فيروس الانتقاديين

دعاء بيطار

0 992

 

نرى في الناس طباعًا شتى، ونسعى لأن نحقق التعايش كوننا لم نخلق في قالب متشابه أبدًا، والكثيرون ممَّن نقابلهم بشكل عابر لا نستطيع تقديم النصيحة لهم؛ لأن الزمن بات عجيبًا، وتغير الناس بعد الأزمة العالمية الجديدة (كورونا) زاد من تباعد القلوب أكثر ممَّا كانت عليه.

لكن هناك من الأشخاص من يحملون طباعًا مسمومة تخلق من مفهوم التعايش أزمة نفسية لا يدركها إلا من جربها، وهم الأشخاص الانتقاديون كثيرو اللوم والتأنيب والتقريع.

الشخص الانتقادي تكون أمامه الخضرة يانعة، والظلال كثيفة، وصوت المياه ينسي هم المهموم، فيلتفت لوجود ذبابة تحوم نحو رزقها، فيرى الحياة من ثقب إبرة، ويزعم أنه جرم كبير، وفيه انطوى العالم الأكبر.

الشخص الانتقادي تعافه النفوس جميعها، ويصعب التعامل معه لأنه لا يرى الجمال في كل شيء حوله، ولا يريد أن نرى إلا ما يراه من ثقب الإبرة الخاص به.

 

الشخص الانتقادي طفل مكبوت حُرم من ممارسة ما يريده، وجرت عليه تربية متسلطة ورقابة شديدة جعلته ساخطًا على نفسه لا يعرف الذي يريده، مركزًا على نجاحات الآخرين ليحبطها لا ليفرح لهم، كأن نجاحاتهم تحفيز لملف إحباطاته ويأسه.

 

الشخص الانتقادي عدو الناجحين وفيروس حقيقي يتغذى على النيل منهم وتسفيه أحلامهم؛ لأنه يراهم منافسين له على منبر الوهم، وأشد ما يُسعد له رؤيتهم في حالة إحباط أو يأس.

الشخص الانتقادي لا يحترم إلا من يتسلط عليه ويقهره، فميزان القوة لديه يرجح لمن يظلم الناس ويقهرهم ويأكل حقوقهم.

الشخص الانتقادي ينتقد كل الناس بلا استثناء وينمّ عليهم ويوقع فيما بينهم، وأحيانًا يدَّعي التقوى والدعوة إلى الله على بصيرة.

الشخص الانتقادي لسانه هارب منه لا رباط عليه ولا حدود لقدراته التدميرية، والابتعاد عنه غنيمة بل نصر حقيقي على الشيطان وحزبه.

الشخص الانتقادي لا يتقبل انتقاد أحد بتاتًا؛ لأنه يرى عُلوًّا في نفسه على من حوله عامة.

ولكن ما لا يعرفه الشخص الانتقادي ومتزعم المثالية أنه لا ينتقد الآخر فقط، بل أحيانًا يرسل له رسائل إيجابية بأنه يستحق الالتفات؛ لأنه قد نجح في اعتقاده، فهو يتحرك ويحقق ما يريده فاستحق بذلك اللهاث خلفه والشعور بالغيرة منه.

لا بد من القول بأن في كل إنسان خير كبير، والناجح هو من يستخرج أفضل ما في الآخرين ويركّز على النواحي الإيجابية فيهم لكي يحبونه ويتقربون منه ولو لم يكن في كل إنسان خير لما تعايش الرسول صلى الله عليه وسلم في مجتمع تختلف فيه الطباع والبيئات والنفسيات بل والأديان، ولما امتدحه أعداؤه قبل أصحابه، فلا بد أن يعي هؤلاء بأنهم ليسوا أنبياء لا يخطئون، وأن ما يرونه في الناس من عيوب ونقائص لا تقل عن عيوبهم ونقائصهم التي يراها الناس فيهم، إنما النصيحة من الدين هي محبة وتودد ورغبة في الخير لا انتقاد وانتقاص ونشر للإحباط والسلبية، فالعالم بات لا يحتاج زيادةً في نسب الاكتئاب والأمراض النفسية.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط