كيف يبدأ التغيير – تحريك القاعدة 2 (منجزات محددة دون اصطدام)

أحمد وديع العبسي

664

تحدثنا في المقالة السابقة عن الخطوة الأولى الأكثر أهمية، وهي حول ضرورة أن لا تكون الأهداف الكبيرة هي البوصلة بشكل منفصل، وإنما لا بدّ أن تختفي وراء العديد من الأهداف الصغيرة، التي تتجه نحو الهدف الكبير دون أن تستظل به، وهذا هو موضوع اليوم بالإضافة للحديث عن تجنب الاصطدام في ثلاث خطوات ستشتمل عليها هذه المقالة:

الخطوة الثانية: منجزات محددة ومتناهية ومرحلية

من الطبيعي أن تكون الخطوة الثانية عكس الأولى، فاعلية وجديّة مقابل الفوضى والأحلام، يجب أن يتم تحويل جميع ديناميكيات التغيير إلى خطوات محددة جداً ومتناهية جداً ومرحلية جداً، خاصة عندما تصاغ ضمن واقع متغيّر وغير مستقر، وعلى أرضية متأرجحة كالتي نقف عليها اليوم في قضيتنا السورية. ولا يجب ترك أي خطوة أو هدف مرحلي مفتوح للمتغيرات والزمن، لأن ما يصلح في وقت الصياغة قد لا يصلح بعد مرور وقت طويل أو حتى قصير نسبياً، لأن حجم التبدّل في الواقع والممكنات كبير، وبالتالي نحتاج إنجازات سريعة وحاسمة من أجل تحقيق مرتكزات يمكن الاستفادة منها والبناء عليها أو من خلالها، ولا ينفع أن نعلن فقط مجموعة مشاريع مفتوحة تشكل أنصاف منجزات لا يمكننا الاستفادة منها لأنها لم تستقر بما يكفي ولم نحقق هدفنا المرحلي منها.

ثم أن تحقيق المنجزات المرحلية تعطي شعوراً بالقوة والقدرة والحرية والكفاءة والدافعية لتحقيق المزيد من النجاح، بينما الهروب للأمام عبر مشاريع غير متكملة سيجعل الأمر أشبه بلعبة مراهنة تنتظر الحظ لا الخبرة.

إن الأهداف الكبيرة هي أهداف بعيدة نسبياً، والتعلّق بها يُضعف الاحساس بالتعثر، مما يؤدي إلى الوقوع في أخطاء قاتلة، أو الحياد عن الطريق.

فعندما تبدأ وعينك على النهاية، لا تبصر بوضوح الخطوة القادمة، غالباً ما تكونُ مشدوهاً ببريق آخر النفق، قد تضع قدمك على منزلق دون أن تشعر! فقط لأن إحساسك يقول لك: يجب أن تسير، … عبارات التنمية البشرية هذه قد توقعك في كارثة.

الأحاسيس لا تكفي في عملية التغيير، يجب أن تنظر أمامك، أن تختبر الخطوة القادمة وأن تكون عينك على الطريق وليس على النهاية، عليك أن تعرف أين تسير ومع من وفي أي طريق. خطط بحذر ولخطوات قصيرة ثم أعد التخطيط وهكذا … حتى تصل إلى وجهتك.

بدل أن تركز على النهاية يكفي أن تعرفها من أجل رسم الطريق اليها، وأترك التركيز ان دائما في الخطوة القادمة.

أخيراً المنجزات الصغيرة المتناهية والمحددة تأخذ موقعها الثابت في شبكة العلاقات المعقدة كأداة مجربة وقادرة على الفعل وكخبرة شخصية ويمكن تركيبها في أحد مرتكزات القاعدة لتسهم في تحريكها في اتجاهات مضمونة إلى حد كبير، ويمكن التبوء بقدراتها المستقبلية وردود أفعالها.

الخطوة الثالثة: تجنّب الاصطدام

عملية التغيير ينبغي أن تكون عملية مرنة، أشبه بالعمليات الإصلاحية بعيدة عن مفهوم التصادم، لأن أي صدام سيولد خسائر، والخسائر ستجعل مجموعات التغيير أضعف في كل مرة، خاصة عندما تتعامل مع بنية قائمة على القوة والبطش، وعند حدوث أي تغييرات ناتجة عن تصادمات قسرية، فأنه يجب التمسك المساحات الجديدة التي ولّدتها قوة التصادم كمكتسبات ومحركات دافعة للتغيير، وعدم التصادم من خلال هذه المكتسبات تحت أي ضغط من اجل الحفاظ عليها وعدم خسرانها، فهي أرواق التفاوض الجديدة، وهي أحد مرتكزات القوة المهمة.

الخطوة الرابعة: الاحتكاك بدلاً من الاصطدام

الاحتكاك يترك خدوش صغيرة، تمثل علامات الخبرة عند فريق التغيير دون أن تسبب خسائر لهم، وتترك أثرهم في البنية التي يراد تغييرها، هذا الأثر الذي يمثل التجارب التي يمكن العودة إليها لمعرفة جدوى الخطوات القادمة، طبعاً المقصود بالاحتكاك في سياق شبيه بالسياق السوري، هو مثلاً المشاركة بالعملية السياسية، تكثيف الاتصالات مع جهات يمكن الحديث إليها عند النظام وحلفائه، المناوشات العسكرية قصيرة المدى في مناطق من الصعب أن تتعرض للمواجهة المباشرة، الذهاب بعيداً في خطوات خارج الصندوق دون التفريط بالمطالب الأساسية لعملية التغيير، مثلاً اتفاق بخصوص المياه أو النفط، اللقاءات غير السياسية، في المجال الإنساني مثلاً خارج الحدود بهدف جمع معلومات حقيقية عن الواقع الذي يعيشه العدو … وغير ذلك بما يناسب المرحلة. وهذه نقطة مهمة، لأن الاستراتيجية التي تسير بها عمليات الاحتكاك هي ضمن المنجزات المرحلية المتناهية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط