مكاسب طهران من الحرب الروسية الأوكرانية

غسان الجمعة

0 421

لا يزال الغزو الروسي لأوكرانيا يلقي بظلاله سياسياً وعسكرياً على كاهل الكثير من الدول ويثير تخوفاتها بأبعاد مختلفة حسب موقعها الجيوسياسي والاقتصادي في الميزان الدولي، فأوروبا لديها مخاوف أمنية واقتصادية وتخوض حرباً غير مباشرة مع موسكو، وبالمقابل فإن دولاً في آسيا وشمال أفريقيا بدأت البحث عن مصادر أخرى لسلال الإمداد الغذائي وزاد الطلب على الطاقة في دول شرق آسيا وبلغ سعر البرميل أرقاماً قياسية.

هذا السيناريو عادة ما يرافق أي حرب حيث تنخفض المخزونات وترتفع الأسعار وتضعف الإمدادات على الصعيد التجاري لكن الأمر ليس سيان بالنسبة لكل الدول فاليوم هناك دول تستثمر في الحرب الأوكرانية الروسية وأخرى حصدت مكاسب فعلياً.

فرزات والتعري، الّلافن واللاأخلاق

فإيران الدولة التي كانت حتى الأمس دولة مارقة ومعاقبة ومنبوذة على مستوى السياسات الدولية باتت خططها الاستراتيجية في مسارات أكثر اتساعاً على الساحة الدولية ولعبت الاضطرابات الدولية الأخيرة دوراً في تشكيل فرص جديدة لتحقيق أهدافها الخارجية في ملفاتها المختلفة.

فالعقوبات على روسيا أدت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز وبدأت السوق الدولية بالبحث عن مصادر بديلة تعوض الحصة الروسية في السوق وكانت إيران أحد هذه الأبواب التي هرعت إليها الدول الغربية لسد النقص وتلافي آثار العقوبات المفروضة على موسكو بتبعاتها على اقتصادات الدول الصناعية.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

هذا التحول باتجاه إيران أسهم في الإسراع في مفاوضات الملف النووي وقد وصلت دول الخمس+1 إلى صيغة وبنود توافقية في آخر جولة مفاوضات وبدأ الحديث عن ساعات للوصول إلى اتفاق نهائي يخص البرنامج النووي الإيراني إلا أن المفاوض الروسي عرقل الاتفاق في لحظاته الأخيرة لأسباب تتعلق بما أسماه بأضرار بالمصالح الروسية من هذا الاتفاق فيما يخص العلاقة الروسية مع إيران بسبب العقوبات الغربية.

وبالرغم من نجاح الروس في منع النفط الإيراني من غزو الأسواق بعرقلة الاتفاق إلا أن القيود الغربية لن تستمر طويلاً على النفط والغاز الايراني ولا سيما وأن طهران تهرب النفط للسوق العالمية من قبل أزمة الطاقة بسبب الحرب وبهذا فإن إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مكاسبها في ملف تصدير النفط والاتفاق النووي وذلك بأقل قدر من التنازلات التي كانت تطالب بها الدول الغربية وبالنسبة للعقبة الروسية فإن العلاقة الاستراتيجية بين طهران وموسكو لا تمنع أن تكون طهران في نقطة وسط بين المعسكرين وهي نفس السياسة التي لعبها بوتين في علاقته بين طهران والغرب هذا إن لم تغرِ الدول الغربية طهران بمكاسب أخرى في سبيل إبعادها عن فلك بوتين.

ولأن السياسية هي المصلحة أولاً وآخراً فإن الجنوح الإيراني باتجاه موسكو قد ينتهي بتعارض تلك المصلحة وأبرزها التنافس الخفي فيما بينهما في سورية وذلك بالسيطرة على الموارد وسلطة القرار إلا أن رحى الحرب الدائرة في أوكرانيا ستضعف الوجود الروسي ونشاطه في سورية لحساب طهران فالخاصرة الأقرب لموسكو هي أوكرانيا وهي أولى استراتيجياً بالسيطرة والمجهود الحربي لدى الكرملين.

مما يعني أن طهران ستكون اللاعب الرئيسي في الملف السوري على حساب هذه الحرب مع فرص إغرائها بتمكينها أكثر بالمنطقة من قبل الدول الغربية مقابل تنازلات جديدة مستقبلاً تتعلق ببرنامجها النووي وسياساتها الخارجية.

ولا يختلف التنافس الروسي الإيراني عن سورية كثيراً في آسيا الوسطى فكلا الجانبين يطمح لمد نفوذه في المنطقة التي تتميز بموقع استراتيجي وموارد اقتصادية ضخمة هي محط أطماع الطرفين إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا لن يسمح لموسكو بالمنافسة على جبهات أخرى كما فعلت في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم كرباخ عندما قطعت الطريق على تركيا.

لقد باتت إيران أقرب من أي وقت آخر للعب دور الشرطي في الشرق الأوسط سيما وأن دول الخليج العربي باتت غارقة في أجندات صراعها ومحاورها وفي حالة خلاف حاد مع الإدارة الأمريكية الحالية وهو ما يشكل حافزاً لطهران وأذرعها للتحرك في المنطقة مستغلين ضجيج الغزو الروسي.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط