الأيغور (التركستان) في سورية

341

لا يُعتبر الحزب الإسلامي التركستاني طرفًا رئيسًا في الحرب السورية، بل إن الكثيرين لا يعرفون عنه شيئًا ولا يعرفونه أصلًا، وخاصة في الإعلام، فقد تعمد الحزب إبقاء نفسه – ما أمكن – بعيدًا عن دائرة الضوء، التي استحوذت عليها فصائل جهادية أخرى كهيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة، لكن المتتبع لتفاصيل الحرب يدرك دوره وأهميته، والخصوصية التي يتمتع بها.

الأيغور قومية من آسيا الوسطى ناطقة باللغة التركية تعتنق الإسلام، يعيش أغلبها في إقليم شينجيانج الذي كان يسمى تركستان الشرقية قبل ضمه من قبل الصين، نالت تركستان الشرقية استقلالها عام 1944، ولكن بعد ثورة 1949 في الصين وإعلان قيام الشيوعية قامت الصين بضمها إليها واعتبارها مقاطعة صينية، وهي غنية بالنفط والغاز الطبيعي وخامات اليورانيوم والموارد الطبيعية مقارنة ببقية مناطق الصين الشرقية.

والجدير بالذكر أنه في القرون السابقة كان المسلمون متعايشين مع المجتمع الصيني والتبت والبوذيين والديانات الأخرى بشكل سلميّ دون مشاكل دينية أو سياسية، لكن الشيوعية اضطهدت المسلمين الأيغور بشكل غير مسبوق، وخصوصًا في الثلاثين سنة الأخيرة، مما اضطر الأمم المتحدة إلى إدانة تلك الانتهاكات.

رحلة الوصول إلى سوريا

رغم أن إقليم شينجيانج الصيني يبعد عن سوريا أكثر من 20 ألف كيلومتر، إلا أن أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل معظمهم اصطحبوا عائلاتهم معهم، جاؤوا منه إلى سوريا خلال السنوات الماضية، مع استمرار تضييق السلطات الصينية على السكان، وفرضها مؤخرًا قائمة محظورات تتعلق بالحد من ممارسة الأيغور لحقوقهم الثقافية، وتراقب الصين بعين حذرة هجرة الأيغور إلى سوريا، وتكثف استخباراتها عبر “مكتب التعاون العسكري الدولي” من أجل ملاحقة أفراد “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا، وتقدم في سبيل ذلك دعمًا متزايدًا للنظام السوري.

بعد تطور الثورة السورية وانتقالها من السلمية إلى المواجهة المسلحة، بدأت رحلة هؤلاء إلى سوريا في عام 2012، إذ جاء في البداية المقاتلون السابقون في صفوف القاعدة من الأيغور في أفغانستان، ولعبوا دورًا كبيرًا في تشجيع المزيد من أبناء جلدتهم على المجيء إلى سوريا عبر دول مثل تايلاند وماليزيا وإندونيسيا، وحطوا الرحال في تركيا، وساعدهم عامل اللغة في سهولة الانتقال إلى سوريا كونهم يتحدثون اللغة التركية.

والمميز في هجرات الأيغور إلى سوريا، أنها لم تعد هجرة لمقاتلين أفراد، بل تحولت إلى هجرة عائلات بأكملها، وتبلغ كلفة الرحلة في ذلك الوقت 3000 دولار للشخص الواحد، إذا كان المُهاجر مواطنا عادياً، في حين يصل المبلغ إلى 9 آلاف دولار إذا ما كان المُهاجر مطلوبًا للسلطات الصينية، ويمرّ الأيغور في رحلتهم بثلاثة بلدان رئيسية هي قرغيزستان وأوزباكستان وصولًا إلى أذربيجان، حيث يصبح التنقل أيسر وأسهل في رحلة تبلغ مدتها من شهرين إلى تسعة شهور، بعض العائلات تتجنب جلب النساء الحوامل خلال الرحلة، لنقص الرعاية الصحية على الطريق، وفي حال الولادة يبقى الأطفال من دون أوراق ثبوتية، ما يتطلب دفع مزيد من التكاليف، وينتهي المطاف بأغلب المهاجرين الأيغور في تركيا، ومنها يدخلون إلى سوريا، من معابر غير رسمية، أو عبر التهريب من القرى الحدودية.

الدوافع والأسباب:

ثمة عوامل أيديولوجية دفعت بعض المتطوعين من الأيغور للانتقال من دول آسيا إلى سورية، وهم من المؤمنين بالسلفية الجهادية العابرة للحدود نتيجة نشاط الدعاة السلفيين من قيادات الحزب التركستاني، وحضهم الشباب على الجهاد في سورية التي تشهد اضطرابات.

وقد لعبت الآلة الإعلامية، التابعة لنظام الأسد” دورًا مهمًّا في تغذية الصراع، من خلال ترويج صور وفيديوهات على مواقع التواصل، يظهر فيه (الكفر) الصريح لعناصر الجيش السوري، حيث أظهرت بعص الصور ومقاطع فيديو كتابة جملة “لا إله إلا بشار الأسد”،  وفيديو مخيم الرمل الشهير الذي ظهر فيه تعذيب شخص وإجباره على قول “لا إله إلا بشار الأسد”، وفيديو دفن مواطن سوري حيًّا والطلب منه أن يكرر نفس الكلام.

وهذا يعني أن نظام الأسد أراد استفزاز السنة ودفعهم نحو التنظيمات الجهادية، تزامنًا مع إطلاق سراح الجهاديين من السجون استكمالًا لاستراتيجيته الطائفية، علاوةً على الحرب التي شنها “حزب الله الشيعي اللبناني” ضد المناطق السنية في القصير والقلمون الغربي فكانت محرضًا كبيرًا للجهاديين، عندما صورت إيران انتصار حزب الله في الحملة على منطقة القصير، كنصر للشيعة في الحرب ضد السنة، مما أثار ردود أفعال قوية في العالم الإسلامي السني.

كما استثمر الجهاديون استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية ضد المناطق ذات الأغلبية السنية، في أن السنة يتعرضون إلى حملة إبادة يقوم بها “الجيش النصيري”، وهذا ما دفع آلاف المتطوعين من الحزب الإسلامي التركستاني إلى الانتقال إلى سوريا.

 

خريطة التوزع

انتشر الأيغور في مناطق ممتدة من مدينة جسر الشغور وريفها الغربي حتى جبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية الشمالي بالإضافة لسهل الغاب، تشمل مناطق حدودية مع لواء إسكندرون، حيث كانت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أقدمت على إعطاء التركستان عددًا من القرى كانت جبهة النصرة قد سيطرت عليها سابقًا، حيث قدمت هذه القرى كـ “عربون صداقة” بين التركستان والهيئة بذلك الوقت، وهي قرى الزنبقي وكترين وشندريش وغيرها، وتعد قريتا الزنبقي وكترين الجبليتين آمنتين بالنسبة للتركستان إذ يقيهما وقوعهما ضمن المنطقة الحدودية مع تركيا من الضربات الجوية والاستهدافات، على النقيض من ذلك تقع شندريش قرب معسكرات أخرى للتركستان تعرضت لعشرات الغارات من قبل الطائرات السورية والروسية.

ولجأ بعض الأيغور في مطلع العام 2017 إلى مدينة إدلب مع أسرهم، واتخذوا من منازل مهجورة لموالي النظام مكانًا لهم، أضف إلى ذلك انتشارهم في جبل السماق، وهي منطقة ذات أغلبية درزية، لم يتركها أهلها.

وبحسب مصادر عسكرية؛ فإن جميع الأيغور يشاركون في جبهات عسكرية عند الحاجة بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام وتحت لواء (الحزب التركستاني الإسلامي) المستقل فعلياً عن أي فصيل عسكري آخر في سورية، واكتسب مقاتلو الحزب احترام جميع الفئات السورية المعارضة بسبب أدائهم الجيد في ساحات المعارك، وفي العديد منها لعبوا دور رأس الحربة، مما أكسبهم هيبة لدى أعدائهم من جيش النظام وحلفائه، وباتوا يتحاشون مواجهته في كثير من الأحيان.

الأيغور وداعش:

مع بدء ظهور تنظيم “داعش” التزم الحزب التركستاني الحياد، الأمر الذي تسبب بداية بانشقاقات طفيفة في صفوف مقاتلي الحزب، حيث انضم قسم منهم إلى القتال إلى جانب تنظيم “داعش”، في حين رفض آخرون ذلك الأمر، مما دفع قيادة الحزب إلى إرسال وفد خاص زار مدينة الرقة نهاية العام 2014، وفق تأكيد مصدر “جهادي” حيث عقد اجتماعًا مطولًا مع قادة تنظيم “داعش” في مبنى محافظة مدينة الرقة، دون أن تُسرَّب أية معلومات دقيقة عن فحوى الاجتماع ونتائجه.

بعد الاجتماع، غادر قسم من مقاتلي الحزب التركستاني مدينة الرقة نحو ريف حماة، في حين انصهر آخرون في صفوف تنظيم “داعش” وبايعوه.

وجاء الموقف الرسمي من رأس الهرم في “الإسلامي التركستاني”، حين بثت وحدة الإعلام في الحزب، لقاءً مصورًا مع أميره عبد الحق التركستاني، وفيه أعلن عدم شرعية خلافة تنظيم “الدولة”، ودعوته للعمل من أجل “قيام خلافة إسلامية وفق شروطها الشرعية والسياسية الصحيحة”،

وبينما تجاهل تنظيم “الدولة” هذا الموقف الذي احتفى به أنصار “القاعدة”، اعتبر الكثيرون أنه موقف يأتي في سياق التعبئة التي يقوم بها تنظيم “القاعدة” بمواجهة تنظيم “الدولة” على الساحة الجهادية، هذه التعبئة التي حققت فيها القاعدة نجاحات معقولةً، توجت في ذلك الوقت بتجنب التحالف محاربة القاعدة في سورية، وانهاء داعش بدرجة كبيرة.

الأيغور وهيئة تحرير الشام

يقول أحد قادة هيئة تحرير الشام: (لقد لاحقنا خلايا تنظيم الدولة الإسلامية بشكل منهجي في إدلب، ولهذا السبب لم نعد نشهد هجومًا لتنظيم الدولة في إدلب، كما أننا احتوينا حُراس الدين، الذين تربطنا بهم علاقة معقدة، وأخذنا منهم تعهدًا ألا يستخدموا سوريا كنقطة انطلاق للجهاد الخارجي والاعتراف بحكومة الإنقاذ، وحتى الآن، التزموا بهذه التعهدات، فيما يتعلق بما تصفونه بأصوات متشددة داخل هيئة تحرير الشام، فقد أظهرنا مرة بعد مرة بأننا كلما توصلنا إلى قرار حول أمر ما، فإن الجميع يلتزم بقرار القيادة، بالنسبة للحزب الإسلامي التركستاني، تبدو الأمور مختلفة قليلًا. فهؤلاء موجودون في سوريا منذ سنوات ولم يشكلوا تهديدًا للعالم الخارجي، إنهم ملتزمون حصرًا بالدفاع عن إدلب ضد اعتداءات النظام، وكونهم من الأيغور، فإنهم يواجهون الاضطهاد في الصين – الذي ندينه بشدة – وليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، أنا بالطبع أتعاطف معهم؛ لكن صراعهم في الصين ليس صراعنا، ولذلك نقول لهم إننا نرحب بهم هنا طالما التزموا بقواعدنا، وكذلك يفعلون.)

ولكن الواضح أن “هيئة تحرير الشام” تعتبر “الحزب الإسلامي التركستاني” شريكًا استراتيجيًّا في المنطقة، خاصةً بعد دعمه لها في السيطرة على محافظة إدلب وريفها، حيث استفادت من الحزب في جميع معاركها ضد فصائل الجيش الحر وأحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي، قبل أن تحوله إلى “حصان طروادة” الذي يتم من خلاله تفكيك كل مجموعة تنوي الهيئة القضاء عليها، باعتباره العصا الناعمة للجولاني زعيم تحرير الشام قبل استخدام القوة الغليظة، ولعل هذا يفسر لماذا يحافظ الجولاني على الحزب التركستاني “الجهادي” في إدلب رغم تصفيته لجميع الفصائل.

الحزب الإسلامي التركستاني: الموقف من الثورة – العقيدة القتالية

تلقفت “حركة أحرار الشام” الأيغور واحتضنتهم بشكل كبير فاستفادت من خبراتهم، إلا أن مشكلات تتعلق بتبعية المقاتلين للحزب وأخرى تتعلق بلغتهم حالت دون انصهارهم في صفوف “الحركة”، مع مرور الوقت، أعلنت قيادة الحزب ولادة فرع لها في سوريا بشكل رسمي حمل اسم “الحزب الإسلامي التركستاني في بلاد الشام” بعد أن كان مجرد “تطوع جهادي لنصرة أهل الشام”، الأمر الذي يفسر إصرار مقاتلي الحزب على العمل بشكل منفرد ورفض الاندماج الكامل في صفوف أي فصيل “جهادي” آخر في سوريا.

وكان الظهور الأبرز للحزب في تموز2017 إذ أجرى استعراضًا عسكريًّا مهيبًا في جسر الشغور في مشهد أثار ذهول السكان المحليين، إلا أنها كانت الخطوة الأولى والأخيرة، ولعل الحزب اضطر إليها في مرحلة ما.

اقتصر تفاعل “الحزب الإسلامي التركستاني” مع المدنيين على توزيع مجلة الحزب “تركستان الإسلامية” الصادرة باللغة العربية، الهدف الأساسي للمطبوعة هو تسليط الضوء على القمع الصيني للمعارضين الأيغور في إقليم شينجيانج وخارجه، فضلاً عن فرض سياسات الاندماج الثقافي والديني عليهم، وإلى جانب قصص “شهداء” الحزب الإسلامي التركستاني والمقالات الجهادية، تتطرق المقالات إلى تاريخ المنطقة والأخبار الراهنة عن نضال التركستان ضد الحكومة الصينية، هذا الالتزام على صعيدَي الأرض والانتماء يُميّز الحزب الإسلامي التركستاني.

وما يُميَّز الحزب الإسلامي التركستاني عن القاعدة وتنظيم الدولة أن الأيغور لا يُشاركون التنظيمين سياساتهما التكفيرية المُثيرة للفرقة الداخلية، ولا ازدراءهما للسياسة والتاريخ القوميين الحديثين للشعوب، حتى أن مشاركتهم في القتال ضد النظام السوري تُؤطَّر في معظم الأحيان، على شكل تدخل موجَّه ضد نظام حليف للصين في المنطقة، وشعارهم كما يرد في مجلة “تركستان الإسلامية” هو: “نحن جماعة من العاملين للإسلام والمجاهدين في سبيل الله من أجل تحرير تركستان الشرقية”.

مصادر التمويل للحزب الإسلامي التركستاني:

يدور حديث على نطاق واسع، أن الحكومة التركية تدعم أو تسهل وصول الدعم والإمدادات إلى مقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا، حيث يعيش أكثر من عشرين ألف لاجئ أيغوري مع عائلاتهم في تركيا، كما أن هناك جمعيات خيرية تابعة لهم.

يقول المقربون من الحزب: إن “مقاتليه المعروفين بشراستهم وشدة بأسهم، يعتمدون بشكل كامل على ما يغنمونه من المعارك ضد قوات النظام، فبعد أن وصلوا إلى سوريا كانوا لا يملكون سوى بنادقهم”، ولكن بعد تضييق الحكومة التركية على التنظيم التركستاني وتوقف العمليات العسكرية، فرض التنظيم مبالغ مالية على صيادي السمك في منطقة سهل الغاب لقاء فتح بوابات السد، ويتراوح المبلغ بين 150-250 دولار على كل بوابة.

وتعد محطة “زيزون” من أكبر عمليات الغنيمة بالنسبة إلى الحزب، حيث كانت إحدى المحطات الحرارية في الشمال، وتعرضت إلى تفكيك شبه كامل في المولدات والأثاث والأجهزة، وباعتها الفصائل في مناطق عدة، دون أي رادع، وإضافة إلى “محطة زيزون” فإن العديد من القاطرات والرافعات الثقيلة كانت تحمل قبل أشهر، قطع سكة الحديد ” اللاذقية-حلب” في محطة “جسر الشغور”، تم تفكيكها بشكل شبه كامل، سبق ذلك تفكيك محطة “محمبل” والخط الواصل بين جسر الشغور واشتبرق على طول أكثر من 30 كم، وبيعها لصالح بعض الفصائل التي تسيطر على المنطقة عن طريق التجار.

ولا ننسى أموال الداعية السلفي الجهادي المحيسني التي جاءت من بعض المصادر السلفية الخليجية وفاضت على الفصائل الموجودة في ريف اللاذقية حينها، وكان للتركستان نصيب الأسد، إذ وجد المحيسني في الفصيل المقرب من تركيا والشرس في الميدان “سنداً” قوياً له في مشروعه، خصوصاً أن معظم المقاتلين الذين وصلوا بداية كانوا فقراء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، تفرغ المحيسني لتجهيز عدد كبير منهم، وتأمين تكاليف استقدام بعض القياديين، فكسب بذلك ود مقاتلين شرسين في الميدان، مهدوا له فيما بعد الطريق إلى التوسع في إدلب ومناطق شمال سوريا.

الانتشار ومناطق النفوذ الحالية للحزب الإسلامي التركستاني:

تعاظم تواجد الحزب الإسلامي التركستاني في منطقة جسر الشغور منذ عام 2015، بالتعاون مع “هيئة تحرير الشام”، التي دعمت التنظيم وقدّمت له الإرشاد والتوجيه لدى وصوله إلى إدلب، وساعدته على الاستقرار في هذه المنطقة.

وبحسب سكّان جسر الشغور “بنى الأيغور المعروفون محليًّا باسم التركستان سُمعةً طيبةً بامتناعهم عن التدخل في شؤون الناس، فعلى عكس بقية القوى الإسلامية، لا يفرض الحزب الإسلامي التركستاني الشريعة الإسلامية، ولا يجبي الضرائب من الناس”، ووفقًا لأحد سكّان إدلب، فإن التركستان، “معروف عنهم أنهم يهتمون فقط بشؤونهم الخاصة”، لافتًا إلى أن هذا الأمر جعلهم موضع قبول أكبر من قبل السكان المحليين بالمقارنة مع الجهاديين القادمين من شمال أفريقيا والذين يشتهرون بأساليبهم الصارمة والمتشددة في التعامل مع المدنيين.

سعى الأيغور في بداية توافدهم إلى سوريا للاندماج مع المجتمع السوري، بالاعتماد على علاقاتهم الجيدة مع القوى التركمانية في سوريا والزواج من نساء سوريات لضمان استقرارهم، لكن عدم تمكنهم من الحديث باللغة العربية أدى إلى انكفائهم من حيث منطقة السكن والتعامل اليومي، وتشكيلهم مجتمعًا مصغرًا يستند إلى قاعدتين رئيسيّتين هما العرق واللغة، ويعلمون أطفالهم القرآن واللغة العربية في المساجد كي يصبحوا أكثر قربًا من المجتمع المحلي، ومعظم مهاجري الأيغور في سوريا هم في الأصل ريفيون من غير سكان المدن الكبرى في إقليم شينجيانج.

ويشكّل المقاتلون المحليون الذين انضموا للتنظيم مصدرًا إضافيًّا لقوته، حيث تمكن من استقطاب العديد من المقاتلين السوريين، لكن الصورة ليست بهذه المثالية، فقد شهد العام 2022 انشقاق السوريين عن الحزب أو قسم كبير منهم، وهو الذي رفض مرارًا تجنيدهم قبل أن يبدأ بذلك في 2018، وعلاوة على ذلك،  فقد نفى “الحزب الإسلامي التركستاني” تحرشه بالطائفة الدرزية في إدلب، فالمشكلة الاجتماعية موجودة إذن، ولكن على نطاق محدود.

العلاقات مع تركيا ومع فصائل الثورة:

كان تضامن الدولة التركية مع نضال الأيغور ضد سياسات الاندماج الصينية، جزءًا من السياسة التركية الداخلية، وهذا يفسّر وجود عدد كبير من الأيغور في تركيا.

لكن إبَّان وفاة عيسى يوسف ألتبكين في العام 1995، وهو معارض أيغوري مرموق كان يعيش آنذاك في تركيا، تراجع هذا الدعم مع تحسّن العلاقات الصينية-التركية، وتحوّلت ألمانيا إلى الوجهة الأساسية للنشطاء الأيغور.

وفي نفس العام 1995 ظهرت شخصية “رجب طيب أردوغان” الذي كان آنذاك عمدة إسطنبول، وتم إطلاق اسم ألبتكين على أحد الأقسام في جامع السلطان أحمد في المدينة، معلنًا: “ليست تركستان الشرقية موطن التُرك وحسب، إنما أيضًا مهد التاريخ والحضارة والثقافة الخاصة بالشعوب التركية، تَناسي هذا الأمر يؤدّي إلى جهل تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا، شهداء تركستان الشرقية هم شهداؤنا، اليوم يجري العمل بصورة منهجية على فرض الطابع الصيني على ثقافة أبناء تركستان الشرقية”، هذا التعاطف الرسمي والشعبي التركي، ساعدهم في سهولة الانتقال من تركيا إلى سوريا.

تمتع الفصيل في سوريا بعلاقات “طيبة” مع معظم الفصائل الأخرى، مع احترام رغبته بعدم التبعية لأي جهة بعينها (فضل المقاتلون الأيغور أن تبقى التبعية لقيادة الحزب التركستاني)، خصوصًا وأن مقاتليه اختاروا دومًا القتال في الصفوف المتقدمة في معظم “الغزوات”، كما حاولوا الابتعاد عن الاقتتالات الداخلية المنتشرة بين التنظيمات المتشددة، خصوصًا “جبهة النصرة وأحرار الشام”، ورفض مقاتلو الحزب التركستاني مقترحات جبهة النصرة للاندماج معها، وأعلنوا عدة مرات أنهم قدموا لقتال النظام فقط، وأنهم على عداوة مع تنظيم داعش.

ولا ريب أن الأمر اختلف بعد تصفية الفصائل الثورية والجهادية في إدلب، وكذلك الشخصيات المتشددة في (النصرة)، ولكن الثابت أن العلاقة وطيدة مع أحرار الشام، وهي وإن كانت وثيقةً مع هيئة تحرير الشام، ولكنها مشروطة، ولعل هذا يرسم الأفق للأيغور أو يساهم في ذلك.

الوجهة القادمة بعد الحل في سورية:

ليس واضحًا ماذا يخبّئ المستقبل للتنظيم ومقاتليه الذين يتمتعون بدرجة عالية من التدريب على الرغم من أن تورّط الحزب المزعوم في تفجير السفارة الصينية في بيشكيك، عاصمة قيرغيزستان، العام الماضي، يستبعد قليلًا فرضية العودة، لكن هذا الخيار هو المتداول دائمًا، برغم ما أسلفنا من دلالة الحضور على شكل عائلات إلى سوريا وما يعنيه من محاولة الاستقرار.

وتصنف معظم الدول الحزبَ كمنظمة إرهابية، حيث أعلنته موسكو تنظيمًا محظورًا منذ عام 2006، وهو ما يتسق وموقف الصين، التي تنظر إلى أعضائه باعتبارهم “إرهابيين انفصاليين”، كما تعتبره واشنطن “ذراع طالبان”، حيث أعلنته الإدارة الأميركية في العام 2009 “جماعة إرهابية”، بينما أدرجته “الأمم المتحدة” على قائمة المنظمات الإرهابية، بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، لكن وفي عام 2020 قررت واشنطن رفع “حركة تركستان الشرقية” من قائمتها للمنظمات الإرهابية، في إشارة إلى الاستياء الأميركي من أساليب الصين القمعية تجاه أقلية الأيغور المسلمة في إقليم شينجانج الذي يتمتع بالحكم الذاتي، وهو أي القرار في حقيقته ليس إلا أحد أدوات الحرب الباردة بين واشنطن وبيجين.

ولا يمكن ربط مجيء الأيغور بفكرة الوطن البديل، في ظل سيل التصريحات التي يطلقها قادتهم عن حلم العودة إلى شينجيانج، ولكن حضور العائلات لا يقول هذا، ورغم أن الكثيرين يعتبرون تجربة الفرع في سوريا امتدادًا لأصله في أفغانستان، إلا أن الوقائع تحكي عن تجاوز الفكرة الجهادية إلى مرحلة الوطن البديل، ويزيد المقولة حضورًا القمع الصيني المتزايد للصينيين عامة بعد أحداث 1989 والأيغور خاصة بعد تأسيس الحزب الإسلامي التركستاني في أفغانستان 1993.

وهنا أيضًا علينا أخذ التطور الأفغاني الكبير خلال السنة الماضية في الاعتبار، فمنذ ظهور “الإسلامي التركستاني” عام 2015، وحتى صيف العام الماضي، كان وجود المقاتلين التركستان على الأراضي الأفغانية ضعيفًا، لاسيما مع غياب العتاد وفي ظل الاحتلال الأميركي والضربات العسكرية.

الآن تعود الساحة الأفغانية بقوة ومعها فرص عديدة، أفغانستان دولة مجاورة لتركستان الشرقية (ولاية شينجيانج وفقًا للتسمية الرسمية الصينية)، تحكمها اليوم حركة لديها علاقة مديدة مع المقاتلين التركستان الذين بايعوها.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط