نحو تعايش أكثر نضجاً

أ. رفاعة عكرمة

0 291

أستعير روح عنوان الكتاب الجديد للسيد الرئيس رجب طيب أردوغان (نحو عالم أكثر عدلاً) والذي تحدث فيه بصفته رئيساً للجمهورية التركية بواقعية وعمق وبكثير من البصيرة

أستعير روح عنوان الكتاب الجديد للسيد الرئيس رجب طيب أردوغان (نحو عالم أكثر عدلاً) والذي تحدث فيه بصفته رئيساً للجمهورية التركية بواقعية وعمق وبكثير من البصيرة عن رؤيته كمعبِّر عن القيم التركية لعالم أكثر عدلاً، لألامس خدشاَ في التعايش التركي السوري قبل ان يتحول إلى جرح غائر يدمي إنسانيتنا ويهدد قيمنا المشتركة وروابطنا العميقة.

يتشابه المجتمعان التركي والسوري في أنهما شهدا عبر التاريخ هجرات متعددة قديماً وحديثاً في العقود القليلة الماضية، كما شهدا استقبال موجات لجوء بأعداد غفيرة، وكانت ثقافة البلدين وقيم الشعبين قادرة على الاحتواء، وتغليب الدواعي الإنسانية على الفروق الطبيعية في عادات الحياة اليومية والتي تختلف حتى ضمن المجتمع الواحد.

لكن وبعد أن سمح الإعلام بنشر انتقاد لاذع من سيدة تركية للسوريين من خلال ملاحظة هامشية تتعلق بشراء سوريين ممن حولها للموز بوتيرة أعلى مما اعتادت هي عليه، صارت هذه الملاحظة مدخلاً للتعبير عن المكبوت في تصعيد الخطاب العنصري الذي يؤجج الفروق ليعمق الشروخ.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

وسرعان ما تحولت وسائل التواصل الاجتماعي لساحة مناوشات وتندر وتعليق وجدل حاد، وكان من أسوإه نشر وتداول صورة قام بها شخص غير مسؤول ومستهتر بمصالح الشعبين والبلدين وضع فيها موزة مكان الهلال على صورة العلم التركي وهو رمز الدولة الذي تميز الشعب التركي باحترامه العميق واللافت له (ناسياً أو متناسياً أن رمزية الهلال تمثل قيمة مشتركة لدى الشعبين)، وكاد أن يخرج الأمر من سياق الإعلام العابر إلى أزمة عميقة تمس شعبين، وتعصف بمستقبل بلدين.

والسبب الأول هو الإعلام اللا مسؤول الذي يرفع مستوى الحدة ويؤسس لفوبيا السوريين عند الأتراك وفوبيا الأتراك عند السوريين، بتصاعد خطاب متنامي لا يتوقف عند حد ولا يتقيد بسقف، ومحوره العميق هو معاداة الإنسانية بالتركيز على الفروق وغض النظر عن التشابهات ، ويركز على السوريين منذ فترة رغم أن لجوئهم إلى تركية ليس بجديد وقد قارب العشر السنوات، وهو وجود ليس بيد السوريين ولا الأتراك إنهاءه بلمحة بصر ولو كان متعباً لكلا الطرفين في بعض الجوانب لأن القضية السورية أعقد من قدرتهما الذاتية على تجازوها، وليس باستطاعة الدولة التركية وحدها خلق بيئة آمنة تكفل العودة الطوعية للاجئين، إذ لا يوجد طرفٌ يستطيع بمفرده أن يضمن حياة العائدين طالما لم يستطع المجتمع الدولي بعد توفير تلك البيئة ، وطالما أنه ليس من قيم المجتمع التركي ولا من مصالح الدولة التركية في أن تكون طرفاً في دفع أحد لجأ إليها إلى جحيم الموت فلا بد من التعايش العاقل والتعامل المسؤول حتى لا تنقضي الأزمة التي فُرضت على السوريين حتى الآن.

لماذا السوريون؟ ولماذا الآن؟ وهذا التصعيد إلى أين؟ ومن هو المسؤول عن التأزيم الحاصل؟

أسئلة هامة جداً وتأخذ حيزاً مهماً من النقاشات اليومية، ولا يتسع المجال للخوض فيها، وليس لها بطبيعة الحال إجابات قاطعة، ولكن أبرز أدواتها هي ممارسات الإعلام غير المسؤول ممن قد يبتغي الشهرة، أو زيادة المتابعين، عبر توظيف القضايا الهامشية في صراعات لا تخدم ثقافة كلا المجتمعين التركي والسوري والإرث الحضاري الذين عُرفا به، كما وتتناقض مع القيم المشتركة لكليها.

ومن أبرز ما يقال عن الخطاب الإعلامي العنصري المعادي للسوريين أنه لا يبتعد كثيراً عن مآخذ الشعب التركي على الخطاب العنصري الألماني تجاه الجالية التركية في ألمانيا، كما أنه خرج بطبيعة محتواه وما يركز عليه عن كونه تناول متوازن يضيء على المشاكل ليدفع باتجاه الحلول، وينزلق ليصبح خطاباً شعبوياً يتناقض مع ثقافة الشعب التركي وتركيبته التي استوعبت العديد من الهجرات وصارت جزءاً من نسيج المجتمع التركي.

كيف أدى وباء COVID-19 إلى زيادة التنمر؟

ولا شك أنه قد وصل إلى حد يستدعي تحركاً عاجلاً من النخب العاقلة والمؤسسات المعنية في كلا الطرفين، ولا بد من خطوات عاجلة في هذا الاتجاه، ونقترح في سبيل ذلك:

1- العمل على صدور تنصل سوري من التصرفات غير المسؤولة والمسيئة لقيم الشعب التركي ورموزه.

2- مسارعة المؤسسات الإعلامية السورية والتركية لإصدار ميثاق شرف يعزز قيم التعايش وانضباط العمل الإعلامي بحقوق الإنسان ومقتضيات التعامل مع اللجوء.

3- تعاون المؤسسات الحقوقية التركية والسورية في التوعية بمقتضيات التعايش والمخاطر القانونية للخطاب العنصري والسخرية والافتراء.

4- العمل لتنظيم حوارات طلابية ومناظرات بين طلبة الجامعات السوريين والأتراك تتناول مختلف جوانب الإيجابية والسلبية للوجود السوري في تركيا، وآفاق تلافي أوجه القصور والسلبيات.

5- الدفع باتجاه مأسسة الجاليات السورية في مختلف المحافظات ضمن مؤسسات فاعلة وقادرة على الاحتواء وترشيد العلاقات الشعبية بين المجتمعين، مع العمل على ترابطها في مؤسسات جامعة.

6- التحرك باتجاه مؤسسات الدولة والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني والقوى ال حزبية لبناء توافق على مرتكزات للتعايش، والخروج من حالة الاستقطاب المتمحور حول الوجود السوري.
7- تشجيع النخب الثقافية والإعلامية والفنية السورية والتركية لتبني خطاب إعلامي يرتكز على المشترك القيمي والثقافي والتاريخي للشعبين، ويعزل الممارسات اللا مسؤولة ويدينها ويطالب بالكف عنها.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط