الجماعات الجهادية والاستدارة الأمريكية نحو الشرق الأوسط

علاء العلي

0 2٬112

علاء العلي

 

يطلّ الرئيس الأمريكي جو بايدن بتصريحات سياسية تبرر قيامه بخطوة الانسحاب الشامل من أفغانستان وتسليمها لحركة طالبان العدوة التقليدية طوال العشرين سنة الماضية.

تصريحات بايدن المتناقضة رأى فيها أن حركة طالبان لم تغير من قناعتها كثيرًا، وبيّن أن خطرها قد انخفض إلى مستويات لا تُذكر مقارنةً بشر أعظم بات يظهر من سورية وإفريقيا، فما الذي يعنيه بايدن من خلف هذا التصريح؟

الانسحاب الأمريكي وما تبعه من خروج مُذل كان مصدر إهانة كما رآه الأمريكيون، إذ أظهر قوة طالبان في الميدان العسكري والسياسة، لكن الخطر ضد مصالح الأمريكيين من أفغانستان لم يتلاشَ باعتراف بايدن نفسه حين صرَّح بأن طالبان لم تتغير، وهذا يعني أنه هروب أمريكي نحو الأمام، يحاول فيه بايدن بهكذا طروحات للشارع الأمريكي توجيه أنظاره نحو سورية، حيث تعاظم النفوذ الروسي والإيراني على حسابه، وهذا يعني وجود استدارة أمريكية نحو الشرق الأوسط الذي باتت تصاغ فيه معادلات جديدة ترسمها قوى الإقليم.

آمنة حميدة.. من الكرسي المتحرك إلى معرض المنسوجات

تخفيف احتقان الشارع الأمريكي من طالبان وتصدير العدو الآخر كتنظيم داعش والقاعدة على سلم الأولويات في السياسة الأمريكية ما هو إلا تعويم وتبرير جديد يُعدُّ مدخلاً قانونيًا لاستدامة البقاء شرق سورية، وتدعيمًا لقوى حليفة كقوات سورية الديمقراطية (قسد)، التي باتت متخوفة من سيناريو أفغانستان مع حكومة أشرف غني.

 

تنظيم داعش الذي بات يشكل بعملياته المتصاعدة ضد روسيا في البادية السورية طوقًا قانونيًا تبرر فيه أمريكا وجودها واستثمارها في شرق الفرات، فروسيا ونظام دمشق اللذان يطالبان قوات التحالف على رأسها أمريكا بالخروج من سورية، يعيد هكذا تصريح من بايدن اللعبة لبداياتها، فالسبب موجود في الميدان ويكلف الروس خسائر شبه يومية تلجم روسيا عن إنكار هجمات التنظيم.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

يبقى تنظيم القاعدة العالمي لغز لم يحتج بوجوده بايدن في سورية، فالجماعات المبايعة لهذا التنظيم خلعت البيعة، بل تحورت لدرجة باتت تقبل بشراكة فصائل سورية لها في إدارة المناطق خارج حكم دمشق، فهيئة تحرير الشام بما تصدره للعالم من خلال المرئيات المتواترة، تؤكد سياسة عدم تشكيل مصدر تهديد للعالم انطلاقًا من مناطق نفوذها، بعكس فكر تنظيم قاعدة الجهاد العالمي، وهذا يشكل نقلة نوعية في نوعية الخطاب السياسي.

لا يخفى على أحد أن استحضار هذين التنظيمين وزجهما في بقعة ملتهبة كسورية يشكل مؤشرًا قويًا على تركيز إدارة بايدن على الملف السوري، فشماعة داعش والقاعدة هي ممر طبيعي تسلكه أمريكا لترتيب وصياغة حل يعيد تموضع الروس وإيران التي باتت تزعج الكيان الإسرائيلي، الذي بات يشكل مصدر إزعاج للأمريكيين.

 

أيام قاسية جدًا مقبلة على روسيا، فهذه الجماعات قادرة بشكل كبير على إغراق الروس في بادية الشام وضرب المصالح الروسية، ولأمريكا مصلحة متقاطعة في ذلك، فلا صدام روسي أمريكي مباشر يمكن أن يحدث، إذ ما زالت لغة الخطاب الرسمي متداولة، إلا أن الميدان يخالف ذلك، فالضغط الأمريكي سيجبر الروس في نهاية المطاف للبحث عن حلول تستطيع من خلالها النجاة من هذا المستنقع، وفرض الحلول السياسية وفقًا لما اعتمده مجلس الأمن وسط فشل ذريع لحكومة دمشق التي يعيث في أوساطها الفقر والجوع وأبسط مقومات الحياة، وكل ذلك يتطلب إرادة أمريكية حقيقية وإعلان الفشل الروسي الصريح يزيد من الإغراق في هذا البلد بالجماعات الجهادية تارة وبالعقوبات تارة أخرى.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط