بوتين ومعركة اللاجئين السوريين

غسان الجمعة

0 1٬546

 

 

الآلاف من اللاجئين ظهروا على حدود أوروبا من الجانب البولندي البيلاروسي، ونُقلوا جواً إلى بيلاروسيا، التي تعدُّ دولة حبيسة لا تُشرف على محيطات أو بحار، ممَّا يعني أن إجراءات رسمية اتسمت بالتسهيلات لعبور الوافدين من قبل سلطات ذلك البلد، وهو ما تؤكده طريقة التعاطي مع ملف اللاجئين من قِبل بيلاروسيا.

لا تختلف بيلاروسيا في تبعيتها عن سورية للدب الروسي، فكلا البلدين يتم إدارتهما من قبل الكرملين، وأزمة اللاجئين الجديدة ليست توجهًا بيلاروسيًا محضًا، بل إن بوتين يقف خلف هذه الأزمة بعقليته البراغماتية المعهودة.

هذه العقلية التي نجحت في انتشال روسيا من أزماتها وتخليصها من إرثها السوفيتي المنهار والعودة بروسيا كدولة ندّ للغرب بروح قيصرية وأطماع إمبراطورية، تقوم على المواجهة غير المكتملة وغير المباشرة، التي قد تتنوع أماكنها وأزمنتها حسب الظروف المحيطة، وذلك بعيدًا عن الاستخدام التقليدي للقوة الصلبة العسكرية أو الاقتصادية، وخوض المعارك في مجالات أخرى أكثر تأثيرًا وأقل تكلفة، بل والخروج بيد نظيفة بريئة أمام المجتمع الدولي.

فالهجمات السيبرانية وحروب الجيل الخامس والاستثمار الضخم في الشركات الأمنية والإعلامية والمرونة والدقة في استخدام الأسلحة البيولوجية، بالإضافة إلى خلق الأزمات الاجتماعية والسياسية هي أسلحة بوتين المفضلة، فمشكلة اللاجئين يمكننا تناولها في الإطار السوري تحديدًا كون اللجوء السوري هو الأضخم في العقد الأخير، والروس هم من كان لهم دور الأكبر في ظهوره.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

فعلى الرغم من الإنكار الروسي للدور الذي تلعبه في أزمة اللاجئين على الحدود الأوروبية، إلا أن الأوربيين يعلمون طرق الابتزاز الخاصة ببوتين وكيف يفكر، لكن هل فكرنا نحن بإستراتيجية الأخير في استثمار ورقة اللاجئ السوري؟!

الظاهر للمتابع في ملف اللاجئين هو استمرار الدعوة الروسية إلى جانب النظام السوري بفتح المعابر أمام عودة اللاجئين والمطالبة الروسية المستمرة للدول الغربية بعدم تسيس هذا الملف حسب زعمهم.

إلا أن الحقيقة هي استمرار السياسة الروسية في دعم دموية النظام ترهيبًا لمن بقي ليهاجر، وتحذيرًا لمن هاجر أن يعود، بل إن فرض الأموال لدخول الأراضي السورية هو أمر ما كان ليمر دون ضوء أخضر روسي وخطط التهجير الجماعي نحو الشمال السوري، واستمرار التضيق على السوريين في مناطق الشريط، كلها سياسات تهدف لخدمة استمرار مشكلة اللاجئين.

وحتى الإعلانات المستمرة من قبل الدول الأخرى عن أهمية الحلول السلمية وضرورة عودة اللاجئين لتدفق أموال الإعمار، هي معادلة خاسرة بالنسبة إلى بوتين، فالضغط المستمر على المدنيين لإجبارهم على الهجرة في كل مكان يدخل في صميم سياسته، سواء في سورية أو ليبيا وحتى في إفريقيا وأواسط آسيا.

لقاء تركي-أمريكي لبحث عدة ملفات بينها الملف السوري

فعودة أي سوري إلى بلده تعني مزيدًا من العبء لحلفائه وخطرًا على مكتسباته، في حين إن بقاء اللاجئين في الدول الغربية يشكل فرصًا لزيادة التوتر والخلاف في بُنية تلك المجتمعات سياسيًا واجتماعيًا، فكلفة السماح بعودته مع أموال الإعمار أقل من كلفة تهجيره بالأسلحة الروسية؛ لذلك فإن كل الدعوات التي يطلقها الروس هي دعوات مخادعة وكاذبة هدفها تقنيع خبثهم بدعوات إنسانية.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط