نسرين عليوي
أحيانًا ضيق الألم وقوة الإرادة تفسح أبواب الأمل في دروبنا المظلمة، فبعد حُبّ خمس سنوات وكثير من الانتظار جمع الله بين أحمد وإسلام الفتاة التي أدخلتها الحياة في دوامة الأحزان.
إسلام من مواليد 1991 بمدينة سراقب، لديها طفل عمره سبع سنوات، تحاملت وعانت الكثير من العذاب لأجله.
كابوس أسود خيم على قلبي بعد زواجي من حلم حياتي أحمد:
تقول إسلام: “قبل أحداث الثورة ذهب شريك عمري إلى خدمة الوطن الإجبارية، تلك الغشاوة التي أعمت الملايين، وبعد مرور شهر من التحاقه بالخدمة اندلعت الثورة بشرارتها الأولى.” ومن هنا بدأت معاناة الخوف المستمر من فقدان حبيبها ونبض قلبها أحمد.
تُكمل قائلة: “وبعد مرور سنة ونصف انشق من العسكرية بصعوبة كثيرة، وبعد انشقاقه بشهرين عام 2012 انضم إلى الثورة.”
الزوج الأول الشهيد (أحمد):
وقرر أحمد الزواج من حبيبته التي دام حبهما خمس سنوات، لكن جمعهما الزواج سنة واحدة فقط، تضيف إسلام: “خلَّفت من أحمد ثمرة حبنا مصطفى الطفل اليتيم الذي أضاعت حقه الحرب وحُرم كلمة بابا بخبر استشهاد والده.
اه من الزمن.. فقدت جزءًا من روحي، لم أعد أرغب في شيء بعد فقدانه، توقفت ضحكاتي، سلبت مني فرحتي، وأصبح يومي بائسًا بعيدًا عن الأمل والسعادة التي طالما رسمتها في مخيلتي لسنين، وبت أمشي جسدًا بلا روح.”
الإرادة والإصرار يصنعان المستحيل:
تقول إسلام: “في يوم من الأيام قررت أن أنهض من جديد ولا أستسلم لقلبي الذي بات معذبًا منطفئًا لا روح له، وذلك من أجل طفلي الذي حُرم كلمة بابا منذ تفتحت عيناه على هذه الدنيا، وبعد استشهاد زوجي أحمد أصبحت الضغوطات من الأهل والأقارب، وقرروا أن يزوجوني من شقيقه، في البداية كان الأمر مزعجًا وصعبًا بالنسبة إليّ ولا أستطيع تقبله، لكن رضخت للأمر الواقع لحماية طفلي من الضياع والتشرد وتعويضه عن حنان والده كون الذي سوف أتزوجه عم طفلي وكان حنونًا جدًا.”
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
الزوج الثاني الشهيد (كنان):
وأكملت إسلام قصتها مع زوجها الثاني: “عوضني الله بعد زواجي من (كنان) عن عذابي الذي تجرعته بعد وفاة أحمد، لتكرر معاناة كل أم في المناطق المحررة بالتحاق كنان ذو الأخلاق الحميدة والشهامة بمنظمات تطوعية في الدفاع المدني دامت شهرين، وقد عاد لقلبي القلق من جديد، وأصبح يرافقني في كل لحظاتي، وبدأت الخلافات بيني وبينه على أن يترك العمل التطوعي خوفًا عليه، وفي معركة تحرير إدلب استجاب كنان لحالات إسعافيه فلبى النداء وقضى شهيدًا.
كنت في البيت أنتظر خبر وفاته؛ لأنني شعرت في انقباض في صدري وانكسار قلبي مجددًا الذي أثر على حملي بشهري الخامس، ومن شدة القهر أصابتني جلطة أثرت على جنيني فأكملت العدة وأنا حامل، ووضعت جنيني في القبر في أول ايام العيد.”
تُردف إسلام بقولها وهي تتنهد: “بعد أن توفي زوجي الثاني، قررت أن أصنع من شخصي إنسانًا قويًا ناجحًا قادرًا على حماية نفسه من ظروف الحياة، فلن تهزمني الأوجاع ولن يكسرني قهر الأيام.
فكانت البدايات تشجيع أختي الأصغر من الكبيرة بانتسابي لورشة خياطة أُقيمت لزوجات الشهداء، كان لدي بعض الصعوبات كوني لم أمارس هذه المهنة من قبل، لكنني فعلت المستحيل خلال شهر، وكنت من الأوائل في دفعتي وأنجزت المهمة بإتقان وأبدعت في هذا المجال، ولم أتوقف عن هذه المهنة والتحقت في دورات التنمية البشرية مع زميلاتي كفنون القيادة، والضغط، والإقناع، والإشراف، وتكرمت على إتقان عملي في جميع المجالات، مما حفزني على متابعة المسير، فعدت لمهنتي الأولى، وهي التعليم الأساسي للصف الأول الابتدائي، بعد اتصال من مديرة المدرسة لخبرتي في التدريس مدة ثماني سنوات، وأنا في عملي عُرض عليَّ مشروع مدربة لطلاب حساب ذهني عن طريق الأصابع، فتم اختياري بين ثماني معلمات؛ لأنني كنت من الأوائل بعملي بفضل الله تمكنت من إنجاز المهمة خلال عشرة أيام، وأصبحت مدربة لمدينة سراقب وريفها، وخرَّجت دفعتين من الطلاب كانوا من الأوائل تمكنوا من التفوق في مسابقة الآلة الحاسبة في العمليات الحسابية. ” بحسب ما سردته لنا إسلام.”
وتختم إٍسلام بقولها: “أنا الآن أشعر بالفخر في نفسي، فقد اجتزت كل الصعوبات، وأثبت وجودي بأي عمل قمت به، وأتمنى من كل فتاة تعرضت لمواقف صعبة مثلي أن تنهض ولا تستسلم لمصائب الدهر وتثبت وجودها بنفسها لتحقق ذاتها متخطية الصعاب، فالحياة مستمرة ملؤها تفاؤل وأمل.”