عندما كنتُ أستطلع تسجيلات الطلاب والطالبات في منحةٍ “محمّد فارس” رحمه الله، شعرتُ بالرغبةِ أن أبكيَ ثلاثَ مرّاتٍ على الأقل، ودمعَتْ عيوني حقًّا ثلاثًا أُخَر…
لا أدري كيف تحوّل التسجيلُ على منحةٍ لفرصة أن يبوحوا بآلامهم، تلكَ التي تغوصُ في عمِقِ الرّوحِ، لا يستطيعُ هو، ولا تستطيعُ هي، في الأعمّ الأغلبِ أن يُخرجَاها، فكيفَ يفعلَا؟ ومَن يستمع إليهما؟ وأقصدُ طالبًا جامعيًّا وطالبةً… أيَّ طالبٍ وطالبة…
ولكني، رغمًا عنّي، ومع شعور الألم الذي راودني، أتاني شعور آخر قلّ أن يجتمعَ معه، إنّه الفخر بهؤلاء الطلاب والطالبات، وإذا كنت يا قارئي مستغربًا كيف يجتمع الشعوران، الألم والفخر معًا، فاقرأ معي: تقول إحدى الطالبات: “رحم الله محمّد فارس، مِن كلّ قلوبنا ندعو له، إنّه ينثرُ الخيرَ حيًّا وميتًا، كنتُ أنتظرُ منحةً من اللهِ تُبقيني على مقعد الجامعة، ذاك المقعد الذي شقيتُ حتى جلستُ عليه، وشقيتُ وأنا جالسةٌ عليه، تهجرتُ إلى الشمال، وفقدنا كلّ شيءٍ، حتى ذكرياتنا، وأصابنا الفقرُ، ولي في الغوطَتَينِ هوىً قديمٌ، زوجٌ استشهد في المعركة، ولي من روحِه ثلاثُ صبيةٍ وابنة وحيدة، وأنا أعملُ عليهم، وأدرس في جامعة حلب في المناطق المحررة، كانَ أهل الخيرِ يدفعونَ الأقساط، وعزّ الآن، أرجو من مؤسسة مداد المحترمة أن تقبلني في هذه المنحة… ”
ألم تشعر يا قارئي بالرغبة الأولى بالبكاء!؟
اقرأ أيضاً: عصام العطار…داعية إسلامي بين المنبر الديني والنضال السياسي ضد الأسد
ويقولُ أحدُ الطلبةِ المسجلين على منحة محمد فارس:” لقد أصبتُ في معركةٍ مع النظام، حينما كنتُ أدافعُ عن أهلي وديني وبلدتي العتيقة، فكانت مهمتي بعد ذلك أن أبحثَ عن عملٍ لا يحتاجُ لجهدٍ، يقدّر إصابتي،.. فبالكاد أجدُ أو لا أجد، وجدتُ نفسي نِصف عالةٍ، لأبٍ ستينيٍّ، مهاجرٍ، متعبٍ، حزينٍ لألم الهجرة، بعد ذلك مريض، لا يستطيعُ أن يعمل أو يكاد، فأردتُ أن أُتمّ تعليمي الجامعي، عساني أكونُ معلّمًا، رغمَ إصابتي، ولكن أقساط الجامعة خيالية قياسًا لأسرتي التي تبيعُ “المعونةَ” لتُعينها على شراء الخبز، فأرجو من مؤسسة مداد المحترمة أن تمنحني فرصة لأستمرّ، والله يحبُّ المحسنين”… يا قارئي ألا تفخرُ وتتألم معًا… باللهِ عليكَ…
تلكَ نماذجُ من المسجلين يغلب فيها الألمُ الفخرَ، نعم… ولكني قرأت أيضًا نماذج يغلبُ فيها الفخرُ الألمَ..
تقول إحدى الطالبات: عندي طموحٌ، رغمَ هجرتي وآلامي واستشهاد أبي، وإعاقةِ أخي، عندي طموحٌ إن أكونَ قدوةً، فاعلةً، مثلًا للبنتِ النّموذج، تلك التي تملأ الدنيا خُلُقًا وعلمًا وأدبًا وإنجازًا، تلك التي تفوحُ عفّتُها مِسكًا من غزالةٍ بديعة، أرجو من مؤسستكم الموقرة أن تقبلني بالمنحة، حتى أكمل تعليمي الجامعي، وأكون بإذن الله تعالى..”
تلك يا قارئي نماذجُ من فيضٍ من النماذج، يقول الأستاذ أحمد إسماعيل مدير برنامج المِنح في مؤسسة مداد: إن مؤسسة تعليم بلا حدود مداد، جهدتْ دائمًا على دعمِ قطاعِ التعليم، والجامعي منه بالذات، فقدمت عبر مسيرتها المنحةَ تِلوَ المنحة، خدمةً لأبنائنا الطلاب والطالبات وعونًا لهم لاستكمال تعليمهم الجامعي”، وقد اقترب عدد الطلبة المسجلين على منحة محمد فارس، من 4000 أربعة آلاف، لا نستطيع أن نستهدف الجميع، ولكننا نسعى دائبين لاختيار الأكثر استحقاقًا”.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا
فيا أيها الطلاب والطالبات المبدعات هنا في الشمال المحرر، أنتمُ أعظمُ منحةٍ لهذه الأرض الطيبة، وثِقوا أنكم ولو بعد حين ستغدون مانحين، لا مالًا فقط بل وعلمًا وعملًا وحضارةً حرّةً تحتِ علمِ جميل يجمعنا بنجماتِه الثلاث