الطريق إلى الإصلاح

أحمد وديع العبسي

في وقت مبكر جداً من الانتفاضة السورية التي تحولت لاحقاً إلى ثورة ثمّ إلى أزمة ومشكلة دولية وإقليمية ومحلية كان الحديث عن الإصلاح هاجساً عند مختلف شرائح المجتمع السوري.

وخطاب الإصلاح كان خطاباً جذاباً لكل أطراف الصراع ولجمهور هذه الأطراف وللمشاريع البديلة إن صحت التسمية، وكان مرتكزاً أساسياً في الخطاب السياسي والمجتمعي والتوعوي الذي انتشر في تلك الفترة وحتى الآن.

النظام السوري تحدث عن إصلاح وضرورة في الإصلاح، وقدّم وعود كثيرة من أجل ذلك، لكي يتجنب المواجهة مع الشعب، ثمّ اختار المواجهة عندما شعر أن الإصلاح الحقيقي الذي طالبت به المعارضة وداعميها سيهدم الكثير من الأساسات في البنية الأمنية والعسكرية والسلطوية والشمولية التي يعتمد عليها النظام في حكمه، فصار يرى في الإصلاح أحد أهم أدوات المعركة التي يستخدمها الآخرون ضده، ولم يكن مستعداً لتقديم أي نوع من أنواع الإصلاح الشكلي الذي فيه استرضاء للناس والمعارضة خشية أن يتحول إلى إصلاح حقيقي، أو أن يشكل إحدى أساسات بنية جديدة تواجهه مستقبلاً.

باستثناء الحالة الخطابية والإعلامية الدعائية، لم يكن هناك أي محاولة للإصلاح عند النظام، وللأسف انتقلت هذه العدوى لمؤسسات المعارضة والثورة، فكانت كل المشاكل التي تعترضها ترحّل إلى خطاب إصلاحي لا أثر له في الواقع.

وهكذا بقي الإصلاح أسير النص والخطاب الإعلامي مع الفارق الكبير في حجم الفساد بين النظام الذي أمعن في الجريمة وبين المعارضة أو المشاريع البديلة التي ارتكبت أخطاء فادحة وأخذت تبني بنيتها ومؤسساتها فوق تلك الأخطاء دون أن تسعى إلى إصلاح حقيقي يُقدم تجربة مختلفة في عيون الناس، الذين صاروا تحت حكم البنى الجديدة.

ومع الوقت بدأ الفساد يعيد تأسيس نفسه وبدأت الجريمة تنتشر، وبدأ الناس يشعرون أنهم لم ينتقلوا إلى مكان أفضل بعد الثورة والتضحيات، وإنما كان المكان الأقل سوءاً، أو الأقل تعسفاً وجريمة، وكل الممارسات التي تمّ انتقادها عادت لتظهر من جديد بأشكال مخففة.

لا نستطيع أن نجزم بشكل مؤكد إذا كان ما يجري هو فاتورة مرحلة انتقالية تحت ظل الأزمة وضمن سياق ثورة غير منتهية، أم أنه بداية لإعادة تشكّل جديد للاستبداد والطغيان بأساليب أكثر عصرية وتحت شعارات جديدة للحرية والعدالة، المستقبل وحده من يستطيع الإجابة، ونحن كجزء من هذا المستقبل نستطيع أن نحاول أو أن نعمل على صياغة أجزاء من هذه الإجابة.

الطريق إلى الإصلاح لا يستطيع المرور من فوهة مواجهة وحرب وعنف متبادل، الإصلاح في مفهومه لا يمتلك القدرة على النفاذ من الهياكل الصلبة التي تتصادم دائماً، لأنه مفهوم يركز على النتيجة ولا يركز على الآلية.

الإصلاح هو وسيلة تغيير، وليس وسيلة تبديل، فعلاقته مع الفساد ليست علاقة انتقام من الفساد كما يريد الناس أن يفعلوا، وإنما إصلاح للفساد، أي تغيير له ليصبح أفضل مع الوقت، وليس أفضل فوراً، الإصلاح هو إعادة تأهيل للوصول إلى ظروف أفضل تنهي الفساد، وليست محاربة للفساد، هذه الطريقة التي يسلكها الإصلاح الحقيقي هي طريقة تهدف للتغيير وليس للتدمير، لا تحاول أن تكسب الأعداء وإنما تعمل جاهدة على تخفيف التوتر وضمان المصالح للجميع، بحيث يتم تغيير جزء كبير من الفساد بوقت طويل نسيباً ولكنه أقل كلفة من محاولة اقتلاعه ومحاربته، خاصة وأن الفساد أقوى دائماً وأساليبه أشد عدوانية.

هذه المعادلة في الإصلاح ترتكز على الدعوة والعمل والزمن والمحاولة والمسامحة والمصالحة وضمان المكاسب وإعادة التركيز على القيم وغير ذلك من الأساليب المرنة والبعيدة عن العنف، هي المعادلة التي يمكننا من خلالها الوصول إلى مستقبل أفضل، وهي الأسلوب الذي اتبعه معظم رواد التغيير العالمي من الأنبياء والمفكرين والمصلحين على مرّ التاريخ، وهو ما يجب أن نفعله نحن إذا أردنا الوصول إلى الإصلاح وليس الانتقام والتقاتل وإفناء بعضنا بعضا.

أحمد وديع العبسيإصلاح المعارضةالإصلاحالثورة السوريةالفسادالفساد في سوريةالفساد في مؤسسات المعارضةالنظام السوري والإصلاحصناعة التغيير