هل سورية ساحة تدريب مثالية للقوات الروسية؟

ضرار الخضر

0 1٬437

“قمنا باختبار أكثر من 320 نوعاً من مختلف الأسلحة في سورية، بما فيها مروحياتكم”، هكذا قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال لقاء مع كوادر شركة “روست فيرتول” لصناعة المروحيات في تموز/ يوليو سنة 2021، كما نقلت عنه وكالة “نوفوستي” الروسية.

وعاد الوزير ليؤكد في آب/أغسطس من نفس السنة لوكالة تاس الروسية أن غالبية الأنظمة الروسية الحديثة جرى استخدامها في سورية.

لقد عكفت روسيا على الادعاء بأن أنشطة قواتها في سورية هي أقرب الى التدريب منها الى القتال الفعلي، وأن الميزانية المخصصة لهذه القوات لا تزيد بحال من الأحوال عن الميزانية المخصصة للتدريب. كما تدعي بأن عملياتها في سورية شكلت فرصة ذهبية لتدريب ضباطها وجنودها في أجواء معركة حقيقية لا يمكن أن تتوفر في التدريب مهما كانت درجة احترافيّته، وأن هذا النشاط أبرزَ فاعليَّةَ أسلحتها الحديثة التي جُرِّبَت في ميدان معركة من دبابات وطائرات متطورة، مما زاد من مبيعاتها في سوق السلاح العالمي.

هذا الجنوح نحو تصنيف سورية كساحة تدريب مثالية، حدا بالقيادة الروسية إلى إرسال معظم الضباط الروس الى سورية للاستفادة من هذه التجربة الفريدة، إذ إن الحرب تجربة إنسانية بالمقام الأول والتجارب الإنسانية لا يمكن خوضها إلا عند الفرص السانحة.

لكن هل هذه الادعاءات صحيحة؟

لقد رأينا بأعيننا كيف أن الأكثر تخلُّفاً دمِّر الأكثر تطوراً؛ فمن أبرز الأسلحة التي استخدمها الثوار كان سلاح التاو؛ وهو صاروخ مضاد للدروع، قدمت الولايات المتحدة أعداداً منه لبعض الفصائل السورية، ومعظمها من الجيل الأول، وهو الجيل الأشد تخلفاً بالنسبة لهذه الصواريخ الموجهة، إذ وصلت هذه الصواريخ الى الجيل الرابع في تطورها. ولم تصمد أي آلية روسية في وجه هذه الصواريخ، التي تمكنت من الفتك بجميع الآليات الروسية على مختلف أنواعها وأجيالها، ولم تنجُ الدبابة تي 90 وهي أحدث ما في الترسانة الروسية من الدبابات من تفوق التاو، فقد دمَّر الثوار السوريون العديد من الدبابات من هذا الطراز بصواريخ التاو من الجيل الأول.

مقاتل من فصائل المعارضة السورية يستخدم مضاد التاو من الجيل الأول

ولم يقتصر فتك التاو على الآليات الروسية بل تعدَّاه الى الطائرات المروحية، التي دمَّر الثوار العديد منها باستخدام التاو مستفيدين من بطئها وطيرانها على مستويات منخفضة.

وتبجَّحت روسيا كثيراً بطائراتها التي عملت في ميدان معركة ينعدم فيه الدفاع الجوي تقريباً، وأطلقت العنان لطائرة سوخوي 25 التي أسمتها “الدبابة الطائرة” التي ادعت أنَّها عصيَّة على الدفاعات الجوية، لكن الثوار السوريين أسقطوها بصاروخ دفاع جوي متخلف للغاية باعتراف الروس، الذين خمَّنوا بأن الصاروخ إما يعود للحقبة السوفياتية، أو أنه من الطراز الغربي، لكنهم جزموا بأنه قديم الطراز.

وبالتالي فقد أسقط الصاروخ القديم الطائرة الأحدث، ليحوِّل الادعاءات الروسية الى فضيحة مدوية، وغيَّر هذا الصاروخ الوحيد مسار الحملة آنذاك وأجبر القوات التابعة لروسيا بالالتزام بخط “شرق السكة” الذي توافقت معه فيما يبدو مع تركيا.

صحيفة أمريكية: مدن سورية تعرضت لقصف وحشي روسي تحت أنظار العالم

ورغم أن العديد من الدول تتهافت لشراء منظومات الدفاع الجوي الروسية، وتضنُّ هذه الأخيرة بهذه المنظومات على تلك الدول وتغالي في أسعارها، وتدعي أن امتلاكها يغيِّر موازين القوى، إلا أن هذه المنظومات لاقت من الهوان الشيء الكثير في الساحة السورية التي ينعدم فيها الطيران المعادي للروس تقريباً. وحدث هذا بالطائرات المُسيَّرة التي ضربت قاعدة حميميم مراراً وتكراراً، ودمَّرت طائرات روسية جاثمة في القاعدة المزوَّدة بنظام إس 400 الروسي للدفاع الجوي، الذي تدعي روسيا بأنه الأكفأ في العالم، وتبيَّن أن هذه الطائرات مصنوعة من الخشب ومحركات بسيطة وتحمل قذائف صغيرة وخفيفة مصنعة من البلاستيك، وبالتالي فقد تفوق الخشب على الفولاذ والبلاستيك على الحديد.

ورأى العالم كله كيف وقف الدفاع الجوي الروسي عاجزاً أمام طائرات البيرقدار التركية التي فتكت أيضاً بمنظومات بانتيسر المخصصة للتصدي للطائرات المُسيَّرَة في حملة درع الربيع في شهر آذار من سنة 2020، دون أن تتمكن هذه المنظومات من إسقاط طائرة بيرقدار واحدة، وهكذا تفوَّقت أول طائرة مُسيَّرة تركية على آخر وأحدث منظومة دفاع جوي روسية، وجعلت منها أشبه بالأهداف الهيكلية.

ويبقى الغباء هو السمة الأبرز للسلاح الروسي، ففي حين تتجه معظم دول العالم إلى تصنيع الأسلحة الذكية والدقيقة وزيادة هذه الدقة، تبيَّن من التجربة الروسية في سورية أنها تابعت النهج القديم من صناعة واستخدام الأسلحة الغبية وغير الدقيقة، والتي تعتمد على القوة التدميرية والزخم الناري بدلاً عن دقة التوجيه. تبدَّى هذا جلياً في عجز الطيران الروسي عن ضرب الخطوط الأولى للثوار، إذ لا يمكن للقنابل الروسية تمييز الصديق من العدو ولا يمكن حصر تأثيرها في خطوط الرباط المتداخلة، وبالتالي باتت الخطوط الأولى هي آمَن المواقع من الطيران الروسي وخصوصاً في المدن.

كما ظهر غباء السلاح الروسي في عجز الجيش الروسي عن تنفيذ أية عملية اغتيال بالطائرات، على عكس الطيران الأمريكي الذي اعتمد في تدخله في سورية على أعمال الاغتيالات بالطيران وعلى الضربات الدقيقة، لدرجة استهداف شخص مُعيَّن في سيارة مُعيَّنَة، أما الطيران الروسي فاعتمد على تدمير أحياء بأكملها عند الاشتباه بوجود هدف في المنطقة.

كما تعرَّضت القوات الروسية للإهانات المتوالية فقد تعرَّض الجيش الروسي للعديد من الإهانات الصريحة دون أن يجرؤ على الرد، ومن هذه الإهانات المجزرة التي نفَّذتها القوات الأمريكية بالقوات الروسية عندما حاولت عبور نهر الفرات الى الضفة الشرقية منه ولم تجرؤ على الرد، وادعت أن القتلى لا يتبعون لها، بل إنهم من شركة فاغنر للمرتزقة. وحتى لو كان هذا صحيحاً فهم يبقون مواطنين روس وتخلِّي روسيا عنهم بهذه الطريقة يُعتَبَر تقبُّلاً للإهانة.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

وتكرر الأمر في معركة فك الحصار عن حلب حين زجَّت روسيا بكامل قواتها الجوية في معركة فرض الحصار على حلب، وتمكَّنت بإسناد كثيف من القوات الإيرانية على الأرض وبعد عدة شهور من إتمام تطويق حلب. لكن قوى الثورة السورية تمكنت خلال معركة استمرت لعشرة أيام من كسر واختراق الطوق في أقوى نقاطه، وبالتالي مرَّغت التخطيط العسكري والقوة الجوية الروسية بالتراب.

أما في معارك كبينة فقد حاولت القوات الروسية وحلفاؤها بكل ما أوتوا من قوة طوال شهور الاستيلاء على تلال كبينة، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً رغم انعدام الدفاع الجوي أو المدفعية الثقيلة في تلك المنطقة تماماً.

وفي الوقت الذي كانت روسيا تدعي فيه أن سورية ساحة لتدريب قواتها وتجرب أسلحتها المتطورة، كانت القوات الروسية وأسلحتها في الحقيقة ساحة تدريب للقوات الإسرائيلية، التي دمَّرَت كل الأسلحة الروسية التي كانت بحوزة النظام، مما ارتأت أنه يمكن أن يمثِّل تهديداً عليها في يوم من الأيام.

ولم يردع التواجد العسكري الروسي أنشطة الطيران الإسرائيلي، بل إنه اعتبره فرصة للتدريب، وكلنا يذكر كيف اتخذت طائرة إسرائيلية من طائرة روسية درعاً فأسقطها صاروخ دفاع جوي لقوات النظام وقتل طاقمها المكوَّن من 15 فرداً. تُظهِر هذه الحادثة مقدار استهانة إسرائيل بالقوات الروسية وميليشيات النظام التابعة، كما يُظهِر رد الفعل الروسي الذي “احتفظ بحق الرد”، مقدار عجز روسيا عن الرد على إسرائيل عسكرياً أو سياسياً.
والحقيقة أن مجرد سماح دولة لدولة أخرى بضرب حلفائها كما تشاء مع وجود قواتها على أراضي هذه الدولة، يُعتبَرُ إهانة كبيرة.

كما أهانت القوة الروسية نفسها مراراً عندما ضربت أهدافاً هيكلية، وأخرى لا قيمة عسكرية لها بأحدث الصواريخ الباليستية التي تكلف ملايين الدولارات.

ولا يغيب عن أذهاننا كيف عملت القوات الروسية كقوة رديفة للقوات الإيرانية فقد كانت المشاركة البرية للقوات الروسية في المعارك محدودة على الدوام، واعتمدت في أغلبها على جنرالات يراقبون سير العمليات.

أما على الأرض فكان الاعتماد الأكبر على الميليشيات الإيرانية، وبالتالي فقد عملت القوات الروسية وطيرانها وفقاً للعقيدة العسكرية الإيرانية التي تعتمد على الزج بالموجات البشرية المتتالية أمام دفاعات العدو بغية كشف مصادر نيرانه ثم إسكاتها، مرة بعد مرة وصولاً لإنهاء المقاومة تماماً، دون مبالاة بالخسائر البشرية. وبالطبع تُعتَبَر هذه الطريقة في القتال مُتخلِّفَة وتعود الى الحرب العالمية الأولى.

وظهر عجز القوات الروسية على الأرض في مواطن عديدة، ففي الحملة الأخيرة مثلاً لم تتمكن القوات الروسية من تحقيق تقدم ملحوظ على الأرض عندما كانت وحدها في المعركة طوال ثلاثة شهور، لكن الموقف بدأ بالتغيُّر بعد أن زجت إيران بقواتها في المعركة من جبهة حلب.

مرتزقة إيران في شرق حلب تحت الغطاء الجوي الروسي

أدى فشل الاستراتيجية العسكرية الروسية وعجزها الى:

الاعتماد على ميليشيا فاغنر، وبالتالي فجزء مهم من العمليات البرية انتقل إلى شركة مرتزقة مما يعني أن القوات الروسية لن تتعلم شيئاً ولن تكتسب أي خبرة قتالية حقيقية. ولا يخفى على أحد السلبيات التي تجنيها أي دولة من استئجار شركات المرتزقة للقتال بدلاً من جيشها، فمن أسسِ شرعيةِ أيةِ دولة احتكار العنف والسلاح، واعتماد المرتزقة لخوض الحروب يعرِّض شرعية الدول للتآكل.

استهداف المدنيين كعمل عسكري منهجي، فقد انصبَّ معظم مجهود الطيران الروسي على قصف المدنيين، بغية تشكيل ضغط على قوى الثورة وكسر إرادتها، بل إن قتال قوى الثورة العسكرية لم يكن أولوية لدى الروس بقدر التجمعات المدنية الضعيفة، وعلى رأسها المشافي والمدارس والأفران. فما هي الدروس التي سيتعلمها أي جيش من قتل المدنيين وقصف المشافي؟

 استخدام السلاح الكيميائي: استخدم النظام المجرم السلاح الكيميائي مراراً وتكراراً، ضد قوى الثورة العسكرية، وضد المدنيين، وما كان هذا ليتم لولا توجيه الروس وضماناتهم. يدل استخدام السلاح الكيميائي على فشل كافة الترتيبات العسكرية، وإلى اضطراراهم لاستخدامه رغم أن ذلك سيخلف أضراراً سياسية دولياً. ولئن سمحت الظروف الدولية المتمالئة على الثورة السورية باستخدام هذا السلاح في سورية فهل ستسمح ساحة أخرى باستخدامه؟

وفي هذا السياق يأتي الضغط على داعمي الثورة، فلم تدخر روسيا جهداً للضغط على الدول “الداعمة” للثورة السورية، بغية تسكين الجبهات والاستفراد بها جبهة تلو الأخرى، ثم عرض هذا الاستفرادات على أنها انتصارات عظمى. وعلى رأس هذه الدول تركيا، التي ساهمت من خلال مسار أستانة بتمكين الروس من القضاء على بؤر الثورة واحدة تلو الأخرى، حيث يهاجم الروس إحدى الجبهات لتقف بقية المناطق والفصائل موقف المتفرج، التزاما ً بإملاءات “الداعمين”.

وعطفاً على ما سبق يأتي الاعتماد على الحرب النفسية والدعاية والمعاهدات الكاذبة والمصالحات، فقد سقطت الكثير من المناطق بسبب الحرب النفسية التي تستغل الخوف من ملاقاة مصير المناطق التي قُصِفَت بشدة، أو حوصِرَت حتى مات بعض ساكنيها جوعاً، وفي نفس الوقت تقدِّم الوعود بالمصالحات لتكون جسراً لتسليم المناطق ونزع السلاح والتهجير، دون أن تضطر روسيا لخوض المعارك.

وفيما يلي الآثار السلبية على القوات الروسية:

ومنها تعلُّم عادات عسكرية سيئة: مثل اعتياد الطيارين على العمل في بيئة ينعدم فيها الدفاع الجوي تقريباً، واعتماد الجنرالات على الزج بالقوات البرية دون المبالات بالخسائر البشرية، والعمل في بيئة ينعدم فيها الطيران المعادي، وخوض معارك مُحتواة من حيث النتيجة التي تكفلها الدول الداعمة من خلال التحكم بتدفق السلاح والذخيرة والمال، والتركيز على قصف البيئة المدنية لتحقيق غايات عسكرية، وغيرها كثير.

كما تكتسب روسيا وهم التفوق، حيث تحاول الدعاية الروسية التسويق لعملها في سورية على أنه سلسلة من الانتصارات المتلاحقة، وكأنها هزمت دولاً عظمى، لا شك وأن هذا الوهم سيترسخ لاإرادياً في أوساط القيادة الروسية، لكنها ستستفيق عند أول تحدٍّ جدي.

ونحن نعرف من التاريخ أن الطرف المهزوم أكثر قابلية لاستيعاب دروس الحرب، وأن الطرف المنتصر أكثر قابلية للانخداع والاستكانة لانتصاراته، مثلما جرى مع فرنسا التي خرجت منتصرة على ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، فقررت دخول الحرب العالمية الثانية بشعار “سننتصر لأننا الأقوى”، لكنها سرعان ما سقطت صريعة على يد الجيش الألماني الذي كان قد تعرَّضَ لهزيمة مُرَّة في الحرب العالمية الأولى.

ومن هذا أيضاً تغيير العقيدة القتالية: من المفترض أن تقوم العقيدة القتالية الروسية على التصدي للناتو، ومواجهة أسلحته المتطورة وعتاده الكثيف وجيوشه العريقة. لكن تجربة سورية سترجع بهذه العقيدة الى حرب العصابات ضد قوات متناثرة وأحياناً متناحرة ضعيفة التسليح.

ويترتَّب على هذا تحوُّل القتال الى قتل: فلا مكان للأخلاق في الجيش الروسي ولا تفريق بين مقاتل وغير مقاتل ولا عصمة لدماء الأطفال والنساء، وبالتالي ستغذِّي هذه التجربة المجتمع الروسي بسيل من المجرمين ممن تلوثت أيديهم بالدماء ودمروا المشافي على رؤوس الجرحى والأطباء.

وأحبُّ أن أذكر هنا رأي عدد من الجنرالات حول تجارب مشابهة:

-يقول الفريق أول سعد الدين الشاذلي (رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية إبان حرب أكتوبر سنة 1973 والمخطط الأول لها) حول تأثير تجربة الجيش المصري في اليمن على نتيجة حرب حزيران سنة 1967، في برنامج شاهد على العصر: أدت حرب اليمن الى تعليم الضباط والجنود المصريين عادات سيئة، مثل اعتياد الطيارين الانقضاض على الأهداف لمسافات قريبة جداً، لمعرفتهم بانعدام الدفاع الجوي لأعدائهم، كما اختلت عملية القيادة والسيطرة في الجيش نتيجة انتشار الجنود المصريين في اليمن واحتكاكهم بسكانه، وأدى هذا الى نتائج سيئة انعكست سلباً على أداء الجيش في حرب تموز سنة 1967.

ويقول الفريق نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي إبان الحرب مع إيران، مُعلِّقاً على أداء الجيش العراقي على الجبهة السورية عام 1973، الذي كان متميِّزاً للغاية باعتراف الجيش الإسرائيلي وأوقف زحفه الى دمشق: “لم يكن أداء القوات العراقية في هذه الحرب على الرغم من الفترة القصيرة التي اشتركت فيها بالمستوى الذي يجب أن تكون عليه، لعامل رئيس شغل قواتنا المسلحة عن تفرغها لواجبها الوطني في الدفاع عن الوطن تجاه الاعتداء الخارجي، وواجبها القومي في المشاركة الفاعلة في معركة الأمة ضد العدو الإسرائيلي، وهذا العامل هو التمرّد والحركة المسلحة الكردية، وانشغال 80 في المئة من قواتنا بقتالها المتمرِّدين الأكراد منذ عام 1961.

كثيرون لا يعرفون أن انشغال قوات أي بلد بهذا النوع من الحروب الداخلية وحروب العصابات يعني ابتعاد القوات المسلحة عن تدريباتها العلمية والعملية على الحرب والمعارك النظامية والأسلحة المستخدمة فيها، من الدبابة حتى المدفع ووسائل القتال الأخرى، لتكتفي بإعادة تأهيل الآمرين والضباط والمراتب على أن يكونوا على كفاية تؤهلهم لقتال المتمرِّدين، وذلك يمكِّن من أن تقاتلهم بأسلوبهم، وأن تكون أقرب إلى المتمرِّد في الجبال والأودية من مقاتل في جيش نظامي يجيد وسائل الحرب الحديثة وأدواتها، وحقيقة أخرى أن إعادة تأهيل جيش كهذا تتطلب عددًا من السنين لأفراده وقادته الصغار، وسنين أكثر لقادته وكوادره المتقدمين لاكتساب العلم والمعرفة بالحرب الحديثة وإدارتها، لذلك حرص أعداء العراق والأمة من دول إقليمية ودولية وإسرائيل على إشغال العراق وجيشه بالتمرّد الكردي”

وأخيراً أقول إن الحقيقة هي أن جلُّ ما تقدِّمه التجربة في سورية للجيش الروسي من خبرة، هو إعطائه فكرة عن تاريخ الحرب وليس عن الحرب نفسها. أما “الانتصارات” الروسية الوهمية فلن تكون إلا وبالاً على هذا الجيش، الذي استفاد من هالته التي عززها الإعلام المنفلت في جانب الثورة السورية، ومن تشرذم قوى الثورة واستفراده بها. كما لم يعمل الجيش الروسي منفرداً بل كقوة رديفة للقوات الإيرانية وميليشياتها. وتعرَّض السلاح الروسي لإهانات متتالية لدرجة أنه لم يعلن عن استخدامه طائرة سوخوي 57 في سورية مثلاً إلا بعد أن أعادها إلى روسيا خوفاً عليها من أن تُستهدَف وهي رابضة على أرض مطار حميميم، وكذا الأمر مع أحدث الدبابات الروسية “أرماتا” التي لم يُعلَن عن استخدامها في سورية إلا بعد سحبها، خوفاً من تدميرها أو اغتنامها.

دبابة روسية معطوبة قرب ماريوبول في أوكرانيا وقد فر الجنود منها

وحقيقة التجربة والسلاح الروسي هي أنه أثبت قوته وفاعليته على أجساد السوريين وأشلاء أطفالهم ونسائهم، وكشف أخلاقيات الجيش الروسي الذي يعطي أولوية القصف للمشافي ويستخدم الإحداثيات التي تقدمها له الأمم المتحدة لتدمير هذه المشافي بدلاً من تجنب قصفها، ولا يتورع عن استخدام الأسلحة المحرمة دولياً من الفوسفور والسلاح الكيميائي. لكن سرعان ما تتمرغ عنجهية هذا الجيش بالتراب عندما تواجهه قوة تتحلى بإرادة القتال وبالحد الأدنى من السلاح وإن كان متخلفاً.

هذا ما نراه اليوم بأعيننا، حين سارع الغرب لإمداد أوكرانيا بصواريخ جافلين وستينغر، التي حظرها تماماً عن الثورة السورية، تاركاً غربان الموت ترمي البراميل كيف تشاء، فسحقت هذه الصواريخ الدبابات والطائرات الروسية، وبات الطيارون الروس الذين تدربوا على المشافي والمدارس أسرى أذلاء بيد الأوكرانيين، أو أشلاء ممزقة تذروهم الرياح.

لم يكن تدرب الروس في سورية سوى عربدة السجان على السجين المقيد، لكن هذا السجان سرعان ما تمرّغ أنفه بالتراب حين خرج من السجن ليمارس جنونه على الناس في الشارع.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط