اســـتِـهــلال :
• استبشرَ المجتمـعُ الثوريّ على امتـدادِ الشمـال المحـرّر و في الخـارج بالخطـوةِ الجريئةِ الـواعيـة إذِ استثمـرتِ الظـرفَ أجمـل ما يكـون الاستثمـارُ باختيـارِ الشـيخ العـالِـم “أسـامـة عبـد الكـريـم الرفـاعـيّ” مفتيـاً عامَّـاً لكامـل المجتمـع السـوريّ ؛ في خطـوةٍ إستراتيجيـة لإعـادةِ إحيـاءِ و تفعيـلِ مقـام المفتـي في سـوريـة الشـام ليعـودَ الأمرُ إلى طريقِـه الصحيح بعـد سلبٍ لهـذا المقـام لمـا يزيد على النصـف قـرن من قِبَـل نظـام طائفـيٍّ حـاقـدٍ و حـزبِـه البعـثـيّ الذين حاولـوا جهـدَهـم تفصيـلَ شخصيـةِ المفتـي على قياسِ منظومتهـم بدءاً من أحمـد كفتـارو وصولاً لـ أحمـد حسـون في أقبـحِ صـورةٍ من صـور التعطيـل و السـلبِ لهـذه المـرجعيـة .
• و قـد أدركَ نظـامُ أسـد ممثلاً برأسِه “حافـظ أسـد” أهميـةَ و خطـورةَ هـذا المقـام -في الوقت نفسـه- لذلك سعى إلى تطويقِـه و تأطيـرِه مخابراتيّـاً ، و تسخيـرِ مرجعيـةِ المفتي العـام لتوطيـدِ أركان حكمـه الذي غصبَـه بالحـديد و النـار بدعـم غربـيّ لا محـدود … ، و بذلك تعطّـلَ مقـامُ المفتـي و جُمِّـدَ دورُه في سـوريـة -و كافـة المحافظات السورية- في بلـدٍ أغلبُ سكانـه من السُّـنّـة و ذلك بعـد وفـاة المفتـي العـالِـم “محمـد أبو اليسر عابـديـن” عـام [1981م][1] ، إلى أنْ تـمَّ إلغـاؤه كليـاً من قِبـلِ نظـامِ أسـد و الاستعاضـةُ عنـه بـمـا سُمّـيَ بـ “المجلس العلمـيّ الفقهـيّ” بإشـراف وزارة الأوقـاف ممثلـةً بوزيـرِهـا المنفِّـذِ للسياسة الإيـرانيـة فكريـاً و ثقافيـاً و دينيـاً “محمـد عبـد الستـار السيـد” في تَـعَـدٍّ سافـرٍ على النسيـج الاجتمـاعيّ السـوريّ الرامي لتغييـر ديمُغـرافيـة البلـد لصـالـح إيـران و مشروعهـا الكِسـرويّ الفارسـيّ ، بحيـثُ يكـونُ السنّـةُ إحـدى طوائـف المجتمـع السوريّ لا أغلبـه ممـا يترتَّـبُ عليـه حُكمـاً التـلاعـبُ في نِسَـبِ الطوائـف بتقـزيـم النسبـة الأعـم الأغلب من أهـلِ السُّـنّـة كمـا فعلـوا في لبنـان و العـراق و غيرهـا و بذلـك تُلغـى المرجعيـة السُّنيّـة على أرض الشـام وفق مخططاتهـم الديمُغرافيـة المتسارعـة لبعـثِ الإمبراطوريـة الفارسيـة .
• و السـؤال البنّـاءُ الذي يجـبُ طرحُـه و نحـن نفكـرُ بصـوتٍ عـالٍ و بشيءٍ من الجـرأة :
– هـل كان اختيـارُ المفتـي خطـوةً ارتجـاليـةً من غيـر تخطيـط و دراسـةٍ فرضَتْهـا الفرصـةُ السانحـةُ ، أم كانت بموجـب دراسـةٍ و تخطيـط وفـق رؤيـةٍ و مشـروع بأهـدافِـه و آلياتِ تنفيـذِه… مشـروعٍ يُحـي روحَ المرجعـيـةِ في مجتمعنـا السـوريّ بصـورة مؤسساتيـة راقيـة على امتـداد التـراب السـوريّ من أقصى الشمـال إلى آخـر نقطـة في جنـوبنـا السـوريّ ؛ إضـافـةً لمخـاطبـة السـوريين في كافـة أصقـاع العالَـم حيثُ نأتْ بهـم أحوالُ الهجـرة و مُـرغِـمــاتِ النـزوح ؟!
و إذا ما أردنـا الجواب على السؤال المطروح لابـد من توضيـحٍ لمفهـوم المرجعيـة المؤثّـرة التي تعيـدُ بناءَ جسورَ التواصـل بين المجتمـع السوري و تجمـعُ و تقـرّبُ الكـوادرَ العلميـة و الفكـريـة الصادقـة و المصلحيـن الثـورييـن و تعيدُ ضبـط بـوصـلة المجتمـع أخلاقيّـاً و قِيميّـاً و فكـريّـاً و تعليميّـاً .
▪️▪️ المـرجعيــة مفهـومهـا و غاياتهـا :
المـرجعيـةُ هـي جهـةٌ يُـرجَعُ إليهـا و يُـلاذُ بهـا تُبصِّـرُ و توجِّـهُ و تصـوِّبُ ؛ جهـةٌ عمـادُهـا الإدارةُ المؤسساتيـةُ بـرأسٍ هـو روحُ المؤسسـة و عمـادُهـا … لذلك لا نبـالـغُ إذا قلنـا : إنّ المرجعيـةَ التي ينشـدُهـا السوريـون مـرجعيـةُ مـلاذٍ و منهـل في آنٍ معـاً !! أي مـلاذ السوريين إذْ يلجـؤون إليهـا ليجـدوا ضالتَهـم عنـدهـا و ما فقـدوه على مدارِ سِنيّ حُكـمِ البعـث و عصـابـة أسـد ، فالنـاسُ تبحـثُ بفطـرتهـا عن موجِّـهٍ يصـوِّبُ أعمـالَـهـم و يتكلمُ بلسانهـم و يعايـنُ همومَهـم و آلامَهـم و ينشـدُ خيـرَهـم بصـدقِ لهجـةٍ و وضـوحِ موقف ليغـدوَ المفتـي -المرجعيـة – منـهـلاً يستلهمـون منـه و من مواقفـه سـدادَ – أو فساد – أعمـالهم و عمـلَ بقيـة الجهـات أيضـاً … و بذلك يغـدو مقامُ المفتـي مفـعّـلاً من ناحيـة المرجعيـة الروحيـة ليكتسـبَ رمـزيـةً و حضـوراً كلمـا اقتـرب من الواقـع و عاينَـه على مختلفِ جوانبـه بدءاً من رغيف الخبـز وصـولاً للحركـات الفكـريـة و الحيـاة الاقتـصاديـة فضـلاً عن التيارات و الأجنـدات الغربيّـة و الأيديولوجيات المنحـرفـة التي تعصـفُ بواقـع الثـورة .. فيقـدِّمُ لكـل ما سبـق موقفـاً واضحـاً جريئـاً يُجَـلّـي غمـوضَ أو التباسَ الأمور و الأحوال و ما خفيَ عن إدراك عامـةِ النـاس .
• و عليـه فإنّ مرجعيـةَ المفـتي العـام هي مؤسـسـةٌ لـهـا إداراتٌ و أقسـام ، بحـيثُ يكون كـل قسـمٍ بمثـابـة هيئـة استشاريـة أمينـةٍ في مفصـلٍ محـددٍ تُـزوِّدُ سمـاحـة المفتـي بالرؤيـة الصحيـحةِ المبنيـةٍ على الحقائق الواقعيـة لأي حادثـةٍ أو موقـف يطـرأ في المفصـل الذي تغطيـه تلك الإدارةُ ليكونَ بذلك مرتكـزَ المفتي -المرجعيـة- لبيـانِ الموقف بجلاء تـام و نشـرِه على المـلأ إعـلاميـاً ليتزودَ النـاسُ بالموقف الفكـريّ الذي يوضّـحُ و يبيّـن و يُوجّــه نحـو صحيـح العمـل .
و بعبـارة جامعـة نقـول :
(( المرجعيـة هـي مـؤسسـة يرأسُـهـا المفتـي العـام الذي يقـودُ حركـةَ المجتمـع و يوجِّهـه و يصوِّبـه بمسـاعـدة إدارات استشاريـة تتبـعُ لـه بصـورة مباشـرة يتولى بنفسـه اختيـارَ أعضائِـهـا .))
▪️▪️▪️ نحـو تفعيـل مرجعيـة المفتـي :
• و لكي تكـون المرجعيـةُ -مرجعيـةُ المفتـي العـام- فاعلـةً مؤثِّـرة يستلزمُ ذلك ثـلاثـة عوامـل تصـلحُ لِأنْ تكـون معـايير تتـعـاضـدُ لتبنـيَ هيكـلَ المرجعيـة و هي :
1 – الذخيـرة العلمـيّة المـدعـومـة بالتجـارب التي يصدرُ عنهـا إنتـاجٌ علمـيّ و رأي سـديـد و موقـف واضـح جـريء .
2 – القـدرة على التواصـل مع المجتـمع بحُسنِ توجيـهِ الخطاب و متابعـة ما يطرأ في واقع المجتمـع من أحداث و مُلمـات .
3 – الإعـلام باستخـدام وسائـل الإعـلام بأنْ يكونَ لهـذه المرجعيـة معـرّفات و منصّـات خاصـة يصـدرُ عنها كل جديد رسـميّ ؛ بحيث تبقى على تواصـل مع المجتمـع في متابعـة أدقِّ أحوالِـه و التفاعـل معهـا ، و كلمـا كانَت المرجعيـةُ أقـربَ من معانـاة الناس و همومِـهم و حادثاتِ أحوالِـهم كانت أكثـرَ قَبـولاً و تفـاعُـلاً من قِبـلِ المجتمـع ، و أكثـرَ تأثيـراً في الواقع بتصويبه و توجيهه قِيميّـاً و فكـرياً و شرعيـاً و تعليميـاً و تنظيميّـاً لتغدو هذه المرجعيـة “المفتـي العـام” محـطّ ثقـةِ الناس و محـرّك التصويب المجتمعـي في كافـة مفاصـله ؛ فالنـاسُ عامـةً تتفاعـلُ مع الموقف الواضـح الذي يخاطبُ واقعَـهـا و يُغـذِّي وجدانَهـا .
• و تأسيـساً على معاييـر المرجعيـة و عوامـل تأثيرهـا سنجدُ أنفسنـا أمـام الجوانب التي يجب أنْ تغطـيَهـا مرجعيـةُ المفتي العـام و بعبارة أدق يجبُ أن تكون مرجعيـة المفتي مرجعيـةً :
1 – شـرعيـةً : لتستوعـبَ القضـايا الفقهيـة و الـدعـويـة و التربـويـة .
2 – فكـريّـةً : لتستوعبَ الشؤون التعليمـية و الأكاديميـة .
3 – تنظيميّـةً : لتغطـيَ الجـوانبَ الإداريـة و تدفـعَ نحـو المَـأسَسـةِ في مفاصـلِ الثـورة .
4 – اجتمـاعيـةً : لتتفاعـلَ و توجِّـهَ الأحوال الأسريـة و المجتمعيـة عامـة وفـق الرؤيـة الفكـريـة -الآنفـة الذكـر- .
▪️▪️▪️▪️المرجعيـةُ بيـن الـواقـع و المـأمـول :
إنّ المرجعيـةَ المنشـودة التي تستطيـعُ التغييـرَ لتكتسـبَ الحضـورَ و التأثيـرَ بهمـةِ و فِكـرِ و جـرأة سمـاحـة المفتـي -سدّده الله- تحـدوه إلى الدفـعِ لتفعيـلِ الخطـوات الآتيـة :
• أولاً : إحيـاءُ المرجعيـة بوصفهـا مؤسـسـةً يرأسُهـا المفتـي ، و الخروجُ من إطار الفرديـة و الفكـر الواحـد و البسـاطـة الإداريّـة ؛ و إنمـا بوصفهـا مؤسـسـة لهـا نظامُهـا الإداري و آلياتُـه ، بتوقيـعٍ و خاتـم واحـد هو خـاتـم المفتي فليسَ مسـوَّغاً في علم الإدارة أنْ يصدرَ موقفٌ أو فتـوى لقضيـةٍ ما ممهـورةٍ بعشرات التوقيعات و الأسماء طالمـا أنّ هنـاك مؤسسـة مرجعيّـة عمـادُهـا المفتي ؛ فخاتمُـه على أي قضيـة أو فتـوى يستلتزم حتمـاً موافقـةَ الأعـم الأغلب -إن لم نقـل الجميـع- ، و لنا في فتوى الديون الزراعية الصادرة بتاريخ [17 – 12 – 2021مـ] شاهـد حيٌّ على هذا الخـلل الإداريّ .
• ثانيـاً : توسيـعُ دائـرة التواصـل و البحـث عن النخـب الثوريـة المؤهَّلـة فكـريـاً و أخلاقيـاً و أكاديميّـاً و تقريبهـم و الاستماع لهـم ؛ و التفاعـل مع كافـة التوجُّهـات الواعيـة و دراستهـا .
• ثالثـاً : تعميـقُ البُعـد الثـوريّ في المجتمـع و التقـدُّمُ نحـو بلورة مشـروعٍ ثـوري جـامـعٍ يُستمـدُ من واقعِ الثورة و تجـاربِهـا و يكونُ من الداخـل بعـد سنوات من الإيديولوجيات المتعـددة التي تسعـى جاهـدةً إلى تفكيك ما تبقّـى من النسيج الاجتماعـيّ و التي أدخلتِ المجتمـعَ في حالة الفوضـى الفكريـة[2] .
• رابعـاً : الاقتـرابُ من المجتـمع الثـوريّ و إبـداء الرأي من القضـايـا الطارئـة على المجتمـع و التي تهـمّ الشارع الثـوريّ .
• خامسـاً : تشكيل ورشـة عمـل عاجلـة لوضـع خطـة مع آليـة تنفيـذ لمخاطبـة المجتمـع السـوريّ كـامـلاً بفتـح قنوات التواصـل و الثقـة مـع المجتمـع السوري المقيـم في منـاطق أسـد و هو المستهدفُ في دينـه و قِيمـه عبـر المشـاريـع الإيرانيـة و التبشيـريـة الغربيـة ، و كذلك السـوريين في بلاد المهـاجـر كافـة ليكـون مقـام المفتي مرجعيـةً حقيقيـةً تتابـعُ السوريين و تبلسـمُ جراحَهـم و توجّههـم و تنـال ثقتَهـم .
• و أستثمـرُ المقـام هامسـاً أنّ الصمـتَ ليسَ محمـوداً في كل الظروف بل الكـلام و البيـان يكونُ حاجـةً عندمـا تستدعي الضرورةُ ذلك ؛ فغيـابُ موقـف واضـح من سماحـة المفتي -حفظه الله- مثـلاً حول القضيـة التي أثارت المجتمـع الثوريّ المتعلقـة بالمناهج المسيئة للنبي الكريم -صلّى الله عليه و سلّم- ، و كذلك قضيـة النـدوة التي عقـدت برعاية مجلس الكنائس العالمـيّ في مدينـة عفريـن تحت عنوانٍ التفافـيّ “بنـاة السلام” ليسَ القرار الصائـب في واقـع افتـراضـيٍّ مفتـوح بانتشار المنصات و قنوات التواصـل و عالَـم الـ “سوشل ميديا” بل يلزمُ معه البيـانُ و الإيضـاح و وضـعُ الأمور في نصابهـا ..
▪️ختـامـاً :
في ختـام هذا اللقـاء لا يسعُنـا إلّا نؤكـدَ أنّ المجتمـع الثـوريّ مستبشرٌ بحكمةِ سمـاحة المفتي الشـيخ العالِـم “أسامة عبد الكريـم الرفاعـي” و صواب الاختيار ، و كلُّـه ثقـةٌ بحسن إدارتـه للمرحلـة القادمـة بإرساء قواعـد المـرجعيـة بمفهومِـهـا المؤسساتيّ الواسـع آخذاً دورَه نحـو تصويبِ مسـار الثـورة و ضبـطِ حركـة المجتمـع أخلاقيـاً و قيميّـاً و فكـريـاً و تعليميـاً -لا سيمـا في هذه المرحلـة الحـرجـة- لمَـا له من أثـرٍ ضـروري في بنـاءِ الأسـرةِ و الأجيال من أبنائنـا و شبابنـا -ذكوراً و إناثـاً- المستهـدفيـن الحقيقيين من مشاريع التغريـب المتنوعـة ؛ فبِصلاحِهـم و وعيهـم يتحـركُ العمـلُ مستقبـلاً -بإذن الله- نحـوَ الأسلـمِ الأصـوب انطـلاقـاً من مصلحـة الثـورة و أهلهـا الثابتيـن …
و إنّ نجاحَ هـذه التجـربـة -إحيـاء المرجعيّـة- في سـوريـة الثـورة سيكون مردودُهـا إيجابيـاً على المستوى الإقليمـيّ و البلدان المحيطة التي تعاني التشرذم بفعـل المخططات الإيرانيـة و التبشيريـة التغريبية كمـا في العـراق خصوصـاً ثـمّ لبنـان .
➖➖➖➖➖➖
هـوامش :
[1] المفتي العـالم محمـد أبو اليسر عابدين تسلمَ الإفتـاء في سوريـة عام 1955 و بقي مفتياً حتى عام 1963 غيرَ أنّه بقيَ مرجعيةً حتى تاريخ وفاته عام 1981 م حيثُ بقي يعلّـم و يدرّس و يخطب و يُؤلف حتى تاريخ وفاتـه .