قنابل موقوتة ..أم مستقبل واعد؟! تالاهون …. تعالهون… قبل أن تأتي الكوارث!!

ميساء زيدان

56

مهما اختلف السوريون المعارضون لحكم الأسد على شكل الدولة وطبيعة الحكم ومصادر التشريع وهوية الجمهورية وانتسابها كليا إلى قومية واحدة من عدمه، مهما اختلفوا في كل تلك الأمور واحتد النقاش بينهم حد التهجم و التراشق بالاتهام، فإنهم جميعا يجمعهم شعور واحد: الفرح بسقوط نظام الأسد المجرم …بسقوط الأبد …فرح يكاد يكون حلما لا يصدق..!

هذا الفرح قاد الكثيرين إلى العودة سريعا إلى سوريا، ولكن أشكال العودة هذه اختلفت، فبينما عاد بعض حملة الجنسيات الأجنبية من السوريين بسرعة  كزائرين، عاد آخرون ممن لجؤوا إلى الخارج عودة نهائية، طوعا أو “تطويعا” …!!

 

هذه العودة بكل أشكالها تحمل معها إيجابيات كثيرة أبسطها جمع شمل الكثير من العائلات المشتتة، واستعادة بعض المهجرين قسريا لبيوتهم وممتلكاتهم، و إدخال القطع الأجنبي إلى البلاد…إلخ

إلا أنها لا تخلو كذلك من السلبيات التي قد ترقى إلى مستوى أخطار تهدد المجتمع السوري في الداخل الذي يعاني ما يعانيه من الإنهاك الاقتصادي والاجتماعي والأمني على حد سواء!.

 

لم تخف دول كثيرة رغبتها بتسريع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وتعالت الأصوات في الغرب وخاصة دول الاتحاد الأوروبي منادية بضرورة تسريع هذه الإجراءات من الساعات الأولى لسقوط النظام، وإن عادت بعضها للدعوة إلى التريث بقصد غربلة اللاجئين والإبقاء على “المفيدين” منهم للمجتمعات المستضيفة، غير أن معظم الأصوات بقيت مجمعة على ضرورة عودة “ترحيل” اللاجئين ذوي الجنح والسوابق ومرتكبي الجرائم سريعا إلى سوريا، وأمام هذه العودة يجد المجتمع السوري، الذي لم يكد يلتقط أنفاسه ويستعيد أمله بغد أجمل،  يجد نفسه أمام تهديد جديد قادم.

فالكثير من مرتكبي الجنح والجرائم هم من فئة المراهقين والشباب المحكومين أو الموقوفين في انتظار صدور الحكم بجرائم متنوعة تبدأ بالسرقة ولا تستثني الاغتصاب وتنتهي بالقتل، ناهيك عن جرائم التطرف و التخطيط لأعمال إرهابية أو تنفيذ عمليات إرهابية في أوروبا!!

اقرأ أيضاً: سوريا وفرنسا.. لقاء موسع لبحث دعم القطاع الطبي المتهالك

هؤلاء الشباب الذين يشكلون عادة دعامة قوية تبني عليها المجتمعات المتحضرة كل خططها المستقبلية وتعتبرها أهم الثروات الوطنية باتو في الحالة السورية المعقدة هذه يشكلون تهديدا وتحديا حقيقيين أمام المجتمع الجريح الذي لم يتعاف بعد من كوارث نصف قرن من الديكتاتورية الإجرامية التي ختمت ثلثها الأخير بمجازر وانتهاكات لا يصدقها العقل..!

 

الزائر لسوريا الآن سيلاحظ سريعا الانتشار الواسع للأطفال والمراهقين في الشوارع بصور مختلفة بين العمالة التي لا تراعي أدنى مقومات السلامة والتسول الطوعي أو القسري …هؤلا الأطفال لا تعترف أعمارهم بعتبة دنيا تقف عندها يتعرضون يوميا لانتهاكات صارخة لطفولتهم ولمستقبلهم ومستقبل البلد كذلك … فبينما يفترض أن يقضي هؤلاء يومهم على مقاعد الدراسة وفي تنمية الهوايات واكتشاف المواهب وتغذية الذاكرة الطفولية بقضاء أجمل الأوقات في اللعب والمرح، تضيع كل ملامح طفولة هؤلاء الأطفال  وهم يقفزون بين السيارات في فوضى المرور العارمة  لإقناع المارة بشراء المناديل أو البسكويت، أو التبرع ببعض النقود، أو تجد الكثيرين منهم منهكين في أعمال يفترض أنها للكبار البالغين عدا افتقارها لأبسط مقومات السلامة والنظافة، وكل ذلك بأجور بخسة لا تكاد تلبي ربع أساسيات الحياة!!

فيعيش هؤلاء الصغار الحرمان من أدنى حقوقهم ليكبروا قبل أوانهم في بيئة تسرق منهم براءتهم وتسلمهم فرائس سهلة لكل ما يؤذيهم ويهدد أمنهم وسلامتهم كالتدخين والمخدرات وحتى التعرض للتحرش أو الاستغلال الجنسي..!!

ولا تقف المأساة “وليست التسمية مبالغا فيها” عند أطفال الشوارع ولا الأطفال المرغمين على العمل لأسباب قاهرة بل تتعدى ذلك إلى الأطفال الذين واتاهم الحظ الطيب والظروف الجيدة التي حمتهم من التشرد والعمالة المبكرة ضمن نطاق الأسرة الطبيعي لكنهم بقيوا محرومين غالبا من ظروف التعليم والتحصيل الدراسي الجيدة، فالمدارس في كثير من المدن والبلدات تفتقر إلى معظم المقومات المناسبة للعملية التعليمية عدا تراجع المستوى التدريسي الحاد بسبب نقص الكوادر وضعف التأهيل …وغياب كامل غالبا لوسائل التعليم وأدواته ..!!

إضافة لغياب تام أو لنقص حاد في المرافق التربوية و الترفيهية المناسبة لتنمية المواهب والهوايات وتحفيز الإبداع وخلق الفرص المفيدة لملء أوقات الفراغ وتوجيه الطاقات الطفولية والشبابية لما هو مفيد ومنتج.

وفي جهة مقابلة تكتمل الصورة المأساوية بمشاهد مخيمات النزوح المفتقرة لمعظم مقومات الحياة والمكتظة بأطفال صغار  ومراهقين لم يعرفوا الوطن إلا خيمة لا تحمي واحتياجا لا ينتهي..!!

هذا المشهد يزداد سوادا وخطورة في ظل الحديث عن الانتشار الكبير للمخدرات بين فئة المراهقين والشباب وخاصة في ظل غياب الدراسات المتخصصة والآليات الفاعلة لمحاربة هذا الخطر لا بل في ظل حرص النظام المخلوع على تحويل البلد إلى مصنع كبتاغون كبير …!!

في المقابل لا تصبح الصورة معاكسة تماما للأسف في مجتمعات اللجوء، حيث تجد الأطفال والمراهقين السوريين يتصدرون المشهد كذلك في الكثير من القصص والحوادث المحزنة المؤلمة، من أطفال ومراهقي الإهمال أو الانفلات الأسري في الشوارع والساحات ومحطات المواصلات في أوروبا، إلى ضحايا العنف الأسري، وانتهاء بمرتكبي الجنح والجرائم والمخالفات القانونية، حيث لا يكاد يمر شهر دون أن تحمل وسائل الإعلام خبرا يتعلق بطفل أو مراهق مع تنوع القضايا والأسباب التي ذكرت!!

إن جملة مختصرة مثل ” تعال لهون… تعا لهون” العامية باتت مصطلحا واسما معروفا في اللغة الألمانية “تالاهون…Talahon” ستجده في تعريفات الصفحات الألمانية مرتبطا بالأصول العربية المهاجرة .. ملابس من ماركات مزورة … العنف ..كره النساء .. الذكورية .. السلوك العدواني .. سلاح ..مخدرات.. عصابات …!!

وأصل التسمية أغنية راب أطلقها مغني الراب الكردي السوري حسن “كما يعرّف في الصفحات الألمانية”، حيث صار هذا “المصطلح” في خدمة اليمين العنصري المتطرف  اختزالا وتلخيصا لكل النقائص والسلبيات والاتهامات التي يمكن إلصاقها بالمهاجرين الأجانب، وتوثقها للأسف التصرفات والأفعال الرعناء غير المسؤولة من الكثير من المراهقين والشباب وخاصة من سن 14 إلى 25 عاما وربما أكثر.!!

ولا ننسى بعض حالات العودة القسرية التي تعرض لها فعليا بعض المراهقين والشباب التي كانت تصل في بعض الأحيان إلى الخطف، حيث يقرر الأهل العودة إلى سوريا لتسهل عليهم السيطرة على أبنائهم وتقرير مصيرهم فيما يتعلق بالزواج أو الدراسة …!!

إن خبرا يأتي من ألمانيا يتحدث عن إيقاف محاكمة شاب سوري وطي ملف قضيته المتعلقة باتهامات بالسرقة والتخريب والعنف بسبب قراره العودة طوعا إلى سوريا سيكون عما قريب خبرا متكررا وربما معتادا … ولا يذكر خبر كهذا نهائيا كيف ستكون تلك العودة؟! ..هل سيتم تسليم الجاني في المطار إلى الشرطة السورية؟! ..أم سيدخل حرا طليقا إلى سوريا؟!!

ماذا تستطيع أن تفعل سوريا أمام هذا التحدي في هذه المرحلة الحساسة العصيبة؟!!

الدمار الهائل … الاقتصاد المنهوب المنهار … الشعب المهجر المشرد … المغيبون قسريا … الشهداء … الجرحى والمصابون … ولا ننسى المجرمين من الشبيحة وأعوان النظام السابق المتربصين في كل بقعة من سوريا!!

 

بالتأكيد لن تكون سوريا في ظل في الأوضاع الراهنة قادرة على مواجهة هذا التحدي الكبير وما يشكله من خطر حقيقي على الاستقرار المأمول ومستقبل إعادة بناء الدولة وإعمارها المنشود، ولا بد أن تعي الإدارة الجديدة أهمية السرعة في التحرك لمواجهته والاستعانة بالمنظمات الدولية المختصة وكذلك الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في هذا المجال.

وسيكون ربما من أهم الخطوات الأولى الواجب اتخاذها إنشاء وزارة خاصة بالطفولة والشباب وحشد الدعم الدولي لها للقيام بمهاهما في رعاية الأطفال والشباب ودمجهم دمجا صحيا سليما في المجتمع السوري من خلال إنشاء أو إعادة تأهيل المؤسسات التعليمية والتربوية وإعداد وتظريب الكوادر المتخصصة ووضع الخطط والبرامج الإنقاذية الإسعافية العاجلة بالاستعانة بالخبرات المحلية والدولية في هذا المجال.. وكذلك مطالبة دول اللجوء بعدم ترحيل أصحاب السوابق من المراهقين والشباب  دون  البت بقضاياهم وقضاء محكومياتهم أو على الأقل التنسيق مع الحكومة السورية الحالية لتسلميهم كموقوفين ودمجهم في برامج تأهيل ورعاية تساهم دول اللجوء في دعمها في سوريا..!!

إن حماية أطفال وشباب سوريا واستعادتهم من دول اللجوء و مخيمات النزوح، ورد حقوقهم كمواطنين سوريين سلبت طفولتهم بفعل الإجرام الأسدي والتخاذل الدولي هو واجب لا يقل أهمية عن إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد.

فلا يمكن لدولة سوريا أن تبنى ولاقتصادها أن ينهض دون الأساس الأهم : الإنسان السوري … أطفال وشباب سوريا أولا …!!

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط