رمضان وموائد الدموع والقهر في مخيمات إدلب

علاء الدين إسماعيل

0 444

 

يحلُّ شهر رمضان على السوريين في محافظة إدلب ومناطق شمال غرب سورية ومخيمات النزوح في ظل ظروف قاسية لسوء الأحوال المعيشية والمعاناة الإنسانية التي أفقدتهم القدرة على التحضير لرمضان كما في السابق.

فيما تتنوع حركة السكان الرمضانية في محافظة إدلب بين فقير لا يستطيع تأمين طعام الفطور لعائلته وأطفاله الصائمين، وآخر يعمل طيلة يومه ليجلب لعائلته ما جناه خلال عمل يوم طويل، لكن ارتفاع الأسعار بشكل كبير منع تزيين الموائد بكثير من الأطباق هذا العام.

يتناول سكان المخيمات إفطار رمضان بعيدًا عن منازلهم وبيوتهم التي اضطروا لمغادرتها هربًا من قصف النظام وروسيا، ولم يتمكنوا من العودة إليها حتى الآن.

اقرأ أيضاً: بعيدًا عن تعذيب النفوس بالجوع والعطش.. رمضان شهر المناقب

في تلك المخيمات يوجد من غادر منزله منذ أشهر، ومن غادرها منذ سنوات، والجميع يأمل العودة اليوم قبل الغد.

(خديجة أم مصطفى) نازحة وأم لستة أطفال استقبلت رمضان هذا العام في المخيم بعيدًا عن بيتها وأقربائها، وقد أوضحت في حديث لصحيفة حبر أنها تشعر بوحدة كبيرة في المخيم بعيدةً عن أهلها بعد أن تفرقت بهم السبل، مشيرةً إلى أنها وحدها مع أطفالها في المخيم ولا تعرف أحدًا فيه.

وأضافت: “رمضان هنا ليس كما كان في قريتنا، حيث كنا نستعد لهذا الشهر الفضيل عبر شراء احتياجاتنا قبل حلوله بأيام، أما الآن فليس لدينا ما نملكه لشراء شيء، إذ نعيش على المساعدات الشحيحة.”

ولفتت إلى أنها حصلت على نصف سلة غذائية لتقتات بها وأولادها خلال الشهر الفضيل، وتكمل قائلة: “بكل الأحوال هذه الأيام ستمضي، وسنعود إلى قريتنا ونعيش رمضان كما في السابق إن شاء الله.”

لمتابعة الأخبار السياسية والمنوعة اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

وأفادت خديجة أن أفراد عائلتها تفرقوا خلال رحلة النزوح، معبرةً عن شوقها لأيام رمضان السابقة، حيث يجتمع جميع أفراد العائلة على المائدة.

وتابعت: “لا نلتقي بأحد الآن، ولا أحد يسأل عن حالنا، في السابق كل شيء كان رخيصًا، أما الآن فالأسعار مرتفعة جدًا، فقد حُرِم أبناؤنا من طعم الفواكه، لكننا نحمد الله على كل حال. ”

أمَّا (محمد أبو حاتم) فهو أب لثلاثة أطفال ونازح في مخيم قرب مدينة (كفرتخاريم) وصل للمخيم قبل سنة ونصف بعد أن اضطر لمغادرة بلدته الواقعة بريف معرة النعمان الشرقي نتيجة احتلالها من قبل النظام وروسيا.

يقول أبو حاتم إنه واحد من 6 ملايين سوري تركوا ديارهم واضطروا للرحيل عنها، مشيرًا إلى أنه قضى رمضان في بيت كان يستأجره في مدينة كفرتخاريم العام الماضي لكنه في النهاية اضطر للخروج منه والتوجه إلى المخيمات؛ لأنه لم يعد بإمكانه دفع إيجاره.

وأضاف أبو حاتم: “رغبتنا الوحيدة هي العودة إلى بيوتنا والعيش فيها ولو في الحد الأدنى من الأمان والإمكانيات.” لافتًا إلى أنه لن يتمكن من تحقيق هذه الرغبة طالما النظام يسيطر على بلدته.

وتابع (أبو حاتم): “عمي وعائلته وأخي وابن أخي وخالي جميعًا استشهدوا في قصف روسي على بلدتنا قبل نزوحنا بأيام.”

وأوضح أنه رغم مضي سنة ونصف على نزوحه من بلدته يعيش الشعور نفسه الذي يعيشه جيرانه في المخيم الذين مضى على وجودهم سنوات، مشيرًا إلى أن الوجع الذي يشعرون به لا يعرفه إلا من ذاقه.

وأعرب (أبو حاتم) عن تمنيه بأن يعود الجميع لبيوتهم ويتوقف صوت السلاح، فأطفالنا باتوا يخافون من كل صوت قوي نتيجة ما عاشوه، حتى أنهم باتوا يظنون صوت الدراجات النارية أصوت طائرة.

وبينما تنشغل النازحة (أم جميل) بتشغيل موقد الحطب أمام خيمتها في مخيم قرب كفرتخاريم تخبرنا أن طبق رمضان اليومي لم يعد متنوعًا كما السابق، إنما يقتصر اليوم على وجبة من الرز والقليل من اللبن أو البرغل أو المعكرونة أو العدس مما يتم الحصول عليه من بعض الجهات الخيرية التي بات يُعوّل عليها النازحون كثيرًا خلال شهر رمضان، راجيةً أن تتسع هذه المساعدات خلال الشهر الفضيل.

تؤكد (أم جميل) أن “المساعدات الإنسانية لم تعد كافية كما السابق، فهي تتراجع عامًا بعد آخر، وهاجس تأمين بعض احتياجاتنا في شهر رمضان مؤلم حقًا، وخاصة مع كل هذا الغلاء الجنوني، إذ بات طبق واحد من الفتوش بالخضار الذي اعتدنا أن نصنعه يوميًا على سفرة الإفطار في رمضان سابقًا يساوي أكثر من 30 ليرة تركية، أي ما يعادل 15 ألف ليرة سورية، فكيف لنا أن نجاري الأسعار في شهر رمضان نحن الفقراء المنسيين هنا في ظل أوضاعنا الاقتصادية المعدمة؟!”.

بدورها قالت (فاطمة أم محمد): “كيف سنستقبل هذه الأيام الفضيلة المباركة ونحن مهجرون عن ديارنا وأصبحنا ننتظر الموت بفارغ الصبر حتى نتخلص من هذه الأوضاع المعيشية الصعبة، حيث أقيم مع عائلتي في خيمة قماشية نغرق داخلها في مياه الأمطار في فصل الشتاء ونحرق من حرارة الشمس في فصل الصيف.”

وطالبت (أم محمد) جميع المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية مدَّ يد العون للنازحين بشكل عام، وخاصة المقيمين في المخيمات الحديثة، حيث الأوضاع الإنسانية والمعيشية تفاقمت عليهم وأنهكتهم، فأكبر ما يتمنونه الآن رسم البسمة على وجوه أطفالهم في شهر الصيام والطاعة، الذي يحتاج به الإنسان إلى الأطعمة والمواد الغذائية الأساسية التي تعطي طاقة التحمل للإنسان على مشقة الصيام.

ومع دخول أذان المغرب تجتمع العائلة حول مائدة رمضانية تضم بعض الأطباق وبعض حبات التمر وكاسات اللبن التي قدمتها إحدى المنظمات الإنسانية لتكون وجبة إفطار مع غياب روحانية شهر رمضان في المخيمات، وانعدام وجود عمل يساعد العائلات على تحمل نفقات الشهر، إضافة إلى صعوبة الصيام بسبب ضيق المكان في الخيام.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط