شام FM، السلطة والإعلام، ذراع النظام الناعمة

غسان الجمعة

شام FM في ذكرى انطلاقتها السادسة
18

لطالما شكّلت وسائل الإعلام في سوريا، خلال عقود حكم النظام، أداةً بيد السلطة لتوجيه الرأي العام وتزييف الحقائق، بدلاً من أن تكون منبراً حراً يعكس هموم الناس وينقل الحقيقة بموضوعية. منذ استيلاء حزب البعث على الحكم عام 1963، فرضت الدولة سيطرتها المطلقة على الصحافة، وأخضعتها لمنظومة أمنية مشددة، حوّلتها إلى بوق دعائي للنظام، تُروّج لسرديته وتُشرعن سياساته.

عانى الإعلام السوري من رقابة صارمة، حيث مُنعت أي أصوات معارضة أو مستقلة، وأُجبر الصحفيون على العمل ضمن هوامش ضيقة، وإلا واجهوا السجن أو التصفية. كما انتشر الفساد في المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة الموالية، إذ تحوّلت إلى شبكات تخدم المصالح الشخصية للمسؤولين، عبر التلاعب بالمعلومات، وتلميع صورة النظام، وقمع أي محاولات لتسليط الضوء على قضايا الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان.

بلغ الفساد ذروته مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث لعب الإعلام الرسمي دوراً رئيسياً في شيطنة المتظاهرين، ونشر الأخبار الزائفة، والتغطية على جرائم النظام. ومع تطور الصراع، ظهرت وسائل إعلام جديدة ممولة من جهات داخلية وخارجية حليفة للنظام، وواصلت النهج ذاته من التضليل والتبعية لأجندات النظام وداعميه، وضرورة إظهار النظام الحاكم بالمظهر بالشكل التعددي الذي يمكن أن يسمح برأي آخر!

في هذه المادة، نسلط الضوء على إحدى هذه الوسائل الإعلامية وهي شامFM، للحديث عن شبهات فسادها، وأدواتها في تزييف الحقائق، ودورها في ترسيخ الاستبداد، بدلاً من خدمة الحقيقة والمجتمع وذلك مقابل منافع شخصية وفئوية ضيقة وجد النظام السوري ضالته فيها.

التأسيس المدعوم من حاشية الأسد

تأسست إذاعة “شام FM” في عام 2007 على يد حارث عبد الرحمن يوسف ووضاح عبد الرحمن يوسف وسامر عبد الرحمن يوسف، الذين تملّكوا 50% من أسهم الشركة، في حين امتلكت مجموعة “راماك الإنسانية” التي يملكها رامي مخلوف، ابن خالة بشار الأسد، النصف الآخر (50%). وقد انطلقت الإذاعة رسمياً في 7 يوليو 2007 بعد فترة تجريبية، وذلك وفقاً لقانون تنظيم البث الإذاعي رقم 68 لعام 1951 وتعديلاته، التي كانت قد حُددت في المرسوم رقم 10 لعام 2002، الذي سمح للنظام السوري آنذاك بالبث الإذاعي لأغراض الترفيه والموسيقى والإعلانات التجارية فقط.

الانخراط في دعاية الحرب إلى جانب النظام السوري

استمرت إذاعة “شام FM” في تقديم محتوى ترفيهي وإعلاني حتى بداية الثورة السورية في عام 2011، حيث بدأت مع مرور الوقت في تناول القضايا السياسية وفقاً للأجندة التي رسمها النظام السوري. من خلال استضافة بعض المحللين والسياسيين الموالين للنظام، سعت الإذاعة إلى تسويق رواية النظام المتعلقة بـ “الحرب الكونية ضد سوريا” والنزاع على الثروات الطبيعية مثل الغاز، وهو ما كان يهدف إلى تفسير الأحداث الراهنة بطرق تتماشى مع مصالح السلطة. على الرغم من تميز هذه الطروحات عن الخطاب الإعلامي الرسمي، إلا أنها كانت تتسم غالباً بتقديم “الكذبة المقنعة” بأساليب أفضل لتبدو منطقية، رغم بعدها عن الواقع.

ومع تطور الأوضاع، تحولت الإذاعة من مجرد تبرير لسياسات النظام إلى الدفاع الفعلي عن روايته ضد الشعب السوري، وتبني فكرة “محاربة الإرهاب”. بين عامي 2013 و2020، وعند تغطية العمليات العسكرية للنظام، استخدمت الإذاعة مصطلحات مثل “قتل المسلحين” و”استهداف الإرهابيين”، بينما كانت تقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية توثق سقوط العشرات من الضحايا المدنيين خلال الهجمات العسكرية، خصوصاً في مناطق خفض التصعيد.

أضف إلى إطلاقها حملة (في أمل) في العام 2014 في الذكرى السابعة لتأسيسها بالتعاون مع سيرياتيل و وزارة الثقافة لدعم ما أسمتهم ذوي الشهداء من الإعلاميين تقديرا لتضحياتهم في سبيل عزة الوطن ونقل الحقيقة في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق.

على الرغم من هذا الواقع الميداني المؤلم، كانت الإذاعة تواصل تجاهل هذه الانتهاكات وتغض الطرف عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين. بل واصلت في ترويج سردية النظام، بما في ذلك مهاجمة المؤسسات الإنسانية مثل الدفاع المدني السوري، متبنيه بشكل كامل التوجه الإعلامي الرسمي للنظام في سبيل خدمة مصالحه.

شام FM
شام FM

 

شام FM
شام FM

 

 

 

 

 

صراع المال والسياسة على السيادة

في عام 2016، تصاعد الصراع بين رامي مخلوف وأسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، حول الامتيازات الاقتصادية وغيرها في سورية في محاولة كل من الطرفين توسيع نفوذه على المستوى السياسي و الاقتصادي والاجتماعي.

وتفاقم الصراع عندما دفع رامي مخلوف بحصته في إذاعة “شام” إلى إدارة شركة “سيرياتيل”، نظراً لما كانت تتمتع به الشركة من دقة في المحاسبة وإدارة المصالح التجارية، في خطوة تهدف إلى محاولة السيطرة على إدارة إذاعة شام ولكن في بداية عام 2017، تدخلت أسماء الأخرس، من خلال رجل أعمالها يسار ابراهيم لصالح سامر يوسف في نزاع حول احتكار الفساد الإعلامي، مما دفع لاحقاً بشار الأسد للتدخل شخصياً لحل القضية، كما ذكر سامر يوسف في إحدى مقابلاته، دون أن يكشف عن تفاصيل الحل الذي تم التوصل إليه.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا

وقد حصلت صحيفة “حبر” مؤخراً على نسخة من وثائق نقل ملكية حصة رامي مخلوف في إذاعة “شام FM”، التي تمثل 50% من أسهم الإذاعة، إلى شركتين هما “رؤيا بلا حدود” و”الرؤيا المتكاملة”، المشتبه في ملكيتهما لرجل الأعمال يسار إبراهيم، الذي يُعتبر الواجهة الاقتصادية الجديدة لعائلة الأسد بعد قرار النظام السوري بتحجيم رامي مخلوف اقتصادياً وتقليص نفوذه المالي. وفي عام 2019، تعرض مخلوف لخسارة كبيرة بعدما تم سلبه شركة “سيرياتيل” وحجز أمواله، ما اضطره إلى الانتقال للبث عبر فيسبوك بعد أن كان يمتلك العديد من وسائل الإعلام.

نقل ملكية ترخيص شام FM
نقل ملكية ترخيص شام FM

بعد هذه الصفقة، بدأ سامر يوسف بالتحالف مع يسار إبراهيم، الواجهة الاقتصادية لأسماء الأخرس، واتبع سياسة أكثر دعماً لميليشيات الأسد، عبر مشروع “لأهلي“، الذي قدم من خلاله منحاً مالية ومساعدات عينية بتنسيق مع يسار إبراهيم، بالإضافة إلى مؤسسات داعمة للنظام السوري ترعاها أسماء الأخرس، تحت غطاء إنساني. هذا التحول في السياسة جاء في وقت أصبح فيه الدعم الإعلامي وحده غير كافٍ لدعم النظام، ليتم التركيز على الدعم المادي والإنساني لميليشيات الأسد في سياق الصراع المستمر.

فساد وثراء مشبوه

لم يتوانَ سامر يوسف في العديد من تصريحاته عن التعبير عن شكواه من الصعوبات المالية والتمويلية التي كانت تواجه إذاعة “شام FM”، التي يشارك في إدارتها وملكيتها مع يسار إبراهيم. لكن على الرغم من هذه الشكاوى، تحول سامر يوسف بعد هذه الشراكة إلى أحد الشخصيات البارزة فيما يعرف بتجار الحرب، حيث أصبح يمتلك العديد من العقارات والشركات في مجالات متنوعة، بما في ذلك الطاقة البديلة والعقارات في دمشق والساحل السوري، دون أن يكشف عن مصادر دخله الحقيقية.

علاوة على ذلك، قام يوسف بتأجير منزله في حي المزة الدمشقي ليكون مقراً لإذاعة “شام” مقابل مبلغ 20 مليون ليرة سورية شهرياً، ما يعكس استغلاله للملكية الشخصية لتعزيز مصالحه المالية. كما قام بتسجيل مصاريف نقدية غير مدعمة بكشوفات دفع رسمية، مثل تكاليف وقود سيارته وبدلات تنقلاته وسفره، وهو ما يتناقض مع القوانين المرعية لترخيص الشركات.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وضع لنفسه راتباً شهرياً يفوق بأضعاف رواتب موظفي الإذاعة، في حين أكدت تسريبات حصلت عليها صحيفة “حبر” أنه كان يستفيد من مخصصات مالية ضخمة مقارنة بكوادر العمل في الإذاعة، وتلتزم صحيفة حبر بالحفاظ على سرية مصادرها والوثائق المرتبطة بفساد المدعو سامر يوسف، وهي على استعداد لتقديمها إلى الجهات القضائية عند الطلب.

أحجار الدومينو تتهاوى بعد سقوط الأسد

كما هو الحال مع العديد من وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري، توقفت إذاعة “شام FM” عن البث في الأيام الأولى لسيطرة قوات الثورة السورية على دمشق. ومع ذلك، أعادت العديد من هذه الوسائل الإعلامية نشاطها في وقت لاحق بفضل دعم إدارة العمليات التي حافظت على معداتها ومكاتبها، وضمنت استمرارية مواردها التشغيلية، بما في ذلك تلك التي كانت تستخدم في دعم العمليات الإعلامية لنظام بشار الأسد، مثل وكالة “سانا”.

اقرأ أيضاً: حلب تستحق الأفضل، والعمل هو عنوان المرحلة القادمة، صحيفة حبر تلتقي بالمهندس عزام غريب محافظ حلب.

في المقابل، ادعت بعض وسائل الإعلام أن الإدارة الجديدة قد أوقفت بث إذاعة شام بعد السيطرة عليها وطردت موظفيها، إلا أن وزارة الإعلام السورية نفت هذه الادعاءات لاحقاً، وأكدت بعض كوادر الإذاعة السابقين عبر حساباتهم الشخصية أن هذه الرواية غير صحيحة.

وقد كشفت مصادرنا عن أن سامر يوسف، مدير الإذاعة، لا يزال يدير كادر الإذاعة عبر أحد المجموعات على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قام بتحريض الفريق على تعطيل العمل بأي شكل وعدم التعاون مع أي شخص من جهة الإدارة السورية الجديدة،

صحيفة حبر تواصلت مع مسؤول الإذاعة الجديد الأستاذ أوس المصطفى وسألته عن خبر إيقاف البث وإنهاء عقود الموظفين ليؤكد لنا أنه لم يتم تسريح أي موظف إلا أن عدم الاستمرار بالبث يعود لأسباب لوجستية وفنية منها تكرار الأعطال في المولد الكهربائي الخاص بالإذاعة على رغم من إصلاحه عدة مرات وكذلك بعض المعدات التقنية.

كما أخبرنا الأستاذ أوس أنه لم يتم تسليم جميع حسابات الإذاعة على وسائل التواصل، ربما رغبة في تنظيفها مما يدين إدارتها قبل تسليمها، ولا يزال المسؤولون يماطلون في هذا. وقد نشر سامر يوسف على صفحته على فيس بوك مؤخراً أنه ذهب إلى لبنان للعلاج إثر أزمة صحية، فيما يقول بعض من يعرفه أنه غادر هارباً خوفاً من إدانته القانونية.

كما رصدت صحيفة حبر فقدان العديد من المواد الأرشيفية من حسابات الإذاعة على يوتيوب وفيسبوك والتي كانت تتضمن معلومات وأدلة تدين يوسف على وجه التحديد وبعض الإعلاميين في الإذاعة، إذ تحتوي على تصريحات وبرامج تثبت مشاركتهم في تحريض علني ضد المناطق المدنية، فضلاً عن دعمهم المباشر للنظام السوري وآلته العسكرية.

وتعد هذه الأفعال خرقاً لأسس الإعلام المستقل، الذي يجب أن يكون بعيداً عن أي تورط في النزاع المسلح، كما ينص عليه القانون الدولي الإنساني الذي يحظر “المشاركة الفعلية المباشرة” في النزاعات المسلحة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط