يوم يفر المرء من أمه وأبيه.. و(سلة إغاثة صحية)

شمس الدين مطعون

0 386

 

احتشد جمع غفير من الناس على باب المجلس المحلي في إحدى البلدات في الشمال المحرر، كانوا يتزاحمون في صف أعوج، يختلط فيه الحابل بالنابل.

ضمَّ الجمع خليطًا من النساء و الرجال والأطفال والشيوخ، فارتفعت الأصوات، وانهال البعض بالسباب، وكانت الكميرات تصوّب نحو المحتشدين من كل الاتجاهات، والحدث سيستلم الحاضرون سلة إغاثية مقدَّمة من قبل المنظمة “س” وكان مديرها حاضرًا.

قيل: إن السلة تحتوي على محارم معطرة عدد 2، وحفوضات أطفال، وفراشي أسنان، ومعجون حلاقة، وفوط نسائية، وحبل غسيل، وسائل جلي، ومعقم أيدي عدد 4، وبعض المستلزمات الأخرى الخاصة بالتنظيف.

اقرأ أيضاً: فصائل الجيش الوطني تتفق على وثيقة شرف لردم الخلافات

لن تكون قصتنا اليوم عن إنجازات المنظمات، إذ ربما نفرد لها فصولاً كاملة فيما بعد؛ لأنها فعلًا كما العنوان عن ابن فرَّ من أمه وأبيه؛ نعم فرَّ من عائلته التي كانت تقف مع المحتشدين في طابور توزيع السلة الإغاثية، وإليكم القصة.

وصلت إحدى النساء إلى مكتب مدير الإغاثة في المجلس المحلي الذي نتكلم عنه، كانت متعبة جدًا وصرخت غاضبة: ” لم أجد اسمي ضمن القائمة، وموظف المنظمة رفض تسليمي سلة، ما السبب؟!”

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

احمرّ وجه المدير خجلاً، ويبدو أنه ردّد في سرِّه: “لا بد أن السيدة بأمس الحاجة، فهي لن تأتي إلى هنا عبثًا.”

وبدأ البحث ضمن السجلات والأوراق التي بين يديه، ما اسمك يا أمي؟ فلانة زوجة فلان، وهنا بدا اسم فلان الذي ادعت السيدة أنه زوجها مصطنعًا لم يسبق المدير أن سمع به من قبل، فسألها: أين تسكنين يا أختي؟

أجابت السيدة بكلام غير واضح؛ كانت تلوح بيدها يمنة ويسرة، وتقول بحدة: “لو سمحت سجل اسمي أولادي بالبيت وحدهم”.

لم يدرِ المدير ماذا يصنع، فاعتذر من السيدة، وطلب منها الانتظار قليلاً، ثم أرسل أحد الموظفين ليستوضح الأمر على عجل.

ومن بين طابور الحشد الذي كان يموج كالبحر الهائج؛ وصل شاب بالعشرين من عمره إلى طاولة المدير، وقدَّم بطاقته الشخصية ليأخذ بطاقة تخوله استلام السلة، نظر المدير في البطاقة ثم دقق مرة أخرى، وقال متعجبًا: مو معقول!

ثم أعاد النظر مُحدِّثًا نفسه عن اسم المرأة التي حاورته آنفًا فوجده نفسه، وسأل الشاب: هل تعرف المرأة الجالسة هناك؟ وهنا أخذ المدير بيد الشاب وتوجه إلى المرأة قائلاً: انظر جيدًا بوجهها، فردَّ الشاب بحزم: لا، وهنا أيضًا أصرَّت السيدة أنها لم ترَ هذا الوجه من قبل.

حصل الشاب على كرت يسمح له بالحصول على سلة إغاثية، كما حصل على كرت إضافي مُبررًا أنه لأمه المريضة التي تنتظره في البيت، ومضى مسرعًا.

هنا عاد موظف الإغاثة إلى مدير المجلس وقال له: يا حضرة المدير المرأة زوجها فلان وليس فلانًا، وهو مسجل عندنا ويقف ضمن الطابور، وهنا سأل مدير المجلس موظف الإغاثة وهو يحوقل: وماذا عن الشاب؟ فأجابه بأنه ابنها! فالتفت المدير نحو السيدة التي كانت تغادر مسرعة ويتبعها زوجها الذي كان قد ترك الطابور بعد أن باءت الخطة التي رسمها بالفشل، واستطاع الشاب الحذق الذي تربى على أيدي الأم والأب الكريمين الحصول على سلة مضاعفة.

كان هذا المشهد من مشاهد قيامة الإغاثة والنفخ بالبوق؛ حيث فرَّ الشاب من أمه وأبيه من أجل سلة إغاثية! وهكذا روى لي مدير المجلس القصة كما حدثت، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط