزال، وهذا يقتضي إجراء معاملة تصحيح الأوصاف وإلغاء الصحائف العقارية للمقاسم الهالكة ودمجها بصحيفة واحدة كعَرَصَة معدّة للبناء، وبعد ذلك ينبغي التصدي لحالة مقدار حصص الشركاء من هذه الأرض.

ب – ما هي مقدار حصة كل من الشركاء المشتاعين (أصحاب الشقق المنكوبة) في هذه الأرض؟

المادة 780 من القانون المدني صريحة بالنص على حساب الحصص بالتساوي بين الشركاء إذا لم يقم دليل على غير ذلك.

وحيث أنه من غير المنطقي أن يتساوى الشركاء في هذه الأرض بالحصص نظراً لاختلاف ملكياتهم الأصلية قبل الهدم سواء من حيث المساحة أو الارتفاع الطابقي أو الاتجاه، فالشقة التي مساحتها مائة متر في الطابق الأول تطل على حديقة، ثمنها يختلف كثيراً عن الشقة ذات المساحة الأقل بالطوابق الأعلى التي تطل على المنور مثلاً. ويمكن بسهولة إقامة الدليل على هذا الاختلاف من الوثائق المحفوظة بالسجل العقاري كالبيانات المساحية والمخططات الإفرازية، ما يجعل من إمكانية الشرط الذي تطلبه المادة 780 المذكورة متوفراً.

ومن حيث إن: المادة 792 من القانون المدني نصّت بأنه يفصل قاضي الصلح في المنازعات التي تتعلق بتكوين الحصص، ما يحجب على أية جهة أخرى تحديد مقدار هذه الحصص، سواء أكانت دائرة المصالح العقارية، أو البلدية أو غيرها لصراحة النص القانوني، ما لم يتفق كافة الشركاء رضاءً على غير ذلك، وهو أمر مستبعد بطبيعة الحال.

مما يتطلب في ظل عدم وجود تشريعات أخرى تعالج هذا الوضع لجوء أحد الشركاء لإقامة دعوى أمام قاضي الصلح لتحديد حصص الشركاء أصحاب الشقق في الأرض القائم عليها البناء المهدوم، في ضوء خبرة فنية ترتكز على الوثائق التي أشرنا إليه أعلاه، ومن المسلم به أن هذه الدعوى تستغرق وقتاً ليس بالقليل بسبب طبيعة إجراءات التقاضي المعروفة، ويستوجب من المشرع التصدي لهذا الوضع بإصدار قانون يعالج هذه الحالات بشكل مرن عبر النص على تشكيل لجنة قضائية خاصة لهذا الغرض وغيره مما يواجه الملاك من تعقيدات قانونية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط