علي سندة
من طبيعة العقل البشري الميل إلى الأرقام الصحيحة حتى في أمور العبادة والتوبة، فترى مَن يريد التوبة والبدء بالصلاة على سبيل المثال يقول: سأبدأ من أول الأسبوع القادم، ومَن يريد صيام رمضان ويتوب عن إفطاره وهو يعيش أيامه يقول سأصوم في رمضان القادم، حتى مَن يريد الإقلاع عن التدخين تراه يقول هذه آخر علبة سجائر أشتريها، وهكذا دأب كل من يريد الإقلاع عن أمر ذميم أو معصية، إذ تراه يُسوِّف ويماطل فيما يريد فعله ولا يبدأ من لحظة استشعاره المعصية أو الذنب أو الخطأ، كأنه يضمن لنفسه البقاء والعيش للوقت الذي يُسوِّفه، وهذا بالضبط عيب في النفس، وهو سيطرتها على الإنسان وجعله يميل إلى التسويف وتأجيل التوبة والمماطلة فيها، وذلك بتزيين أشياء مزيفة للإنسان، كالبدء في التوبة عندما تبدأ سنة جديدة، أو يأتي رمضان آخر، أو يأتي عيد آخر، أو يدخل أسبوع آخر ليبدأ الصلاة من أول الأسبوع…إلخ من التسويفات التي مردها إلى إشغال النفس عن الأمر الحسن مهما كان نوعه ليستمر في الباطل.
إن عيب النفس في التسليف والتأجيل مرتبط بعيب آخر هو ألفتها للخواطر الرديئة والرغبة في الخوض فيها وتجريبها، فما إن يُجرب الإنسان ما يوسوس له الشيطان فعله يغرق في ذلك الفعل، وعندما تظهر له شعلة النور والإيمان ويستشعر المعصية ويريد الخروج من فعله الرديء هنا تظهر آفة النفس في التسويف، فتجعله يؤجل ويماطل حتى يبقى في غيه ويستمر عليه.
إن مجرد تفكير النفس بما هو رديء قبل الوقوع فيه، علاجه يكون بابتعاد الإنسان عن المؤثرات التي تولِّد له ذلك التفكير كيلا تجذبه ويقع فيها فتستحوذ عليه، وكذلك بإمكانه إشغال النفس بذكر الله والتذكر بأن الله يعلم ويرى ما ظهر وما بطن، وعليه أن يتذكر أن الاستحياء والخوف من الله، إن همَّ الوقوع في فعل شائن، أولى وأشد ممّا سيقوله عنه الناس.
وأما التخلص من تسويف النفس ومماطلتها، فهذا لا يكون إلا بالعمل مجرد استشعار الذنب للتخلص منه، فالإنسان مُكلف بالعمل لقوله تعالى: “وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ” (التوبة 105)، وما إن يبدأ الإنسان بالعمل الصالح تألفه نفسه خاصة عندما يبدأ بتلمس حلاوته وجماله، إذ إن النفس تألف فطرتها للخير والعمل به.
أخيرًا إن الإنسان لا يضمن أن يعيش لثانية، والتسويف في الإقلاع عن الذنب لا يأتي على صاحبه سوى بالخسران والمزيد من المعاصي التي كلما طال أمدها في النفس استحكمت فيها وزجرتها عن التوبة، وكما أن المعصية بدأت دون تسويف فإن التوبة يجب أن تبدأ دون تسويف، والحمد لله رب العالمين.