مقاربات النظام السوري لكسر عزلته

غسان الجمعة

3٬572

اصطدم قطار التطبيع لبعض الدول العربية مع النظام السوري بعقبات سياسية من دول أخرى في الجامعة العربية، وبدأت حسابات الأطراف الخاصة “الوطنية” تطفو إلى السطح أمام إعادة تعويمه في إطار المنظومة العربية والأنباء عن تشكيل لجنة عقب لقاء جدة التشاوري حول متابعة التطبيع مع الأسد يكشف حجم الصعوبات التي تعترض هذا المسار في المناخ السياسي المتقلب والمعقد إقليمياً ودولياً وهو ما يخلق إشكاليّة لدى النظام السوري في جدوى تحقيق (صُلحة العرب) التي ينشدها بدعمٍ إماراتي روسي.

ولأن السياسية تعتمد على الوقائع، فإن النظام السوري لا يملك من واقعه الحالي شيئاً ليعطيه وإن كانت الدول العربية تطلب منه اليوم حلولاً سياسية هي في طبيعتها حقوق، فإن النظام السوري ليس لديه الإرادة والقدرة لتقديمها، وخلافاً لهذا المنطق فإن الأجدى له طرحها بصيغة دولية وليس عربية فقط عن طريق التفاوض أو التسوية وعندها ستكون صلحة العرب تحصيل حاصل كما يقال.

الاشتباكات في السودان تودي بحياة 11 سورياً

لذلك فإن النظام السوري وجد نفسه مجدداً في دائرة مطالب عقيمة لأسبابه الذاتية كنظام سياسي تحكمه ظروف وحسابات تفرض على نهجه في التعاطي مع المشهد السوري البحث عن خيارات جديدة تمكنه من المراوغة على المدى المنظور على أقل تقدير والمراهنة على متغيرات إقليمية ودولية جديدة.

المساكنة السياسية المبنية على المصالح في إطار تجاهل قوانيين العقوبات الغربية وضرورة تحقيق التوافق الجماعي العربي هو أبرز الحلول التي يمكن أن يعتمد عليها النظام السوري، من خلال التطبيع الثنائي مع الدول العربية الراغبة بتجاوز هذه القواعد سيما وأن للدول العربية دوافعَ وقدراتٍ متباينة لتحقيق التطبيع وهذا الأمر ينطبق على النظام السوري فليست كل الدول على سوية واحدة من الأهمية والتأثير في الملف السوري.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب  اضغط هنا

فقضية اللاجئين وظروف الحل السياسي والوجود الإيراني هي قضايا بالأصل تحمل طابعاً دولياً وليست تحدياتٍ مشتركة للمنظومة العربية من الناحية العملية فهي نسبية بين دولة وأخرى من حيث التحديات والحلول والأولوية.

ومن جانب آخر تعتبر القدس والكبتاغون تجارة رابحة للنظام السوري وفي السابق نصح حافظ الأسد أحد الساسة اللبنانيين خلال الحرب الأهلية بهذه السياسة بقوله “ضع فلسطين على لسانك وشفتيك وافعل ما تريد” وليس بعيداً عن ذلك ما يفعله اليوم بشار الأسد فالقضية الفلسطينية هي الرقم الذي لا يمكن المزاودة عليه في بازارات السياسة والشماعة التي يعلق عليها مواقفه بكلفة صفر على مبدأ أن المقاومة قد لا تُغني كما التطبيع لكنها تستر.

فلسطين ومحور الممانعة هي رافعة النظام السوري للوجود الإيراني وميليشياته أمام هواجس بعض الدول العربية وتسمح للنظام السوري بالإمساك بطرف أحد القضايا التي تحظى بشرعية دولية واهتمام عربي لذلك فإنها طريق مختصر لبناء علاقات متبادلة مع العديد من العواصم العربية.

من جهة أخرى يمتلك النظام السوري أوراقاً عديدة للضغط على الدول العربية في حال فشل مسار التطبيع الجماعي من خلال استغلال البعد الإنساني في مسائل اللجوء والمساعدات، أضف إلى ذلك تحويل سورية لبؤرة تصنيع وتهريب للكبتاغون حسب تقارير استخباراتية وصحفية دولية وهو ما يوفر للنظام السوري أموالاً ويشكل تحدياً أمنياً للدول العربية الخليجية منها على وجه الخصوص.

كما أن لدى النظام السوري فرصة إقليمية ثمينة عندما حولت المعارضة التركية ملف التطبيع معه إلى وعد انتخابي في سياق الانتخابات الرئاسية التركية بالمقابل أيضاً فإن الحزب الحاكم حالياً منخرط أصلاً في مفاوضات رباعية للتطبيع مع النظام السوري.

إن القفزة التي يمكن أن تحققها العلاقات التركية مع النظام السوري ستسهم بشكل أو بآخر في خلق فرص لحلول سياسية أو تفاهمات تفضي لتوفير مناخ إقليمي يشكل ضغطاً على المجموعة العربية لقبول أو تسريع عملية التطبيع سيما في حال حقق الرئيس التركي أردوغان فوزاً في الانتخابات القادمة لما تتمتع به حكومته من صلات قوية مع كل الجهات الفاعلة في الملف السوري ومنها العربية.

ليس محسوماً حتى اللحظة حضور رأس النظام السوري سيحضر القمة العربية القادمة في الرياض أم لا وكيف هي رؤية اللجنة المكلفة بمتابعة مسار التطبيع بالتعامل مع النظام السوري، إلا أن الواضح هو مساعي النظام المستمرة لكسر عزلته مع أي جهة وبأي طريقة وهو ما يراهن عليه لإعادة تدويره إقليمياً في المرحلة المقبلة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط