فالحياة نبصرُها من خلال سكان العيون

نهى بيروتي

0 3٬127

جوفٌ فارغ، وعينان ميتَتان
وغرفةٌ خاوية
إلا من فتاةٍ بصورةِ ظلّ
تجلسُ في زاوية وحدتِها
تغزلُ الظلام شعرًا
لترقّع به روحَها التالفة

خيالٌ يقتحمُ خلوتها
تمتمتْ دون أن تنظرَ إليه:
لليلِ آذانٌ، وفقدُك كان فيها وقرًا، لا تبالي لدمع المتأوّه
ولا لحرف المستغيث

هي صماءُ، وأنا في كتاب الليل بطلةٌ دائمةُ التثاؤب
أتذكر حين قلت لكَ بأني
خائفة؟!
لم تفعل شيئًا حينها سوى أن أخذتَ رأسي إلى ترقوتِك ودفنتَه هناك
وأطلقتَ سراحَ شعري؛ لينسدلَ بانسياب جدول ماء
فما كان لعقدة قلبي إلا أن تنحلّ
برودة ملامحي جعلتكَ تضيّق ذراعيك أكثر
لتفسح المجال لروحي أن تتحررَ
أتذكر كلامك آنذاك؟!
همستَني بحنوّك المعتاد:
فتاتي…
مازال الوقت مبكرًا على الانهيار
مازالَ الطريقُ أمامك متوّردًا
لكن غيري من أسكنتِه عينيك
فالحياة نبصرُها من خلال سكان العيون

حينها هدأتْ ذات نفسي ورفعتُ عينيَّ لأبصركَ فرمشتا، كأنها تقول لك زدني…:
هنا
جعلتَ من جانبكَ الأيسر متكأً لرأسي الغبية وأخذت تلف خصال شعري على إصبعك الثاني…بحركة روتينية دائريّة اعتدتُ أن أفعلها أنا كلما انتبتني الحيرة واليأس
حدّقتَ بالفراغ وكأنك لا تعبأ بوجودي
صوتك الصارم اخترقَ ترقُّبي:

للقلب ماءٌ كما للوجه
وماءُ القلب حين يذهبُ لا يعود
ويصبحُ الإنسان والعدم سيّان

العطاءُ سمَة الحب
والحب لا يرتبط بسبب
أعطي بلا محدودية ولا سببية
فقط للرغبة بالعطاء لا أكثر

الحياة زهرة غاردينيا
تذبل إن لم تُسقَ بالأحلام

الغياب فاجعة لكنه حِبر جيّد
لرسم خارطة الطريق

الصمت خيّم علي، والهدوء ساد أركاني.
فشددتَ جذعك، وحثثتَني لأنهضَ وأجلس امام عينيك.
يداك ثانية تحاوط كفيّ
وعيناك تفيضان حنوًا مفتقدًا وحبًا أبويًا فضفاضًا
حدثتني:
أو إن شئت الدقةَ، رممّتَ بحديثك أجزائي المتهدمة:
“روح فقيدِك موطنُها بين ضلوعك، كل العالمين لديهم روحُ واحدة، أما أنت يا فتاتي فتملكينَ روحَين، حين تحتاجينها ستجدينها بجانبك لا تقلقي!
تذكري دائمًا، الموت لا يعني فناءَ الجسد، وإنما موتَ الأثر
وفقيدكِ حيّ ما دمتِ أنتِ على قيد الدرب سائرة
فاطمئني…)”

يدٌ بيضاء تسللتْ بهدوء فالتقطت آخر دمعة فرَّت من عينها
ربتت على كتفها
واختفى الخيال…!

بعد مرور عدة ساعات
فراشات بيضاء خرجت من نافذة الغرفة
وعطر ملأ الأفق
وفتاة يغطي وجهها كتاب ما
وعلى يديها أثار حبر وقليل من الشخبطة
وهي غارقة في نومٍ عميق….

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط