خطوة نحو انصاف الرجل

عبير علي حسن

892

كَثُرَ الحديث عن المرأة وطال النحيبُ، فدخل ملفُّها المحافلَ والمجامعَ بدايةً كأمنيةٍ واعدةٍ تحكي مطلبَ الحرية والمساواة مع الرجل، ليخرج كقضيةٍ عظمى تشتكي جميعَ أشكالِ الحياة معه.

لكلِّ إنسانٍ جانبٌ نفسيٌّ مظلم تديره النفس اﻷمّارة بالسوء، لكنّ أحدَ أبناءِ إبليس هو من يديرُ الجانبَ المظلم لدى المرأة، اﻷمر الذي يجعلها ظالمة بثوب مظلوم، ويجعل الرجل مظلوما بثوب ظالم، فكان المثل الشعبي القائل:(ضربني وبكى؛ سبقني واشتكى) ينطبق على النساء في طريقة تعاطيهنَّ مع الرجال.

لجوء المرأة إلى البكاء غالبا يكون النهاية لكل عاصفة خلافية أو مشادّة كلاميّة بينها وبين زوجها مهما كانت نتيجتها، وهذا موقف يشرح لنا الفكرة بوضوح : “قبل مجيئه إلى البيت حضَّرت له الغداء وجلسَتْ تنتظره، ولما دخل سلمَتْ عليه مرتين حتى أجابها، ثم أكل فكان الطعام كثير الملح فقال:(كثرةُ الملح ترفع ضغطي، يكفيني ما أعانيه خارج البيت، انتبهي أكثر في المرة القادمة) وسكتَ بعدها وتابع طعامه، إلا أنها لم تسكت وردت عليه قائلةً:(من لحظة وصولك وأنت غاضب، تقضي يومك بين أصدقائك ضاحكا وابتسامتك لا تقاسُ بشبرِ يدي، وما إن تطرق باب بيتك تقلب وجهك، سلّمْتُ عليك مرتين ولم تجبْ!

اسمع إذا كان طعامي لا يعجبك فاذهب إلى أمك، يدها ميزان لا تخطئ التقدير، آهٍ لو تعلم أنها ترمي الطعام في القمامة إذا بدا لها غير جيد وتعد غيره، لكنني لا أفعل مثلها فلا أعجبك، دعني أخبرك أن أختك يوم أمس نسيت الطعام على النار فأحرقته وزوجها لم يفتح فمه بحرف!

وجارتنا في الطابق اﻷخير وزوجة أبي صلاح صديقك وابنة عمتي مرام، جميعهنَّ كذلك). السيناريو اﻷول لتتمة هذا المشهد: سيرُدُ عليها غاضبا: (كفى، اغربي عن وجهي، لم أعد أريد الطعام، احمليه واذهبي)، ستبكي قائلة: (ما بك لم أقل شيئا، يا للظلم، يا للقسوة، كل النساء تحظى بزوج محب، إلا أنا إذا تكلمت بكلمة واحدة فقط قام علي مثل الأسد!). السيناريو الثاني: سيستمع إليها ويقطع طعامه ثم يرمقها بنظرات باردة ويذهب ليغسل يديه دون أن يرد، لكنها أيضا ستبكي، قائلة: (وكأنني لا أتكلم معه وكأنني غير موجودة، لا يعيرُني أيّ انتباه!) المشهد كما تراه هي، ظلمٌ وإجحافٌ في حقها، وكما يراه هو لسانٌ طويل وعدمُ تقدير، والحقيقة أنه لسان طويل وعدم تقدير، وهذا واحد من عدة مواقف حياتية متكررة، لها أشباه مقيتة كثيرة، لا يراعى فيها حقُّ الزوج أن يكون بيته سكنا لنفسه واطمئنانا لروحه، فمن لم يجد الراحة في بيته لن يجدها في أي مكان آخر، فأيُّ ظلمٍ أكبر من هذا؟!

ثم بعد كل ذلك نجد المحاضرات والمناظرات والقصائد والنثريات تتغنى بمظالم المرأة ومكابدتها، حتى الصحف العالمية والمحلية نجد دائما فيها زاوية مخصصة للمرأة تطرح فيها مشاكلها وتناقش احتياجاتها، والرجل لا تخصّصُ له زاوية كهذه، وهل للرجال مشاكل أصلا حتى يناقشوها؟! ربما ﻷنهم لا يبكون والنساء تفعل، فأصبح وصف التبلد والتحجر رفيقاً ملازماً لهم، وحظيت المرأة بوصف الرقة والإحساس، حتى صار يُخَيّلُ إلينا أنَّ القوة تكمن في بلادة الإحساس، والضعف يكمن في رقته، فلا مشاكل يعاني منها القوي ﻷنه لا يحس، وبالتالي الرجال لا مشاكل لهم، والتباكي أصبح للنساء دون الرجال!

وأظن أن البكاء ثاني أعظم حق حرم منه الرجل، ترتب على حرمانه أن يكون قاسيا وتنسب إليه الكثير من اﻷوصاف الظالمة والبعيدة عن حقيقته، لطالما صبر ووقف في مجابهة الحياة بفصولها الطبيعية اﻷربعة بحرِّها وبردها، وفصولها المعنوية اللامتناهية بين عسرٍ ويسرٍ، وأخفى دموعه وابتلع خيباته وتجرع مرارة قهره في تحصيل لقمة عيش عائلته، وتحمل القليل والكثير في مقابلة الناس ومقارعتهم خارج المنزل في سبيل تأمين متطلبات العائلة، ثم عاد إلى منزله كأن شيئا لم يكن! ليبدو لنا نحن من داخل منازلنا الدافئة أن كائنا من كان يستطيع أن يقوم بهذا، لاسيما وأنه واجبٌ عليه، لكن الحقيقة تنافي ذلك، فمن سمع مُتكِئاً ليس كمن رأى مُجابِهاً!

وإن خير ما يُقدَّم له هو الامتنان الصادق، فلا شيء أقدر منه بجعل الرجل أكثر حماسة وإصرارا على متابعة مسؤولياته دون تذمر وتململ وكراهية، ويليه الاحترام والتقدير مع ديمومة إشعار الرجل بهيبته، والاهتمام بمشاعره حتى لا يظن أنه لا يستطيع قهرك سوى بالزواج من امرأة ثانية، ﻷنه بالكاد وجد ما يجعل منه مهيوبا أمام جبروتك، فلا تجبريه على ذلك، وانصريه ظالما أو مظلوما، وتكاتفي معه ولو على نفسك، أغرقيه بالاحترام يغرقك بالحب، هذه هي المعادلة ببساطة أمرها لتعيشا علاقة ناجحة وحياة سعيدة ، فالرجل يدين بالإحسان كما تدين المرأة بالتسامح.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط