كفى عبثاً بهويتنا وقيمنا

أ. فراس مصري

0 974

مقدمة:

وقعَت بين يدي وثيقة بعنوان: “نحو أسس لعيش مشترك ومحددات لعقد اجتماعي سوري” تدَّعي مقدمتها أنها نتجت عن عقد “مئات ورشات العمل داخل سورية وخارجها وفي المخيمات” و”بتيسير من مجلس الكنائس العالمي” و”شارك فيها مجموعات واسعة من السوريات والسوريين متنوعة إثنيًا ودينيًا وثقافيًا وسياسيًا” و”اتفقت إرادتهم على أسس لعيش مشترك ومحددات لعقد اجتماعي سوري تجسدت فيما يلي …..”

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

فتذكرت أنني منذ عدة سنوات دعيت لورشة عمل في غازي عنتاب التركية نظمتها مؤسسة سورية مع مجلس الكنائس العالمي للحديث عن العقد الاجتماعي، وانفضت الورشة كأي ورشة عابرة دون محاضر مرسلة للحضور ولا تبليغهم بتوصياتها.

ورأيت أنه من واجبي توضيح استنكاري ورفضي أن أكون أحد المُشار إليهم في عديد المئات من الورشات التي نتجت عنها فقرات هذه الوثيقة

اقرأ ايضاً:  الشيخ عكرمة صبري يتراجع عن دعائه لبهجت سليمان (فيديو)

من حيث شكل الورقة:

  1. الوثيقة تقع في صفحتين من عشرين فقرة بالعنوان المذكور أعلاه، ولا يذيلها أي توقيع أو أسماء لشخصيات سورية مشاركة في الصياغة النهائية، فهل هذه الأسماء سرية؟!
  2. إذا افترضنا أن الورقة فعلاً صادرة عن مجموعات سورية باتفاق إرادتهم وبتيسير من مجلس الكنائس العالمي فكان لزامًا أن نرى أسماء ممثلي هذه المجموعات التي عقدت مئات ورشات العمل ممَّن صاغوا هاتين الورقتين، وأيضًا اسم ممثلي المُيسر وهو مجلس الكنائس العالمي.

من حيث المحتوى:

بغض النظر عن صدور هذه الورقة بتيسير مجلس الكنائس العالمي ومباركة مئات السوريين من مختلف الأطياف، سنناقش المحتوى ومناسبته لثقافة أغلبية السوريين مسلمي الانتماء وتحديدًا الأكثرية العربية السنية.

  1. ورد في الفقرة الثالثة من الوثيقة: “تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد والقوميات والمكونات، وتقوم على أساس العيش المشترك، وتجرِّم خطاب الكراهية والتحريض على العنف” وكون أن الإسلام دين الأكثرية هو شريعة حياتية ويجب أن يكون لها موقعها التشريعي من العقد الاجتماعي والدستور فيمكن صياغة هذه الفقرة بطريقة مختلفة كما يلي:

تضمن الدولة حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان السماوية للمكونات السورية كما تضمن حقوق المواطنة الكاملة لكافة المكونات العرقية، وتجرّم خطاب الكراهية والتحريض على العنف

  1. ورد في الفقرة الرابعة من الوثيقة: ” تلتزم بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي والمعاهدات الدولية والإقليمية” ولأن قضية المعاهدات الدولية والإقليمية هي منتج فني صادر عن الأمم المتحدة، ولكل دولة حق القبول والرفض والتحفظ عليها أو بعضها عن طريق ممثليها المنتخبين شعبيًا يمكن أن نحول الفقرة إلى العبارة التالية:

تهتم الدولة بدراسة كافة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والعهود الدولية والقانون الدولي الإنساني ويترك لبرلمانها المنتخب ديمقراطيًا تحديد الموقف منها وإبداء الملاحظات بما يحافظ على النظام العام وتماسك المجتمع السوري.

         وتعمل الدولة بالتعاون مع المجتمع المدني على وضع لائحة الشرعة           

         السورية لحقوق الإنسان تضمن فيها حقوق كافة أفراد الشعب نساء ورجالاً  

         وأطفالاً وقوميات وأديان وطوائف ومذاهب انطلاقًا من ثقافات مكونات

          المجتمع السوري المتنوعة.

 

  1. ورد في الفقرة السابعة من الوثيقة: “يكفل الدستور حيادية الدولة اتجاه الدين والمؤسسات الدينية، بما يضمن فصل مؤسسات الدولة عن المؤسسات الدينية، وعدم توظيف السلطة للدين، أو استغلال الدين للسلطة.”

هذه الفقرة فيها خلط، أولها علمانية قحة تسِمُ هوية الدولة والمجتمع السوري بالعلمانية وانقطاع الدين عن الدولة تشريعيًا، وآخرها حق واجب وهو عدم استغلال الدين بالسياسة وبالعكس، لذا وجب إلغاء القسم الأول وتأكيد عدم استثمار أو استغلال الحالة الدينية لمصلحة السلطة.

  1. ورد في الفقرة الثامنة من الوثيقة: ” يكفل الدستور عدم تعارض قوانين الدولة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأن تستمد هذه القوانين من المدارس الفقهية القانونية الإسلامية، وكذلك من المدارس القانونية العالمية.”

أيضًا في هذه المادة تدليس وخلط، فالاستمداد من المدارس الفقهية الإسلامية ممكن وغير ممكن حسب الدلالة، بينما عدم التعارض مع الإعلان العالمي ففيه قطعية، وبالتالي إذا تعارض الاستمداد مع عدم التعارض يتفوق عدم التعارض.

  1. ورد في المادة التاسعة من الوثيقة: “تكفل الدولة للفرد حرية اختيار الاحتكام في قضايا أحواله الشخصية باللجوء إلى محاكم مدنية أو محاكم شرعية أو كنسية أو مذهبية.”

المحاكم المدنية تعني تسجيل اللادينيين، أو المنتمين للأديان ولا يرغبون باختيار أحوال شخصية سماوية، وفي ذلك شرعنة لإطلاق الحريات في قضايا الزواج المختلط أو المثلي والحق فيما يخالف طبيعة المجتمع السوري ويبرر لمتبعي الأديان خيارات تنعكس سلبًا على التماسك المجتمعي والحقوق المالية لأفراد الأسرة.

  1. ورد في الفقرة 15 من الوثيقة: “قوانين الدولة هي عادلة بما تكفل الحقوق الكاملة والمتساوية للمرأة، وتضمن تمكينها للحصول على هذه الحقوق وصولاً إلى مراكز صنع القرار، وتفعيل دورها في مختلف القطاعات، وألا يقل تمثيلها عن 30%”.

ليس بالضرورة أن يرتبط تحقق العدالة بما يسمى الحقوق الكاملة والمتساوية للمرأة، ففي ثقافة المجتمعات الإسلامية المنتمية لدين حياتي بما فيه من تشريعات منضبطة تغطي حياة المسلم توجد منظومة متكاملة فريدة الصياغة فيما يتعلق بالأسرة (الرجل، والمرأة، والشاب، والطفل) وهي أكثر عمقًا وبُعدًا من الفهومات السطحية الساذجة لمعنى المساواة والحقوق الكاملة، نعم في الإسلام العدالة محققة والحقوق الكاملة للمرأة محققة بغض النظر عن توهم مساواة ليس لها ارتدادات موضوعية على حياة الأسرة والمجتمع.

 

من حيث الموضوعية:

  1. ذكرت الوثيقة في مقدمتها أن مئات ورشات العمل عقدت داخل وخارج سورية وفي المخيمات، والتساؤلات المنطقية هنا: ما هي معايير سير هذه الورشات؟ كيف كانت تطرح المواضيع؟ كيف كان يتم اختيار الشرائح؟ هل كان المشاركون يعلمون بالمنتج المتوقع؟ هل تم التواصل معهم بعد اللقاءات؟ من هم المنتخَبون من مجاميع هذه المئات لوضع الصياغات النهائية؟ كيف كانت تتم التوافقات على المخرجات؟ من هي الجهة التي كانت تُعدُّ التوصيات بعد كل ورشة؟
  2. من هم النخب السورية التي تبنت هذه الوثيقة نيابةً عن المئات؟ كيف كانت تقام ورشات المخيمات؟ من يديرها؟ من يحضرها في ظل الظروف الاجتماعية الخاصة بالمخيمات؟
  3. خلال عملنا، نحن منظمة مدنيون للعدالة والسلام، في مجال بناء التوافقات السورية نفَّذنا مع شركاء آخرين مشروعًا كبيرًا احتوى بأساسه على دراسة بحثية واستطلاع رأي، شملت الدراسة البحثية فيه أكثر من 60 قوة سياسية فاعلة، وشمل استطلاع الرأي ما يقارب 1400 عينة قُسِّمت لسياسيين وناشطين ومدنيين، وتضم كل الأطياف السورية ومواطن تنفيذها (داخل سورية على كامل أراضيها، وفي أماكن وجود السوريين في تركيا والوطن العربي وأوربا وأمريكا) ومنهجيتها ليست عشوائية العينات، بل جرت بطريقة المقابلات ونفذت بطريقة علمية من قبل مؤسسة معروفة وحيادية، وكانت نسب من يريد تنظيم وتدخل الدين بالدولة في أي عقد اجتماعي أو دستور أكثر من 80% من القوى الستين والمستطلَعة آراؤهم الـ 1400.
  4. كذلك نفذت مؤسسة صديقة (اليوم التالي) استطلاعًا أيد فيه 67% تنظيم وتدخل علاقة الدين بالدولة. فمن أين أتت هذه الوثيقة الغريبة عن المجتمع السوري ببدعة حيادية الدولة تجاه الدين ناسبةً ذلك للسوريين داخلاً وخارجاً وفي المخيمات؟!!!
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط