يقول الكابتن في البحرية الأمريكية (الفريد ثاير ماهان) في كتابه (تأثير القوة البحرية على التاريخ): “بما أنَّ البحار هي الطرق السريعة العظيمة في العالم، فإن القوة البحرية لطالما كانت العامل الحاسم في الصراعات السياسية العالمية، خاصة أنَّ التنقل من خلال المياه أقل تكلفة من التنقل خلال البر”.
وهنا تكمن أهمية (قناة السويس) كونها أهم الطرق البحرية في العالم، لموقعها الإستراتيجي الذي يختصر الوصول من الخليج العربي إلى أوربا في 14يومًا على عكس طريق (رأس الرجاء الصالح) الذي يستغرق فوق هذه المدة 16 يومًا إضافيًا وبتكلفة مادية إضافية تقدر بـ 140 ألف دولار أمريكي، كما يمر من خلال قناة السويس ما يقارب ال 12% من التجارة العالمية.
وبالتالي فإن لإغلاقها نتائج سلبية على التجارة العالمية، ولاسيما في نقل النفط العربي والإيراني إلى أوربا.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
وليس غريبًا أَنْ يشكل جنوح سفينة (إيفر جيفن) التايوانية شللاً لعصب التجارة العالمية بعد تعليقها للملاحة البحرية في القناة، وتسببها بخسائر قدرت بـ 400 مليون دولار في الساعة الواحدة، متسببة بأزمة تجارية عالمية.
منذ افتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر 1869 ضمن حفل أسطوري يشهد على عظمة الحدث الذي صافحت فيه مياه البحر الأبيض المتوسط مياه الأحمر، تشكَّل حدث جديد لمسار التجارة العالمية وصار عن طريق قناة السويس بتكاليف أقل بعد أن كانت تتجه صوب رأس الرجاء الصالح.
الأزمة التجارية التي تسببها إغلاق قناة السويس بعد جنوح سفينة (إيفر جيفن) ليست الأول من نوعها، فقناة السويس أغلقت عبر التاريخ عدة مرات، كان أولها عام 1882 مع بداية الاحتلال البريطاني، وآخرها الإغلاق الذي تسببت به سفينة (إيفر جيفن).
الثورة العرابية عام 1882 وإغلاق قناة السويس للمرة الأولى
تفتحت أنظار بريطانيا نحو مصر أعقاب الحملة الفرنسية على مصر ومن ثم افتتاح قناة السويس، لتشهد مصر بعد 13 عامًا من افتتاح القناة معارك عدة انتهت بالاحتلال البريطاني، ففي عام 1882 قامت الثورة العرابية في وجه الأطماع البريطانية، التي استخدمت كافة وسائل الدفاع للوقوف في وجه الاحتلال البريطاني، ومنها إغلاق (قناة السويس) لمدة أسبوع واحد في وجه السفن التجارية لمنع دخول القوات البريطانية عبر بوابة مصر الشرقية.
اقرأ أيضاً: تركي يسدد الديون عن عشرات اللاجئين السوريين في ولاية مرعش
المرة الثانية والثالثة لإغلاق قناة السويس
في 10 من تموز 1885 أغلقت قناة السويس مدة 11 يومًا نتيجة اصطدام كراكة مع سفينة أدى لغرق الكراكة.
وفي سبتمبر 1905 تعطلت الملاحة في قناة السويس لمدة 10 أيام نتيجة اصطدام سفينتين احترقت إحداهما.
الحرب العالمية الأولى والإغلاق الرابع لقناة السويس
في عام 1915 شهد العالم بداية أكبر الحروب في التاريخ الحديث، وفيها استخدمت الدول كل وسائلها في محاربة الطرف الآخر، وكانت إحدى الوسائل هي قناة السويس التي أغلقت لمدة يوم واحد فقط في شباط 1915 بعد غرق عدة سفن في (بور سعيد).
الحرب العالمية الثانية والإغلاق الخامس لشريان الملاحة
تسببت الحرب العالمية الثانية التي قامت بين عامي (1939-1945) بين دول المحور (ألمانيا، إيطاليا، النمسا، بلغاريا، اليابان، ورومانيا، والمجر) ودول الحلفاء التي ضمت (بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة، كندا، وبولندا)، بإغلاق قناة السويس لمدة 76 يومًا
اقرأ أيضاً: …معابر وشوية أكل
العدوان الثلاثي على مصر والإغلاق السابع
في عام 1959، وردًا على تأميم قناة السويس من قبل الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) شنت كل من الدول التالية (بريطانيا، فرنسا، إسرائيل) عدوانًا على مصر سمي بالعدوان الثلاثي الذي تسبب بإغلاق قناة السويس لمدة 159 يومًا من 2 نوفمبر 1956 وحتى 10 أبريل 1957، وذلك بسبب غرق 48 سفينة وقاطرة وقطعة بحرية، وكانت قناة السويس قد شهدت في سبتمبر 1952 تعطلاً في الملاحة بعد غرق إحدى السفن بالقرب من بور سعيد.
الإغلاق الثامن والأطول
أغلقت قناة السويس مدة 8 سنوات عقب حرب تموز 1967، واحتلال الكيان الإسرائيلي لسيناء، حيث استمر الإغلاق من 5 من تموز عام 1967 وحتى 4 تموز 1975، حيث أعاد الرئيس المصري أنور السادات افتتاحها، وخلال تلك السنوات عادت السفن التجارية لاستخدام رأس الرجاء الصالح.
وكان مشروع قناة السويس قد أطلقَ بامتياز مُنِح للمهندس الفرنسي (فرديناند دولسبس) من الخديوي إسماعيل، ليبدأ العمل في حفر القناة في 25 أبريل 1859، وينتهي الحفر منها في 18 آب 1869 الذي استغرق تنفيذه عشر سنوات، بعد استخراج 74 مليون متر مكعب من الأتربة، وقد بلغت تكاليفه 433 مليون فرانك (17320000) جنيه.