خضوع العادات للذوق المجتمعي العام (قضية اللباس نموذجا)

د. محمد نور حمدان

1٬082

كثير من العادات الاجتماعية والتقاليد تتغير بسبب تغير الظروف الزمانية والمكانية وعندما نتحدث عن العادات الاجتماعية نقصد بها تلك التي شاعت بين الناس واعتادوا عليها وسكتت عنها الشريعة الإسلامية سواء في القبول والرفض لذلك يوجد عندنا جملة كبيرة من العادات والتقاليد التي لم تتدخل الشريعة الإسلامية بها قبولا أو رفضا وانما تركت تبعا للذوق والرأي المجتمعي العام في القبول والرفض منها عادات اللباس والطعام والمظهر الخارجي للإنسان والحياة اليومية.

وقد اكتفت الشريعة الإسلامية بوضع ضوابط عامة لها حتى لا تتحول هذه العادات إلى أمور مخلة بالآداب والحياء ولذلك هذه العادات يحكمها الذوق العام المجتمعي الذي يتكون في المجتمع عبر عشرات السنوات وهو يتشكل من خلال اعتياد الناس على شكل أو عادة ما دون أن يكون هناك سبب مبرر لذلك الاعتياد ومنه سميت العادة عادة وهذا الذوق العام المجتمعي هو الذي يحكمه بالقبول أو الرفض وبالمناسبة كثير من هذه العادات لا تخضع لمعايير القياس والقواعد العامة لذلك ما تراه مقبولا في مجتمع من المجتمعات سترى نفس الفعل مرفوضا في مجتمع آخر وما تراه جميلا في مجتمع من المجتمعات قد يراه مجتمع آخر قبيحا.

اقرأ ايضاً: بـ25 ألف ليرة..تكريم لأبناء العمال المتفوقين في السويداء

وسأضرب لذلك بعض الأمثلة لباس الناس يحكمها الذوق العام فاللباس ولون اللباس بالنسبة للنساء والرجال يخضع للذوق العام المجتمعي فما تراه مقبولا في مجتمع كلون السواد ستراه مرفوضا في مجتمع آخر لا يلبس السواد طبعا مع مراعاة الضوابط العامة للشريعة فهذه الضوابط لا تختلف وكذلك بعض العادات مثلا إمساك المسبحة باليد كعادة ستكون مقبولة في مجتمع ومرفوضة في مجتمع آخر وكذلك وضع السماعات على الاذن في الشوارع وكثير من العادات لو نظرنا إليها وقارنا فيها بين مجتمع وآخر سنجدها تخضع لموضوع الذوق المجتمعي العام الذي يختلف من مكان لآخر بل من مدينة لأخرى وكذلك هذا الذوق العام يخضع لتغييرات الزمان فما هو مقبول في زمن الأزمان سيكون مرفوضا في زمن آخر لخضوعه لهذه التغييرات الذوقية وسأضرب مثال على ذلك الشعر الطويل للرجال بينما كان متعارفا عليه في زمن من الأزمان وكان عادة أهل التقوى أصبح مرفوضا في زمن آخر وأصبح عادة أهل الفساق.

وكنت قد خبرت ذلك في مدينتي حيث كانوا ينظرون إلى من يطيل شعره نظرة استنكار وكذلك وضع القبعة على الرأس فبينما كان علامة على المروءة والعدالة في زمن من الأزمان بل كان لا يؤخذ الحديث ممن هو حاسر الرأس ثم تغير الزمن ولم تعد تلك العادة منتشرة في المجتمعات بل أصبح من يضع القبعة على رأسه أمرا مستغربا وكذلك عادة الأكل في الشوارع بينما كانت مرفوضة في زمن الأزمان أصبحت مقبولة في نفس المجتمع بعد عشرات السنوات وهكذا كثير من العادات والتقاليد التي تخضع للاعتبارات الذوقية والمجتمعية العامة وهذا ما يفسر قلة النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المواضيع وإنما اكتفت الشريعة بوضع القواعد العامة من ناحية الآداب واللباس والمظهر الخارجي في باب الحظر والإباحة ثم أحالت جملة كبيرة من الأمور إلى الذوق المجتمعي العام فقد قال تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) فالعرف يحكم كثيرا من الأمور المجتمعية ويعيطها حكم القبول أو الرفض.

المشكلة اليوم عندما يقوم كثير من الدعاة والناس ببحث عن هذه الأمور التفصيلية وحكمها في الشريعة الإسلامية بالرغم أن الشريعة سكتت عن هذه الأمور وأحالت الحكم عليها للمجتمع من حيث القبول والرفض

لذلك يستحسن ألا نسأل عن هذه الأمور كثيرا في الشريعة وإحالتها للعرف العام في المجتمع والذوق العام وهذا الذوق يتغير تبعا لتغير المجتمعات والأزمنة والأمكنة وتسويق هذه الأذواق على أنها من الشريعة وحكمها ومن يخالفها فاعل للمنكر من الخطأ الكبير علما أنه لا بد من مراعاة الأذواق والأعراف العامة في المجتمعات فقد أمرتنا الشريعة الإسلامية بالالتزام بها ما تكن تلك الأذواق مخالفة للآداب العامة الخادشة للحياء والتي جاءت الشريعة بتنظيمها.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط