تصاعدت في الأيام الأخيرة مطالبات حقوقية ومدنية بوقف إنتاج الأعمال الدرامية التي يتم تصويرها داخل السجون والمراكز الأمنية في سوريا، وسط استنكار واسع من ذوي المختفين قسرًا وناجين من الاعتقال، بالإضافة إلى عدد من منظمات المجتمع المدني.
جاء ذلك في بيان حمل توقيع روابط المعتقلين وأسر المفقودين وناجين من سجون النظام السابق، إلى جانب فنانين وإعلاميين وحقوقيين، أطلقوا من خلاله حملة توقيعات تطالب بمنع تحويل السجون إلى مواقع تصوير درامية.
استنكار واتهامات بالتلاعب بالذاكرة
ندّد الموقعون بما وصفوه بـ”الاستهتار والعبث بمسارح الجريمة”، مشددين على ضرورة حماية هذه الأماكن من أي استغلال قد يؤثر على الأدلة الجنائية المتبقية داخلها. كما دعوا إلى الحفاظ على هذه المواقع كشواهد على الانتهاكات التي حدثت، بدلًا من إعادة توظيفها في أعمال قد تسيء إلى الضحايا أو تروّج لسرديات ملتوية.
اقرأ أيضاً: صالح مسلم: مستعدون لترك السلاح إذا سُمح لنا بالعمل السياسي
وأكد البيان على أن للفن قدرة على التأثير العميق في المجتمعات، معتبرين أن الأعمال الدرامية يجب أن تكون أداة للتعافي والعدالة، وليست مجرد وسيلة للترفيه أو محاكاة سطحية للمعاناة. كما انتقد البيان اختيار ممثلين مؤيدين للنظام السابق لتجسيد معاناة المعتقلين، معتبرين ذلك “تحريفًا مقصودًا” للواقع.
جدل مسلسل “قيصر” وإيقاف تصويره مؤقتًا
زاد الجدل حول القضية مع الإعلان عن مسلسل جديد بعنوان “قيصر”، الذي كان مقررًا أن يؤدي بطولته الفنان غسان مسعود، ويستند إلى أحداث حقيقية جرت داخل سجن صيدنايا، أحد أسوأ السجون سمعة في سوريا. إلا أن ردود الفعل الغاضبة دفعت اللجنة الوطنية للدراما إلى إيقاف التصوير مؤقتًا، بعد موجة اعتراضات واسعة من أهالي الضحايا والحقوقيين.
“قيصر” الأصلي يرفض المسلسل
المسلسل مستوحى من قصة “قيصر”، وهو الاسم المستعار لفريد المذهان، الذي كان يعمل في الشرطة العسكرية السورية قبل أن ينشق عام 2013، ويسرّب 55 ألف صورة توثق مقتل 11 ألف معتقل تحت التعذيب.
وفي بيان رسمي، نفى المذهان منحه أي إذن أو تفويض لاستخدام قصته في عمل درامي، معتبرًا أن إنتاج المسلسل دون موافقته يعد “استغلالًا سياسيًا وتجاريًا لمعاناة الضحايا”.
ذاكرة المعتقلين بين التوثيق والاستثمار الدرامي
مع سقوط النظام السوري في ديسمبر 2024، تزايدت آمال السوريين بالكشف عن مصير المعتقلين، لكن الواقع كان صادمًا، حيث تبين أن آلاف المفقودين قد تم إعدامهم. ووفقًا لـالشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن عدد المعتقلين والمختفين قسرًا في سجون النظام السابق بلغ 136,614 شخصًا حتى أغسطس 2024، بينهم 112,414 شخصًا لا يزال مصيرهم مجهولًا.
وسط هذه الأرقام، يبقى الجدل قائمًا: هل تستطيع الدراما إنصاف الضحايا أم أنها تتحول إلى أداة أخرى لإعادة إنتاج الألم بعيون غير الضحايا؟