ترجمت صحيفة حبر مقال صحيفة المونيتور الأمريكية الذي يتحدّث فيه الكاتب عما أسماه غسيل الأموال الذي تمارسه هيئة تحرير الشام في إدلب.
يستثمر قادة هيئة تحرير الشام أموالهم في إدلب في العديد من القطاعات الاقتصادية، كجزء من عملية غسيل الأموال بغية السيطرة على الموارد على النشاط الاقتصادي في مناطق سيطرتهم.
كما يسعى قادة بارزون في هيئة تحرير الشام التي تسيطر على إدلب ومحيطها في شمال غرب سورية، الى استثمار أموالهم في قطاعات اقتصادية متنوِّعَة في المنطقة.
ويبدو أن جهودهم – التي يمكن وصفها على أنها عمليات غسيل أموال- تلقى تشجيعاً من قيادة هيئة تحرير الشام، التي ترغب بتنويع المصادر التي تتلقى منها الدعم، لمساعدتها على البقاء وزيادة سطوتها ونفوذها.
وفي 28 من تموز تظاهر العشرات من سكان مدينة دارتعزة التي تقع في شمال غرب حلب ضد هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها، بعد أن أصدرت الأخيرة قراراً يقضي بإغلاق السوق الشعبية في مركز المدينة لبناء مركز تسوق بدلاً عنه.
وطالب المتظاهرون بإطلاق سراح المعتقلين الذين اعتقلتهم هيئة تحرير الشام بعد أن هاجمت مجموعة تابعة لها منطقة السوق لفرض تنفيذ القرار وإجبار التجار الذين يعملون هناك على إخلاء محالِّهم.
وأفاد أحد مُلّاك المحال في وسط مدينة دارة عزة صحيفة المونيتور بعد أن اشترط إبقاء اسمه طي الكتمان: “أصدرت إدارة المنطقة الشمالية في حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام قراراً أواخر شهر تموز يقضي بإغلاق سوق الخضار الشعبي في مركز المدينة. فهي تريد هدمه وبناء مركز تسوُّق بدلاً عنه، علماً أن هذا السوق واحد من أقدم الأسواق في المدينة، وشكَّل مصدر رزق لعشرات الباعة خلال العقود القليلة الماضية”.
وأضاف: “أُبلِغ عمال السوق -غالبيتهم من بائعي الخضار- بوجوب إخلاء السوق. لكنهم رفضوا لأنهم لا يملكون بديلاً، وبالتالي سيخسرون مصدر رزقهم، ليزداد أمراء الحرب من هيئة تحرير الشام ثراءً. لذا داهمت مجموعة مسلحة تابعة للهيئة واعتقلت عشرة أشخاص، ليتظاهر العمال بعد ذلك مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين، واستنكاراً لممارسات هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها”.
وتابع قائلاً: “يبدو أن حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام سيمضون قُدُمَاً في قرارهم، فمركز التسوق المُزمع إنشاؤه سيُبنى مكان السوق الشعبي وسيديره عدد من القادة البارزين في هيئة تحرير الشام. وسيكون مُلكاً لهم، وبالتالي لا أرى أن المتظاهرين سينجحون في منع المصيبة المُحدقة بأسباب عيش عشرات العائلات”.
وبعد المظاهرة، ساد التوتر مع محاولة هيئة تحرير الشام في اليوم التالي تهدئة الشارع عبر تبرير قرارها. فأصدرت إدارة المنطقة الشمالية التابعة لحكومة الإنقاذ بياناً في 29 تموز، تقول فيه: إنها ستنقل أكشاك بيع الخضار الى موقع آخر، بناءً على طلب أعيان وناشطي مدينة دارتعزة.
وبيَّنَت أنها تسعى لافتتاح ساحة عامة يمكن إقامة الفعاليات والاحتفالات الثورية فيها، منوِّهة إلى أنها لا تسعى إلا إلى تنظيم الأكشاك التي أُقيمت بشكل عشوائي وإلى إضفاء الجمال على منشآت المدينة.
وقال البيان: “عقدت الإدارة اجتماعاً مع المعترضين على القرار بحضور أعيان من المدينة، وأوضحت تفاصيل المشروع ووافقت جميع الأطراف على نقل السوق بعد أن يجهِّز المجلس المحلي الساحة”، مما يعني أن القرار سيُنفَّذ وأن العمال سيضطرون لإخلاء السوق.
وقال أحد أعيان المدينة بعد أن اشترط عدم ذكر اسمه: “تمارس هيئة تحرير الشام استبدادها في إدلب وريف حلب الغربي وتعمل -من خلال حكومة الإنقاذ- على مصادرة الممتلكات العامة ومساعدة قادتها على فرض السيطرة وتأسيس أعمالهم، غير آبِهة بالأذى الذي يسببونه للفقراء”.
وأضاف: “يُعدُّ السوق الشعبي في دارتعزة معلماً ثقافياً وتاريخياً للمدينة، ويعود تأسيسه إلى مئات السنين وهو أحد أقدم رموز المدينة، لكنه الآن سيُهدَم ليزيد ثلة من قادة هيئة تحرير الشام من ثرواتهم. والتبرير الذي ساقته إدارة المنطقة الشمالية غير صحيح؛ فإن كانت الغاية إضفاء لمسة من الجمال على المدينة كما يدَّعون، فبوسعهم تنظيم السوق بدلاً من حرمان الفقراء من مصدر رزقهم واعتقالهم في حال رفضوا إخلاء السوق”.
يستثمر قادة هيئة تحرير الشام أموالهم في أنشطة اقتصادية متنوعة، جُلُّها في مشاريع الإسكان نظراً للطلب المزايد عليها، إضافة الى الاستثمار في قطَّاع الترفيه مثل المطاعم والمقاهي والمتنزَّهات ومراكز التسوًّق، كما تمتد استثماراتهم الى تربية الدواجن والماشية، والمحاجر التي تُصنِّع مواد البناء، وتجارة السيَّارات، وتصريف العملات، وتحويل الأموال وتجارة الذهب. ومعظم الاستثمارات والمشاريع مملوكة لقادة هيئة تحرير الشام وينفِّذها وسطاء مُقرَّبون من القادة، يعملون كواجهات يتوارى وراءها المستثمرون الحقيقيون.
وصرَّح قيادي سابق في الجيش السوري الحر للمونيتور اشترط عدم الإعلان عن هويته بأنَّه: “بات أبو إبراهيم سلامة الذي شغل في السابق منصب أمير حلب في هيئة تحرير الشام الذراع اليمنى لأبي محمد الجولاني فيما يتعلق بمشاريع الاستثمار في إدلب.
حيث يدير سلامة اليوم شركة الراقي للبناء، التي استحوذت على المناطق وهضاب وجبال صخرية واسعة وملائمة لتصنيع مواد البناء في إدلب، على اعتبار أنها ملكية حكومية”.
وأضاف “يملك قادة الهيئة أيضاً مطعم بيت الكرم في إدلب ومطعم المدينة وعدة مطاعم ومقاهٍ أخرى، فضلاً عن مشاريع عدة في قطاع تربية الدواجن والماشية والزراعة وتجارة السيارات كما تستفيد الهيئة من تجار تابعين لها في تجارة الذهب والملابس والأسمدة والإسمنت، وغيرها من ضروب التجارة”.
وصرَّح عباس شريفة الباحث في مركز جسور للدراسات المتواجد في إسطنبول: “تحاول هيئة تحرير الشام فرض سيطرتها التامة على مصادر الثروة والأنشطة الاقتصادية في إدلب، مما يعطيها مزيداً من القوة والنفوذ، إذ إنها تعوِّل على بقائها بتنوَّع مصادر الدخل. كما تدعم هيئة تحرير الشام المشروعات التي تساهم بغسيل أموال قادتها الذين يتوارون وراء واجهات مدنية، غالبيتهم تجار مدنيون اعتادوا على إدارة مثل هذه المشروعات. كما تعتمد هيئة تحرير الشام على هؤلاء التجار للتملُّص من العقوبات الدولية التي قد تُفرَض عليها”.
كاتب المقال: خالد الخطيب
رابط المقال الأصلي من هنــــــــــــــــــا