القيم كمحرك للتغيير

أحمد وديع العبسي

0 1٬962

في عمليات التغيير الكبرى، خاصة كالتي تمرُّ بها منطقتنا، يصعب جدًا ضبط محركات التغيير التقليدية، أو لنقل أهم العوامل التي لها دور محوري في نجاح عملية التغيير، ويزداد الأمر تعقيدًا إذا كانت الثورة هي الأداة، فالثورات أدوات ترتكز بشكل أساسي على الفوضى، لا على حالة تنظيمية، والفوضى مهما كانت خلاقة فهي لن تصنع أي تغيير حقيقي، لكنها تفتح الاحتمالات كلها، وتتيح فرصًا لا متناهية لجميع المؤثرين في عملين التغيير، وهذا ما يجعل الصراع أكثر احتدامًا بين مختلف المشاريع التي تريد الاستفادة من حالة الفوضى هذه وسحبها باتجاه التغيير الذي ترغب به.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

هذا الصراع لا تحكمه فوضوية الثورة، إنما تحكمه موازين القوة والانضباط والتنظيم في كل مشروع من المشاريع المتنافسة، لذلك تبقى المشاريع المستندة إلى الحالة الثورية هي الأقل تماسكًا والأكثر عرضة للانهيار والهزيمة، أما الشعارات التي يرددها الثوار حول الصمود والتمسك بالثورة، فهي شعارات لن تحقق لهم سوى آلام في الحنجرة وبحة في الصوت بسبب الاستمرار في الصراخ، وسيتغنى المنتصرون في النهاية بهذه الشعارات ليصبحوا أصحاب النضال والثورة.

إن وضوح الأهداف وتحديدها الشديد أهم العوامل والمرتكزات التي يستند إليها نجاح عملية التغيير، وعندما تكون هذه الأهداف غير واضحة، أو غير متفق عليها تمامًا، تصبح عملية التغيير عبثية، وينقسم جمهور التغيير إلى أقسام عديدة لكل منهم أهدافه ووسائله في النضال، لذلك يبدون ضعفاء أمام الخصم، وهذا ما يحدث في الثورات عادةً، بل وتزداد الأمور تعقيدًا عندما يبدأ جمهور التغيير بالاصطدام بنفسه وترك العدو المشترك جانبًا، فكيف يمكن تجاوز هذه المعضلة؟!

القيم هنا هي الحل، فلا يمكن توحيد الأهداف وتحديدها بدقة في فضاء ثوري متعدد المشارب والغايات، لكن ما يمكن توحيده بسهولة أكبر هي الحوامل أو القيم، التي تجعل جمهور التغيير أكثر تماسكًا رغم اختلاف النتائج التي يتطلع إليها.

ما يميز القيم أن تكون حوامل مشتركة لأهداف كثيرة ومتعددة ومختلفة أحيانًا، خاصة أنها تنتج عن ثقافة مشتركة، وأرضيات مرجعيّة مشتركة، ففي الحالة السورية مثالاً هناك من يحارب النظام من أجل واقع معيشي أفضل، وهناك من يريد مشاركة سياسية، وهناك من يريد الوصول للسلطة، وهناك من يريد رفع الظلم عن الناس، وهناك من يرغب بإنهاء حالة التمييز الاجتماعي، ومن يرغب بتغيير الدستور..، لكن كل هؤلاء يجتمعون على قيم الحرية والعدالة، لأن هذه القيم هي حوامل أساسية لأهدافهم، وهي الطريق لتحقيقها، وهي أدوات تخلق المساواة في التنافس، لذلك فإن جمْع الناس على القيم، هو أسهل بكثير من جمعهم على الأهداف، وهو يحافظ على وحدة الصف مهما تغيرت الأهداف؛ لأن هذه القيم تعمل كمعايير أيضًا لتحقيق التغيير، فحتى عندما يتم التنازل عن بعض الأهداف، يكون التمسك بالقيم هو الطريق لتحقيقها فيما بعد، ممَّا يجعل الناس أكثر تقبًلاً للانتقالات المرحلية، وأكثر مرونة في فهم التغيير، وفي التمسك بتحقيقه عن طريق التركيز على القيم.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط