إن مشكلة الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي ليست مشكلة حديثة، كما أن الاتحاد الأوروبي ليس وليد اليوم. بل هو نتاج حقبة طويلة من الاتفاقيات والتعديلات والتجارب والممارسات التي صيغت على شاكلة اتفاقيات دولية. وكما يعتقد ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، أنه كلما زادت قوة المركز كلما شدت الأطراف إليها، وهي النظرية التي تبلورت فيما بعد لدى المفكرين: سمير أمين ورؤول بربيش، والمعروفة باسم “المركز والأطراف”. فإن الاتحاد الأوروبي كمركز قوي سيجذب الأطراف إليه، في الوقت الذي صارت الأطراف في المراكز الأخرى أكثر هشاشة وتفتتا، التحقت القطع المنفصلة عن مراكزها بمركز أقوى، وهذه هي الآلية تماما التي تفعلها الذرات حسب تفسير الكيمياء للاتحاد. لكن لعلم الاجتماع خصوصية في تفسيراته؛ فقد تكون الظروف والأسباب التي دفعت ملايين من الناس على مستوى دول الشرق الأوسط النامية، للخروج بحثا عن ملجئ آمن يحميهم ويحافظ على حياتهم وكرامتهم هي ذاتها، وطالما أن وسائل التواصل الحالية أصبحت متوفرة وتعطي دقة في المعلومات وخيارات أوسع، وخصوصا المعرفية، فإن المعلومات كانت تدل على أن أفضل ملجئ آمن في الوقت الحالي للاجئين هو الاتحاد الأوروبي، وتحديدا الدول الداعمة لقضية اللاجئين والتي تقدم إليهم لجوء سخيا.
قد تكون الظروف التي خرج الناس بسببها تهدد حياتهم، وبالتالي فإن المغامرة التي سيخوضونها في طريقهم إلى أوروبا على نفس الدرجة من الخطورة وربما أن حظوظهم ستكون أفضل في هذه المغامرة!؛ تبقى هذه المفاضلة بين الخيارات لدى كل لاجئ وكل عائلة تطلب اللجوء، ولدى كل زوج ودع زوجته وأطفاله على أمل اللقاء في ظروف أفضل، وكل ابن ودع والداه واخوته ولا يعلم إن كانوا سيلتقون في المستقبل كلهم أم بعضهم! ورغم كل ما تتناقله وسائل الإعلام عن ذاك الأب الذي رفع ابنه لينقذه خفر السواحل وغرق هو، أو الأم التي لا تعرف السباحة فاستعانت بأولادها وغرقوا سويا. تبقى تلك الحالات بشكل فردي لا يمكن تعميمها على المجتمع، لكن ما يمكن الوصول إليه أن المعلومات التي كانت تتوفر لدى اللاجئين غالبا ما تكون اجرائية؛ فهم لا يعلموا ما هي اتفاقية “دبلن” ولا ما هي اتفاقية “شنغن”، وربما لا يعرفوا أسماء الدول التي سيمرون بها أو خارطتها! لكنهم يعلموا أن عليهم أن لا يبصموا في اليونان أو ايطاليا وأن عليهم أن يصلوا إلى ألمانيا وربما السويد! وأن هناك شبكة من المهربين خارجة عن كل القوانين والاتفاقات الدولية وهمها الوحيد هي كسب أكبر كم من المال، ولا يهمه كم شخصا سيموت لكن يهمهم كم شخص سيثق بهم بعد كل عملية ليضمنوا وجود عمليات أخرى، واستمرار العمل!
كما سيتبين من الدراسة، فإن السياسة الاجتماعية للاتحاد الأوروبي تجاه قضية اللاجئين فقيرة، وتكاد تكون معدومة لولا أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد أخذوا على عاتقهم التصدي لاحتياجات اللاجئين؛ وذلك استنادا إلى القوانين الدولية التي وقعوا عليها. بينما كانت نظرة الاتحاد ولا تزال نحو علاج مشكلة الهجرة غير الشرعية من منظور أمني، واتخذ الاتحاد العديد من الاجراءات لذلك، مؤخرا أضاف عدة سياسات منها ما يتعلق بالاتفاقات الدولية مع دول العبور ودول التصدير للاجئين حول وقف تدفق المهاجرين مقابل عدة أمور سيتم توضيحها في الدراسة. ويمكن ملاحظة التخبط داخل الاتحاد في قراراته إزاء الهجرة غير الشرعية، والذي يعزى إلى اختلاف مواقف وأهداف الدول المكونة للاتحاد من مسألة الهجرة، والتي تتراوح بين اعتبارها حق إنساني أم مسألة تجاوز قانوني، أو بين إغلاق الحدود وبين استقبال اللاجئين؛ وقد يكون لمواقع الدول الأعضاء جغرافيا ووضعهم الاقتصادي والإداري دور في هذه المواقف، فالدولة التي يغرق المئات على شواطئها وهي تعاني من مشاكل اقتصادية، تختلف عن الدول التي تقع في شمال القارة، والتي لا تقلق إزاء اتفاقية مثل دبلن.
من وجهة نظر اللاجئين فإنهم استفادوا من اتفاقية شنغن، والتي تسمح لمن هم على أرض الاتحاد الأوروبي بالتحرك دون حاجة للمراقبة على تحركاتهم، وبالتالي كان اللاجئ بمجرد أن يجتاز حدود الاتحاد يمكن له التجول في كل دول الاتحاد الأوروبي وحتى الدول التي وقعت على هذه الاتفاقية مع الاتحاد، ولا يوقفه أحد، وكان من الممكن له أن يقوم بالتجوال حتى تعجبه دولة ما فيقدم طلب اللجوء فيها، سُميت هذه العملية “تسوق اللجوء” كما لو كان اللاجئ في سوق ليختار فيه العرض الأنسب. وبقيت الحالة هكذا حتى تم تفعيل اتفاقية دبلن 3 التي تُلزم اللاجئ بإعطاء البيانات والوثائق الخاصة به في أول بلد يعبره في الاتحاد، وسميت هذه العملية “البصمة” والقصد أن البلد التي يقوم طالب اللجوء فيها بالبصم هو المسؤول عن كل ملف لجوئه لدى دول الاتحاد الأوروبي.
لقراءة البحث كاملاً أو تحميله يرجى الضغط على صورة الغلاف
لتصفح جميع الدراسات بإمكانكم الضغط هنا